من تابع تصريحات السيد سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ونظيره الأمريكي جون كيري يدرك على الفور، أنه لا حل سياسياً في سورية، وأن الوحيد القادر على طرد المحتل الأسدي والإيراني هو الشعب السوري فقط، لا أمريكا ولا السعودية ولا أي دولة أخرى. فالولايات المتحدة لا تكف كعادتها عن الكذب والمراوغة في الملف السوري متفرجة في الوقت نفسه على مآسي السوريين وتدمير قراهم ومدنهم وقتل صغيرهم وكبيرهم وتشريد ما تبقى منهم خارج البلاد. وهي بدلاً من الوقوف إلى جانب المظلوم في وجه الظالم، أعلنت صراحة أن ما يهمها هو تدمير أسلحة النظام المحرمة دولياً ليس إلا، وبلغت الوقاحة بالسيد كيري أن يثني على مواقف بشار في مسألة تدمير السلاح الكيماوي، بينما ذهب أوباما أبعد من ذلك حيث قال إنه لم يقرر يوماً ضرب قوات الأسد.
ما قاله كيري في مؤتمره الصحفي في الرياض، من أن أمريكا تعتبر الأسد فاقداً للشرعية وأنها لن تبقى مكتوفة الأيدي يؤكد ما أذهب إليه في هذه المادة، فهذه المرة الحادية عشرة التي صرحت فيها الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض أو أوباما نفسه بأن الأسد فقد الشرعية وأن عليه أن يتنحى، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة حافظت على الدوام على أسد يخلصها من خطر السلاح ومن الشعب السوري أيضاً، وماذا تريد أفضل من ذلك. ولعل كيري نسي أن صحف بلاده نقلت عن مسؤولين في خارجيته قولهم إن أمريكا تحافظ دائماً على اتصالات مع “الرئيس السوري” فيما يخص السلاح الكيماوي. فهل يعقل أن تنزع الشرعية من رئيس ثم يفاوض على سلاحه ثم يدعى لمؤتمر يتحاور فيه بوصفه طرفاً رئيساً في معادلة سياسية؟. أما قول كيري إن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي، فإنني أحمله محملاً آخر، ولا أتهكم فيه أو أتخيل، إذ أظنّ أن الولايات المتحدة ستقوم بالتدخل في سورية من خلال توجيه ضربات جوية للثوار، ولا أعتقد أن زيارة المالكي إلى واشنطن خرجت عن هذا السياق وقد تسرب كما نعلم أن المالكي طلب من أوباما صراحة توجيه ضربات عسكرية موجعة للمجاهدين في سوريا والعراق، وما هذا بمستبعد عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
يؤسفنا أن السيد سعود الفيصل يعرف أن إيران احتلت سورية لكنه في الوقت نفسه يبحث عن حل سياسي “للأزمة السورية”. إن أي حل سياسي للأزمة يعني حلاً للثورة وإطالة في عمر الأسد، أو على الأقل الحفاظ على الدولة العميقة والفلول السوريين. ويؤسفنا أن ترى السعودية ما يحدث في سوريا من قتل واستهداف للمسلمين السنة وثقافتهم ودينهم وحضارتهم و تاريخهم، وتتحدث عن حلول سياسية ولا تقوم بما تقوم به إيران من مساعدة مباشرة على الأرض السورية.
لا نشك أن بمقدور السعودية أن تضغط مباشرة على دول عديدة في العالم من أجل تمويل الثوار وتسليحهم وإسقاط الأسد. ويفاجئني أن تصبر الرياض على تغلغل إيران في مناحي الحياة في كثير من البلاد العربية ووصول عملائها إلى إفساد كثير من تلك البلاد بما فيها السعودية ودول الخليج العربي. لا نريد للسعودية أن توافق بحال على جنيف وأن يقتصر دورها بالتالي على حكومة انتقالية كاملة الصلاحية أو ربما أقل من ذلك.
أخيراً، يحزنني الجربا ومعاونوه. ففي الوقت الذي يصرحون فيه برفض مؤتمر جنيف إلا بشروطهم يواصل العالم اجتماعاته وتحضيره للمؤتمر كأن الائتلاف السوري غير موجود أصلاً. أتساءل : إذا تعرض الائتلاف لضغط شديد للذهاب إلى جنيف وهو لا يريد ذلك بالفعل فلماذا لا يستقيل فتسقط جنيف من أصلها؟. على أية حال نحن بانتظار موقفهم النهائي في التاسع من الشهر الجاري و لكل حادثة حديث.
د. عوض السليمان
دكتوراه في الإعلام. فرنسا