على الرغم من أن المرأة السعودية ترتدي عباءات سوداء فضفاضة عند خروجها لتتسوق إلا أن ذلك لم يمنع من تعرضها للتحرش بمختلف أشكاله، ويعرّف التحرّش الجنسي بأنه أي صيغة من الكلمات غير المرحب بها و/أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الاحترام، أو الإساءة، أو أنه مجرّد جسد.
أطلق مغرّدون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة للمطالبة بسن قانون صارم ضدّ المتحرشين بالنساء في المملكة. وجاءت هذه المطالب على إثر انتشار مقطع فيديو لمجموعة شبان يتحرشون بفتيات في إحدى الأسواق بشرق السعودية، وأظهر المقطع الذي شاهده أكثر من مليون متابع اشتباكات بالأيدي بين فتيات وشبان، قبل أن تبادر إحداهن إلى تسديد ركلة إلى أحدهم. وأكدت دراسة ميدانية أجريت في وقت سابق أن السعودية تحتل المركز الثالث عالميا في قضايا التحرش الجنسي بالعمل، مشيرة إلى أن 16 بالمئة من النساء العاملات في البلاد تعرضن للتحرش من قِبل المسؤولين في العمل.
وأظهرت الدراسة أن نسبة التحرش في السعودية أعلى بكثير من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسويد وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وأستراليا وأسبانيا وبقية الدول الأوروبية المعروفة بتحررها وانفتاحها الأخلاقي.
وبيّنت أن النسبة الأكبر من الموظفات اللواتي يتعرضن للمضايقات الجنسية أو التحرش الجنسي المتعمد في العمل تقل أعمارهن عن 35 عاما. وأثارت الإعلامية السعودية سلوى شاكر جدلا واسعا حين أكدت أن معظم الإعلاميات السعوديات يتعرضن للمضايقات والتحرش خلال العمل.
وأشارت الكثير من الدراسات إلى أن النساء في السعودية يلجأن إلى الصمت ولا يتجرأن على الإفصاح عن تعرضهن للتحرش بسبب خوفهن من الفضيحة ومن سياط المجتمع المحافظ والمتشدد.
ويرى خبراء في علم النفس أن انتشار التحرش في الدول العربية مردّه غرس مشاعر الغطرسة والتعجرف في نفوس الذكور منذ الصغر وإشعارهم بأنهم أكثر قوة وحظوة من الفتيات، وأن الجنس الناعم مجبر على تقديم ولاءات الطاعة والامتثال
كما أشاروا إلى أن كلفة عدم الاختلاط بدورها جاءت بنتيجة عكسية باعتبارها تغرس في نفوس الذكور الفضول وتجعل تصرفاتهم في كثير من الأحيان مطبوعة بالخشونة والغلظة في التعامل مع الجنس الناعم وهو ما يدفعهم إلى الإقدام على التحرش.
ووضح خبير في علم الاجتماع أن شعور الشباب بالغبن والقهر وبغموض المستقبل وضبابيته من جراء البطالة والعوز يدفعهم إلى التصرف بعدائية واستهتار ويرمي بهم في متاهة الإدمان والتطرف والاندفاع إلى عالم الجريمة والتعدّي على الآخرين بما في ذلك التحرش اللفظي والجسدي بالنساء.
ويذكر أن مجلس الوزراء أقرّ نظام الحماية من الإيذاء في 26 أغسطس الماضي، الذي يوفر الحماية من الإيذاء على اختلاف أنواعه، وساهم هذا البرنامج في رفع الوعي الاجتماعي بقضايا التحرش ضدّ المرأة وغيرها من القضايا. وتهدد هذه المشكلة النساء العاملات في السعودية، لما لها من تأثيرات مهنية بفقدان الوظيفة أو الترقية، وانخفاض في الأداء الأكاديمي أو العملي بسبب ردود الفعل النفسية التي قد تتعرض لها المرأة، وقد تنسحب من عملها، وتقع فريسة مرض الاكتئاب الذي يؤثر على ممارسة حياتها بشكل طبيعي.
يذكر أن آخر إحصائية رسمية، قدرت قضايا التحرش في السعودية بـ2797 قضية، يمثل المتهمون فيها من السعوديين نسبة 59.9 بالمئة، في حين تذهب النسبة المتبقية إلى غير السعوديين بنحو 1128 قضية تحرش.
ونادى مسؤولون ومختصون في السعودية الجهات المعنية إلى ضرورة سن قوانين لمكافحة التحرش الجنسي عبر إجراءات واضحة وعقوبات صارمة في حق المتحرشين، في وقت أكدت فيه جمعية حقوق الإنسان عن تحركات تجريها لإيجاد قانون مستقل مع الجهات ذات الاختصاص.
وفي السياق ذاته أكدت الدكتورة هتون أجواد الفاسي، الأستاذ المشارك في تاريخ المرأة بجامعة الملك سعود، على ضرورة وضع أنظمة وتشريعات واضحة تحمي الجميع لا سيما المرأة والأطفال من كافة أشكال التحرش الجنسي، مبينة أن من الإشكالات الأساسية في هذا الشأن هي النظرة المحدودة لقضية التحرش الجنسي لدى المجتمع ومؤسساته الرسمية، حيث ينظر له كتحرش جسدي فقط، بينما يتمّ إغفال أشكاله المتعددة الأخرى ومن بينها الجانب النفسي.
وأضافت الفاسي، أنه من المهم جدا إيجاد هذه القوانين خاصة في بيئة العمل المختلط، حيث تحتاج للحماية بشكل أكثر من الأسلوب التقليدي الذي يعتمد على شهامة الرجل وحمايته. وانتقدت الدكتورة الفاسي، ما وصفته بـ”الاتكاء على اجتهادات الفقهاء سابقا”، مبينة أن مفهوم التحرش آنذاك لم يكن معروفا ولم يكتب عنه للاستناد عليه.
وقالت: “المبادئ موجودة في القرآن الكريم ومن المفترض أن تخضع للتقنين لارتباطها بالآداب العامة في هذا الأمر”.
وأضافت الفاسي: “الإسلام حث على ردع التحرش إلا أن ذلك لم يترجم بلغة قانونية، فالقضاة سيستمرون في الاجتهاد والتقدير لا أكثر، إلا أن بعضهم يلوم المرأة من وجهة النظرة الاجتماعية لديه دون تقدير عميق لمدى خطورة هذه المسألة على المجتمع وأفراده”، مشددة على الحاجة الضرورية للاتفاق على مصطلح التحرش وترسيخه بالرجوع إلى الإعلان العالمي لمكافحة العنف ضدّ المرأة. وقالت: “نحن في حاجة إلى مراجعة آلية القانون لدينا بوقفة جادّة، لتلافي الخلل في عدم تدوينه وأحادية نظرته وتمسكه بالشكليات وغياب المرأة في الشأن القانوني ووضع القوانين وصياغتها، خصوصا أن حماية المرأة ضمن هذه القوانين لا تتخالف مع الشرع”.
من جهته، أوضح أمين عام الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور خالد الفاخري أن مسألة التحرش الجنسي من المسائل التي تدخل ضمن اهتمامات الجمعية التي تقوم حاليا بتحركات جادّة مع الجهات المعنية بسن القوانين ومتابعتها. وأشار الفاخري إلى وجود فرق بين نظام الحماية من الإيذاء ونظام مكافحة التحرش، مما يجعل إيجاد نظام رادع لمكافحة التحرش الجنسي في السعودية من ضروريات حماية الحقوق.
ومن جهة أخرى اعترض المستشار القانوني سلطان الزاحم على مطالب سن قانون شامل خاص بالتحرش الجنسي، مؤكدا على أن صدور هذا القانون سيحدّ من قوة الأحكام القضائية التي غالبا ما يراها مناسبة لردع المعتدي.
ومن جانبها شددت المحامية بيان زهران، على أهمية وضع نظام مستقل لمكافحة التحرش في البلاد، مشيرة إلى أنه في الوقت الحالي يتم معاقبة المتحرشين بعقوبة تعزيرية كحق عام وحق خاص للمتضررين، إلا أنها تؤكد على ضرورة إيجاد نظام خاص للتحرش كونه سيجعل الأمر أكثر تنظيما وحفاظا على المجتمع بأكمله.