عاد المالكي إلى بغداد من واشنطن قبل يوم من الموعد المحدد، عقب سلسلة من المفارقات التي رافقت الزيارة، التي إن أشّرت إلى شيء، فإلى انتهاء شهر العسل بين حكمه والعم سام.
وأفاد مصدر سياسي مطلع بأن المالكي ألغى اللقاء الذي كان مقرراً مع الجالية العراقية في واشنطن مساء أول من أمس لدواع أمنية، ما ولد غضباً وامتعاضاً شديدين بين أعضاء الجالية، ممن دعتهم السفارة العراقية في واشنطن للقاء المالكي، ثم ألغته من دون تقديم اي اعتذار أو تفسير.
وأوضح المصدر أن «لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما بالمالكي تأجل أكثر من 4 ساعات عن موعده المقرر لأسباب أمنية»، مشيراً إلى أن «الضغوط التي تعرّض لها المالكي من أعضاء الكونغرس، فضلاً عن التظاهرات المنددة بزيارته أجبرته على تقليص مدة زيارته». وأضاف إن «المالكي منزعج جداً من تدني مستوى البروتوكول الديبلوماسي الذي لقيه أثناء زيارته واشنطن، وغاضب من قرار الإدارة الأميركية بعدم استضافته في منزل كبار زوار البيت الأبيض، ما دفعه إلى السكن في فندق مجاور، وعلى حساب الحكومة العراقية».
وكان عشرات العراقيين والإيرانيين المنددين بزيارة نوري المالكي للبيت الأبيض قد دانوا بشدة، في تظاهرة حاشدة أمام البيت الأبيض، جرائم المالكي ضد الإيرانيين المعارضين في العراق، كما شارك في الاحتجاجات عدد من أعضاء الكونغرس وكبار مجموعات الضغط التي تعدّ المالكي منفذاً لسياسة إيرانية في العراق.
وتابعت وسائل الإعلام الأميركية زيارة المالكي بكثير من النقد الذي شمله شخصياً، فضلاً عن إدارة أوباما، التي دعمته خلال السنوات الثلاث الماضية، وأسهمت في تنصيبه رئيسا للوزراء. وتناولت الصحافة الأميركية الزيارة بالتحليل، فوصفتها «وول ستريت جورنال» بـ«المتوترة»، وبأنها فشلت في الحصول على مزيد من الدعم العسكري، وأبرزت عمق اختلاف وجهات النظر حول أسباب ارتفاع مستوى العنف في العراق، وسبل مواجهته واحتوائه.
ونقلت الصحيفة انزعاج مشرعين أميركيين من ذوي الوزن في الحياة السياسية من إصرار المالكي على أنه لا يتحمل إلا النزر البسيط من المسؤولية عن العنف الذي يجتاح العراق. وأكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ روبرت مينينديز أنه أصيب «بخيبة أمل» من لقائه المالكي، الذي ألحق، من وجهة نظره، ضرراً كبيرا بالغرض الرئيسي من زيارته، وهو الحصول على دعم عسكري أميركي. وقال مينينديز «إذا كانت الزيارة لغرض ضمان الثقة والدعم الأميركي، فمن المؤكد أنه لم يستطع أن يقنعني بضرورة قيام أميركا بذلك».
ومع أن المشرعين الأميركيين غاضبون من أداء الحكومة العراقية وتحالفها مع إيران ودعمها لدمشق، إلا أن المالكي أكد أن بلاده تنتظر موافقة الكونغرس الأميركي على امتلاك العراق طائرات من دون طيار وأباتشي واف 16. وقال، في طريق عودته من واشنطن، إن «وفدنا العراقي عقد محادثات مع الجانب الأميركي، ونوقشت حاجة العراق للأسلحة والخبرات والمعلومات التي تدخل في مجال مكافحة الإرهاب لا الأسلحة الاستراتيجية أو الثقيلة»، مضيفاً أن «الحديث كان عن تفعيل القدرات العراقية في ملاحقة الإرهاب والإرهابيين وكسر شوكتهم».
ردود أفعال الداخل العراقي على هذه الزيارة لم تعكس أجواءً إيجابية، حيث هاجم زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر المالكي، متهماً اياه بأنه عكس صورة «سوداء» عن «المذهب» الشيعي والعراق، ودعاه إلى الاعتراف بالفشل في إدارة الحكومة.
وقال الصدر، في معرض رده على سؤال مكتوب وجّه إليه بشأن الزيارة، إن المالكي «ذهب بدون أخذ الإذن أو إخبار البرلمان، ومن دون مشورة الأصدقاء أو الشركاء»، مشيراً إلى أن وجود المالكي «بين يدي رئيس أكبر دول الاستكبار يعكس صورة سوداء عن المذهب وعن العراق». واتهم الصدر المالكي بـ«عدم التوازن في خطابه أمام أكبر دول الاحتلال، وكان من الأجدر به أن يستغيث بشركائه في العراق بدلاً من أن يستجدي من دول أوصلت العراق إلى قعر الهاوية».
كذلك تمنى الصدر لو أنه رأى المالكي «واقفاً بين ابناء شعبه في الأنبار أو الموصل أو في ديالى أو في المناطق المعدمة في بغداد أو المناطق التي يعصف بها الإرهاب أو في محافظات الجنوب لأجل الدعاية الانتخابية».
وأضاف «تمنيت أن يجمع (المالكي) كل الأطراف العراقية لكي ينتشل العراق من تلك الخلافات والصدامات والصراعات، فنحن أولى بالعراق من جيش الظلام، وكم تمنيت أن يقف بين يدي دول صديقة مثل روسيا والصين لنقف معا لنخرج العراق من أسوء أيامه». واستدرك بالقول إن «كنت تريد ولاية ثالثة، فهذا لا يعني تبريرك لزيارتك التي كلفت الملايين من الدولارات»، داعياً المالكي بالقول اعترف بضعفك وبفشلك، فهذا ليس عيباً، بل الاعتراف بالخطأ فضيلة».
وقال الصدر إن «العلاقة مع دول الجوار والأصدقاء ودول الربيع العربي أصبحت عداء وخصومة بفضلك»، في إشارة المالكي. ثم عاد ليضيف: «اذا ابتعدت عن الولايات المتحدة ولم تجعل المسؤولية بيدها، فنحن على أتم الاستعداد لنقف صفاً واحداً لإنقاذ العراق، ليس من الارهاب فحسب، بل من الفساد أيضا».