لأن التكرار يعلم الشطار، لهذا فإنني بحاجة للتأكيد على أن عودة برنامج ‘البرنامج’ على قناة ‘سي بي سي’، هو في الأصل والفصل لمواجهة معارضي الانقلاب، وللتصدي لقناة ‘ الجزيرة’، التي بددت شمل الانقلابيين، وأسقطت عنهم ورقة التوت التي تستر العورات، والتي تحرص على وجود الرأي والرأي الآخر، على الرغم من أن هناك 34 قناة تلفزيونية في مصر، تقدم الرأي وتصادر الرأي الآخر، بشكل يصيب الخلائق بالصرع، يكفي أن تنظر إلى لميس الحديدي، وهي تتكلم بيديها وعينيها، وبالرمش وبالحاجب حتى تخرج للشوارع لتنظيم المرور. ومنذ اختطاف الرئيس محمد مرسي وهي تقيم الأفراح كما لو كان الوالد قام بتأدية فريضة الحج وعاد من إحدى الدول العربية!
ولأننا في اليوم العالمي للتكرار، فإننا نعيد ما كتبناه هنا من قبل عن رئيس تحرير صحيفة قومية كبرى، في زمن حسني مبارك، عندما كان أحد لا يجرؤ على ذكر اسم المملكة العربية السعودية على ‘طرف قلمه’ بما تكره، ولأن المحرر مندوب الصحيفة بمطار القاهرة، كتب عن هذا المحتال، الذي كان عائداً من أداء العمرة، وفي المطار تم إلقاء القبض عليه تنفيذاً لأحكام قضائية تدينه بالنصب، ولأن رئيس التحرير الهمام وجد أنه من غير المناسب أن يتمضمض باللبن الحليب، ويذكر اسم المملكة في صفحة الحوادث، فقد راجع الخبر وشطب اسم الدولة، لتتم الصياغة على هذا النحو: ‘كان يؤدي العمرة بإحدى الدول العربية’.
تبدو لي أنها جيبوتي، تماماً كما يبدو لي أن السيدة لميس الحديدي في استقبال أحد أفراد العائلة العائد من تأدية فريضة الحاج بالغابون، وعلى أيامنا كان من يسافر للحج ويعود يجد الورثة وقد قاموا بطلاء واجهة المنزل وكتبوا عليها: ‘حج وزار قبر النبي المختار الحاج شرف الدين والد درية’، ودرية شرف الدين لغير المطلعين على بواطن الأمور هي وزيرة الإعلام في حكومة الانقلاب، وهي التي قالت ان أي إنسان سيظهر على شاشة ‘الجزيرة’ ليس مرحباً به على الأراضي المصرية، باعتبار أن مصر ضيعة للعائلة المقدسة!
ولان الرئيس المعين تخصص طيران، فقد طار إلى السعودية، ثم عاد وطار إلى الكويت ومنها إلى الإمارات، وعله وهو عائد بعد طيران كان يغني: ‘على الضيعة.. على الضيعة.. وديني وبلاش بيعة’.
لا أعرف لماذا لم يطر إلى الأردن، ووزير الدفاع عد الأردن في خطاب سابق، على أنها من الدول التي ساندتهم في الثورة، لكن لا بأس فالأردن بلد فقير مثلنا، وقديماً قال ابن أبيه: ‘تجاور السعيد تسعد، تجاور الفقير يأكل عشاءك’، ويتركك بالتالي تنام على لحم بطنك!
باسم يوسف والذين يتقربون للسيسي ‘الدكر’ بالنوافل
باسم أراد أن يقدم نفسه باعتباره محايداً، تمهيداً لما هو آت ولكي يبلع المشاهد ‘الطُعم’، فبدا كما لو كان يهاجم الفريق السيسي، في حين أن سخريته كانت منصبة على الذين يتقربون إليه بالنوافل، وقدم فقرات من برامج تلفزيونية مختلفة تجميعها كاشف عن أن هناك من يحرك مقدمي البرامج من وراء حجاب، فليس مصادفة، أن يجمع أكثر من برنامج على وصف السيسي بأنه ‘دكر’، وهناك من وصفه بأنه رجل و’سيد الرجالة’، وتم استدعاء مقال الدكتورة خالدة الذكر التي قالت له ‘اغمز بس أنت بعينك’، وكان هذا هو عنوان مقالها، الذي لو نشر في بلد مثل بريطانيا العظمى تتشدد في قضايا التحرش لأمكن للسيسي أن يجرها إلى المحاكم من شعرها بتهمة التحرش به.
وهو توجه جديد بعد فشل توجه عبد الناصر الذي عاد من خلال عملية تناسخ الأرواح، فقد حلت روح عبد الناصر في السيسي، فصار كما نرى قصيراً ودلو ‘طولا’، ليصبح في طول عبد الناصر، لكن من الواضح أنه لم يؤت بسطة في الجسم مثله، لان عبد الناصر ولد في زمن كان فيه ‘جوز الحمام ثلاثة فرادي’، فهو طبعة 2013 التي تختلف تماماً عن الطبعة القديمة لعبد الناصر.
صاحبنا وجد فيه الناصريون ضالتهم، فلما رأوه بازغاً قال قائلهم: هذا ربي هذا أكبر. باعتبار أنه اكبر رتبة، ففي حين ان السيسي برتبة فريق أول، فان رتبة عبد الناصر لم تتجاوز البكباشي.
ومنذ ذلك الحين، والفريق السيسي، لم يقدم نفسه على أنه عبد الناصر، ولم يقل ما الذي يمثله له الزعيم الخالد، والمدهش أن يعتبر هؤلاء السيسي هو عبد الناصر في حين أن الرجعية العربية، على حد تعبير عبد الناصر، التي ناصبته العداء، وعملت على هزيمته، تنحاز لناصر في طبعته الجديدة.
السيسي لم يقل انه عبد الناصر، لأنه يعلم أن هذا من شأنه أن يستعدي واشنطن وتل أبيب، والكويت، ودبي، لذا فانه يترك الأمر لحملة الدفوف، لكن بعد أن مل من هذه الدعاية كان الوصف الهادف بالنسبة له هو أنه ‘دكر’، وبالتدريب سيكون ‘دكر ورئيس قسم’.
وقد كان جمع هذه الفقرة في برنامج باسم يوسف على لسان أكثر من مذيع، وأكثر من ضيف، استوى في هذا ضيوف الاستوديوهات وضيوف الشوارع، كاشف عن هذا التوجه الجديد في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الأمة.
وصف ‘الدكر’ لا يحتاج سوى إلى حيثيات بسيطة، فيكفي أن يقال، اختطف الرئيس المنتخب لذا فهو ‘دكر’، لقد أصدر أوامره بفض رابعة والنهضة بالقوة ليكون ‘دكرا’، لقد أصدر أوامره بقتل واعتقال الإخوان، فهو لهذا ‘دكر من ظهر دكر’، أما وصفه بأنه عبد الناصر، فان هذا يكلفه من أمره رهقاً.
وهناك اجتهادات شخصية من قبل مقدمي البرامج، تبرز فيها القدرات الخاصة، وقد قدم باسم يوسف أحدهم وهو يقول ان فتيات كثيرات يصررن على أن توضع في السلسلة الذهبية التي هي جزء من ‘الشبكة’ عند ‘الخطوبة’، صورة الفريق عبد الفتاح السيسي.
عودة ‘البرنامج’ تستدعي مبررا لوقفه مؤخرا
باسم لم يقترب من رحاب السيسي بشطر كلمة، لكنه هاجم الذين تقربوا إليه بالنوافل، ومع ذلك فلم تكد تنته الحلقة حتى عومل كما لو كان قد هاجم السيسي، وظللنا أسبوعنا كاملاً في أجواء حرب على هذا البرنامج الذي تجاوز في حق حامي الحمى، الفريق السيسي، واحدى الممثلات غضبت غضباً شديداً وقررت تقديم بلاغ للنائب العام ضد المذكور، لأنه سخر من الرجل الذي أعاد للمصريين كرامتهم وواجه الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تقل في أي ساحة كانت هذه المواجهة؟!
لقد شاهدنا هجوماً شديداً ضد باسم يوسف من ‘فرق العشاق’، وسمعنا عن حصار المسرح الذي يقدم فيه برنامجه، فضلاً عن عشرات البلاغات التي قدمت ضده لجهات التحقيق، ولم نسمع صوتاً لأولئك الذين نفروا خفافا وثقالاً، وغدوا خماصاً وبطاناً عندما تم تقديم بلاغ ضد باسم يوسف للنائب العام، بتهمة اهانة الرئيس محمد مرسي، مجرد تقديم البلاغ!
زفة من طبل وزمر إذن، نصبت لبرنامج ‘البرنامج’، وبدا المستهدف لأي صريخ ابن يومين ان القوم يدخلون الغش والتدليس على الرأي العام، فيجري تقديم باسم يوسف على انه ضد االسيسي، وليس موجهاً من إدارته، وذلك لكي نقبل رسالته الحقيقية في الحلقات القادمة من على قاعدة المعارض للفريق السيسي.
وهذاهو بيت القصيد، فهذا البرنامج عاد ليكون أداة سلطة الانقلاب في مواجهة خصومهم، بعد ان عجزت كل هذه الفضائيات الخاصة والعامة في تشويه معارضي الانقلاب، وصارت قناة كـ’الجزيرة مباشر’ مصر، هي القناة المعتمدة في البيوت المصرية وهي التي تنقل وقائع التظاهرات اليومية، التي سعى الانقلابيون في البداية للقول ان عشرات فقط يشاركون فيها، فإذا بالصورة كاشفة!
لقد كنا نعلم، أنه لا عودة لبرنامج ‘البرنامج’ بعد الانقلاب، فقد أدى ما عليه في حملة تشويه الرئيس مرسي، واهانته، وتقديمه للرأي العام مهاناً، ولقد مضى على الانقلاب أكثر من مائة يوم توقف خلالها البرنامج، وكان عليهم أن يقدموا مبرراً لعودته الآن بعد هذا الانقطاع، لان عودته كانت تستدعي تقديم مبرر لوقفه خلال الفترة الماضية!
التشويش على تسريبات ‘الجزيرة مباشر’
ومع كل، فقد بدت الحملة على هذا البرنامج وصاحبه، كما لو كانت خطة للتشويش على التسريبات التي بثتها ‘الجزيرة مباشر’ مصر، في نفس الوقت الذي أذيع فيه برنامج ‘ البرنامج’ بعد غياب، والخاصة بالمقابلة التي تمت بين الفريق السيسي وياسر رزق رئيس تحرير ‘ المصري اليوم’، والتي يجري بثها فقرة، فقرة، وعقب كل فقرة يتم الهاء الرأي العام بأمر ما للتغطية على ذلك.
في التسريبات السابقة، قيل ان ما تم بثه ملفق ومفبرك، وانبعث أشقاها ليقول انه وباعتباره يعمل مخرجا سينمائيا محترفا فانه يؤكد ان ما تم بثه فبركة. والمعنى ان الصوت ليس صوت السيسي، لكن هناك من يقلده، أو أن ما تم بثه استخدم فيه المونتاج لتقديم كلمة وتأخير أخرى، وما إلى ذلك.
فى الأولى، فانه كان الأمر يستدعي عرض الموضوع برمته لأخذ بصمة صوت وفحصها، ولدى اتحاد الإذاعة والتلفزيون متخصصون في ذلك، وفي الثانية فان الأمر يعني ان هناك مقابلة تم بثها وجرى العبث بها وهذا ليس صحيحاً.
لقد افتعلوا الحوادث للتغطية على أمر التسريبات، وها هم يستخدمون حملة الهجوم على باسم يوسف للتغطية على التسريبات الجديدة، وكان اللافت ان صحافة اليوم التالي لم تشر الى هذه التسريبات، ولم تقل ‘المصري اليوم’ انه أمر ملفق، بل اعترفت بأن المقابلة خاصة بها، ولهذا فان موقع ‘اليوتيوب’ حذف هذه التسريبات لأنها تمس حق الملكية الفكرية لـ ‘المصري اليوم’.. أنعم وأكرم!
التسريبات أكدت ان السيسي طامع في السلطة، ويعلم انه يفتقد لشرعية الجماهير، فهو يريد أن يحصن اسمه في الدستور الجديد، فإذا سقط في الانتخابات الرئاسية صار من حقه ان يعود الى منصبه وزيراً للدفاع، لا يسري عليه العزل او الخلع او الاقالة!
وفي التسريب الأخير علق تهمة قتل المتظاهرين أمام مبنى نادي الحرس الجمهوري في رقبة وزير الداخلية حليفه في الانقلاب، وكانوا من قبل يقولون الاخوان المسلمون قتلوا الإخوان المسلمين هناك!
في وقت بث التسريبات تم الشوشرة على إرسال ‘الجزيرة مباشر’ مصر، ولما وصلت الرسالة لعموم المصريين، جاءت حملة الهجوم على باسم يوسف لتنسي الناس ما جرى.. ومهما يكن الأمر فبرنامج باسم عاد ليواجه خصوم الانقلاب وللتشهير بقناة ‘الجزيرة’.
ومن لا يصدق ذلك نقول له: يا خبر اليوم بفلوس غدا سيصبح مجاناً.
سليم عزوز
* صحافي من مصر