قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن حكمًا صادرًا عن محكمة إماراتية في محاكمة سابقة يثير بواعث قلق بشأن محاكمة مماثلة سوف تنطلق في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2013. يدعو الحكم الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات في قضية 69 شخصًا تمت إدانتهم بمحاولة قلب نظام الحكم في البلاد تساؤلات حول قدرة النظام القضائي الإماراتي على احترام الحقوق الأساسية لحرية التعبير والتجمع السلمي. ستشمل محاكمة 5 نوفمبر/تشرين الثاني 30 شخصًا متهمين بجرائم مماثلة.
كما قالت هيومن رايتس ووتش، بعد مراجعة نصّ الحكم مترجمًا، إنه يبدو أن الأشخاص الذين تمت إدانتهم في القضية السابقة، بحسب الحيثيات الذي اعتمدتها المحكمة، قاموا فقط بممارسة حقوقهم المشروعة في حرية التعبير والتجمع. ويُركّز الكم الهائل من الأدلة الواردة في نص الحكم، الذي يمتد على 243 صفحة، على أنشطة سياسية سلمية شارك فيها المتهمون، وعلاقاتهم بجمعية الإصلاح الإسلامية التي يقول نص الحكم إنها فرع للإخوان المسلمين. أما الدليل الوحيد الذي يوحي بوجود نية للإطاحة بالحكومة هو اعتراف أدلى به المتهم أحمد السويدي الذي قامت السلطات بإخفائه بشكل قسري لمدة خمسة أشهر بعد أن قامت باعتقاله في 26 مارس/آذار 2012. يُذكر أن السويدي نفى كل التهم الموجة إليه أثناء المحاكمة.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يكشف الحكم الصادر عن المحكمة أن الإدانات كان فيها قدر كبير من الظلم. وباستثناء اعتراف وحيد يبدو أنه انتزع بالقوة، فإن نص الحكم ليس فيه إلا وصف لجمعية سياسية تدعو إلى تحقيق عدالة اجتماعية عبر إصلاح سياسي سلمي”.
لم يحصل أيّ من المعتقلين الـ 69 في المحاكمة السابقة على مساعدة قانونية لمدة أشهر أثناء فترة الاعتقال السابقة للمحاكمة. وأثناء المحاكمة، تمكن 22 من بين 94 متهمًا من تسريب رسائل كتبت بخط اليد زعموا فيها أنهم تعرضوا إلى معاملة سيئة كانت أحيانًا ترقى إلى التعذيب. ولا توجد أي أدلة على أن المحكمة قامت بالتحقيق في هذه المزاعم. وفي 2 يوليو/تموز، أدانت المحكمة 69 متهمًا وحكمت عليهم بالسجن لفترات تصل إلى عشر سنوات.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني، ستتم محاكمة 20 مصريًا و10 إماراتيين في محكمة أمن الدولة بتهم إدارة فرع للإخوان المسلمين في أبوظبي. ومثلما هو الحال مع العديد من المدانين في محاكمة يوليو/تموز، يزعم المتهمون أن السلطات الإماراتية قامت بتعذيبهم أثناء الاعتقال، ومنعتهم من الحصول على مساعدة قانونية لعدّة أشهر.
وفي 4 مارس/آذار، قبل انطلاق الجلسة الأولى للمحاكمة السابقة، قالت مصادر موثوقة لـ هيومن رايتس ووتش إن الادعاء اعتمد بشكل كبير على اعترافين لمتهمين اثنين، رغم أن نص الحكم لم يتحدث إلا على واحد منهما.
تم تخصيص 15 صفحة من نصّ الحكم لاعتراف أحمد السويدي الذي يقدم فيه وصفًا دقيقًا لهيكلة جمعية الإصلاح والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. ويقول نصّ الحكم بـ “أنه وآخرين أنشأوا وأسسوا وأداروا تنظيم – الإخوان المسلمين على ساحة دول الإمارات – يدعو إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة بهدف قلب نظام الحكم والاستيلاء عليه”.
وخلُصت هيومن رايتس ووتش إلى أنه لا يوجد أي شيء آخر في نص الحكم، عدا اعتراف أحمد السويدي المثير للجدل، ما يبرز أن الأشخاص المدانين كانوا يقومون بأي عمل آخر غير التعبير عن رأيهم في إطار منظمة تسعى إلى تحقيق إصلاح سياسي.
توجد في اعتراف السويدي إشارات إلى محمد المنصوري ومحمد الركن، وهما محاميان إماراتيان في مجال حقوق الإنسان واثنان من الشخصيات البارزة في الجمعية. ويقول نصّ الحكم إن المنصوري قام “بوضع التصور وذلك بتشكيل توجه وطني من أطياف مختلفة والمطالبة بمجلس وطني منتخب والضغط على الدولة من الخارج والداخل وتشويه صورتهم لقبول وجود التنظيم والسماح لهم بالعمل بعلانية في الإمارات”.
كما يقول نص الحكم إن أعضاء في جمعية الإصلاح، وخاصة محمد الركن ومحمد المنصوري “تواصلوا مع منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش”، وحاولوا “السيطرة على جمعية المعلمين والحقوقيين في الإمارات”، واتصلوا “بسفارات دول أخرى”.
واستنادًا إلى نص الحكم، اعترف محمد المنصوري أنه كان يُدير موقعًا الكترونيًا، وشارك في لقاءات تلفزيونية سياسية تم بثها من خارج الإمارات. وبحسب نص الحكم: “أقر بالحوارات التي شارك فيها، وبمواجهته بأن بعض ما جاء في أحاديثه في حلقات برنامج أبعاد خليجية التي شارك فيها بها تشويه لصورة الدولة وحكومتها لدى الرأي العام الداخلي وتأليبه – قرر أن ما ذكره هو نقل للواقع وأن ما تكلم عنه بسبب انتهاك بعض المسؤولين لقانون دولة الإمارات ودستورها”.
تقول مقدمة الدستور الإماراتي لسنة 1971 إن الدولة “تسير قدما نحو حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان”.
ويقول نصّ الحكم إنه تمت “مواجهة” محمد الركن بنصّ نشره على برنامج “واتساب” تحت عنوان “المواطن الإماراتي: إلى أين؟” وطرحت الرسالة سؤلا حول أسباب منع رجل دين كويتي معروف من دخول الإمارات، وتضمنت رابطًا لمقال نشرته أسوشييتد برس حول اعتقال خمسة مواطنين إماراتيين في 2011 كان محمد الركن قد ترافع عنهم، ورابط آخر للصفحة الخاصة بالإمارات العربية المتحدة على موقع هيومن رايتس ووتش. واستنادًا إلى نصّ الحكم، قال محمد الركن إن دوره تمثل في تقديم “تحليل سياسي متزن مستند إلى معلومات حول مسائل كثيرة”.
تُقدم 29 صفحة من نص الحكم تلخيصًا لأربعة تسجيلات صوتية لأعضاء من جمعية الإصلاح يتحدثون فيها عن مسائل سياسية داخلية، يقول النص إنها تتجاوز 22 ساعة. كما يقتبس نص الحكم بعض المقتطفات بشكل حرفي، ولكنه أيضًا يعيد صياغة الكثير مما زعم أن الأشخاص تحدثوا عنه.
واستنادًا إلى نص الحكم، تساءل أحد المتحدثين في 26 مايو/أيار 2011 حول الكيفية التي يجب أن تردّ بها الجمعية على الانتفاضات العربية قائلا: ” أيها الإخوة الأحبة… عندما بدأت الثورات في العالم العربي، مثل مصر وغيرها، ما هو موقعنا من هذه الحركة العظيمة؟ هل نخرج معهم وننزل إلى الشوارع أو أننا لنا أدوار أخرى؟” بينما يقول متحدث آخر في اجتماع عُقد في 6 فبراير/شباط 2012: “ميدان تحريرنا تويتر”.
يبدو أن محتوى التسجيلات كان في الغالب نقاشًا سياسيًا سلميًا. وأثناء اجتماع 6 فبراير/شباط، طرح أحد المتحاورين عددًا من الأسئلة، ومنها: “هل المواطن الإماراتي خائف من إبداء رأيه؟”، “ما لذي تحس به عندما تعلم بأن وظيفتك مرتبطة بموافقة جهات؟”، و”هل الطفرة المادية تُغني عن الكرامة الإنسانية؟” كما يستعرض نص الحكم ما قاله أحد المتحاورين، ويمكن أن يكون ذلك دليل نفي، عندما قال: “أردت أن أصل إلى أننا هنا في دولة الإمارات لسنا كذلك بدعا لأمن الشعوب ولأمن الأنظمة، النظام نفس النظام الموجود في العالم العربي ما عنده إلا هذا واعتقد – يعني كذلك – شعوبنا وشعبنا وأفرادنا هم من أبناء هذه الأمة”.
يضمن الحق في حرية التجمع حق كل شخص في الانضمام إلى أشخاص آخرين لتحقيق هدف معين، وتوفر المادة 24 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والمادة 33 من الدستور الإماراتي حماية هذا الحق، مع التحذير أن الحماية “مكفولة في حدود القانون”.
قال جو ستورك: ” يبعث هذا الحكم برسالة إلى المواطنين الإماراتيين مفادها أن الانخراط في أي نقاش سياسي حر أو انتقاد الحكومة تُعتبر أعمال خيانة. وفي المناخ القمعي الحالي، فإن أفضل طريقة يضمن بها الإماراتيون بقاءهم خارج السجن هي ممارسة حقهم في التزام الصمت”.