علاء الأسواني هو روائي بارز في مصر. ففي روايته “عمارة يعقوبيان” التي حققت أفضل المبيعات عام 2002 سلط الأسواني الضوء على الفساد السياسي والازدواجية الأخلاقية وعدم المساواة الاقتصادية في مصر المعاصرة مما جعله واحداً من النقاد الأكثر تأثيراً في وجه نظام حسني مبارك. وقد لمع نجمه في أعقاب ثورة عام 2011 التي أطاحت بمبارك، عندما أصبح الأسواني صوتاً محبباً لآذان المعارضة المصرية – “وجه ثورة مصر” على حد تعبير صحيفة “وول ستريت جورنال” – كما يُعتبر في الصحافة الغربية بوجه عام مفكراً مصرياً “ليبرالياً” موثوقاً فيه. ومن المرجح أن تكون هذه السمعة هي التي دفعت بصحيفة “نيويورك تايمز” أن تعلن في وقت سابق من هذا الشهر أنها بصدد تخصيص عمود شهري للأسواني كجزء من قسم الرأي الذي قامت بتوسيعه مؤخراً.
ومع ذلك، فهذا اختيار سوف تندم الـ “نيويورك تايمز” عليه، إذ أنه بالرغم من موقفه الشجاع من نظام مبارك وتصريحاته التصاعدية الواسعة باللغة الإنجليزية، لا نكاد نرى الأسواني ليبرالياً. بل هو في الحقيقة واحد من أكثر المُنظرين المصريين المروجين لنظرية المؤامرة وغالباً ما يستخدم منبره ذائع الصيت كي يؤكد على بعض من أكثر أشكال التعصب القائمة في مصر – ولا يكاد ينفك عن هذا عند تحدثه باللغة العربية أو تغريده بها، وهذا هو السبب الذي غالباً ما يجعل الصحافة الغربية غائبة عن هذا الجانب من شخصيته العامة. فعلى سبيل المثال: قال الأسواني على شاشة التلفزيون المصري إن “منظمة صهيونية ضخمة تحكم أمريكا” وهذا هو السبب الذي “يجعل أوباما غير قادر على الوقوف في طريق رغبات إسرائيل”.
في جُل العام الماضي، عزز الأسواني دون كلل أو ملل النظرية القائلة بأن “الولايات المتحدة تدعم «الإخوان المسلمين» من أجل إعادة طمأنة إسرائيل”. هذا ما قاله لأحد المذيعين المصريين في حزيران/يونيو، وكان قد كرر هذا الادعاء مراراً وتكراراً في الأشهر اللاحقة. و بعد الإطاحة بمحمد مرسي مباشرة في 3 تموز/يوليو، غرد الأسواني “انتاب القلق أوباما لأن إسرائيل قلقة”. وعندما دعا وزير الدفاع المصري المصريين إلى النزول إلى الشوارع في وقت لاحق من ذلك الشهر لـ “تفويض” الحملة القمعية اللاحقة التي شنتها الحكومة ضد «الإخوان» لفرض النظام، غرد الأسواني، “لقد طلب الجيش تفويضاً، لأن ثورة الثلاثين من حزيران/يونيو، تواجه تشويهاً من وسائل الإعلام الغربية الصهيونية التي لا تسامحنا على إجهاض خطة «الإخوان» مع أمريكا وإسرائيل”. وعندما زار السيناتور جون ماكين مصر في آب/أغسطس للتشجيع على دخول الجيش في مفاوضات مع «الإخوان»، غرد الأسواني “الصهيوني جون ماكين، أحد أكبر المدافعين عن إسرائيل، يهدد مصر إذا لم يتم الإفراج عن الشاطر [نائب المرشد العام لـ جماعة «الإخوان المسلمين»] فوراً. التفسير الوحيد أن حكم «الإخوان» يصب في مصلحة إسرائيل”.
كيف يمكن أن تستفيد إسرائيل بالفعل من حُكم منظمة شديدة العداء لإسرائيل مثل «الإخوان» لمصر؟ وبطبيعة الحال، ففي عالم الواقع لا يمكن أن يحدث ذلك. ولكن من وجهة نظر الأسواني المبنية على نظرية التآمر، هناك فائدتان لإسرائيل من دعم «الإخوان». الأولى كما يقول: إن دعم «الإخوان» يعزز أمن إسرائيل. وكما غرد الأسواني في شهر آب/أغسطس “الدعم الصهيوني لـ «الإخوان» يمنع «حماس» من مهاجمة إسرائيل”.
أما الفائدة الثانية كما كتب الأسواني: تريد إسرائيل أن تكون مصر ضعيفة من أجل الهيمنة على المنطقة. وفي ضوء الأداء السيء لـ «الإخوان» في السلطة، “فإن حكم «الجماعة» يتمثل في ضمان تخلف مصر وبقاؤها تابعة”. وفي الحقيقة، إن الفكرة بأن إسرائيل ترى في ضعف مصر تذكرة للهيمنة الإقليمية تعتبر اعتقاداً أصيلاً عند الأسواني. وعندما أثار أحد مقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت الذي يهاجم النبي محمد غضباً عارماً في أيلول/سبتمبر 2012، وتم استخدامه للتشجيع على مهاجمة السفارة الأمريكية في القاهرة، حذر الأسواني المصريين قائلاً “الغضب وردود الفعل الهوجائية” سوف يصبان في صالح إسرائيل التي تعرف “ردود الفعل العربية جيداً وسوف تجد ذريعة للتدخل في شؤون البلاد”.
وحتى بمعايير نظريات المؤامرة، هذا قول سخيف. وفي حين كان ينبغي على واشنطن أن تكون أكثر انتقاداً لأسلوب الحكم الديكتاتوري لـ «الإخوان»، فبكل تأكيد أنها لم “تدعم” «الإخوان» من قريب أو بعيد. (وفي الواقع، إذا كان أي شخص يدعم «الإخوان» فهو الأسواني نفسه منذ أن دعم حملة مرسي الانتخابية عام 2012 ضد رئيس وزراء مبارك السابق – رغم أنه أصر على أن الاختيار بين مرشح من «الإخوان» وبين أحد أعضاء النظام القديم جاء “نتيجة لمؤامرة من المجلس العسكري ضد الثورة”).
وعلاوة على ذلك، بالنظر إلى عداء «الإخوان» الشديد لإسرائيل – تسعى «الجماعة» لإنشاء “دولة إسلامية عالمية” لا تتطابق فكرتها مع فكرة وجود إسرائيل من الأساس – فإن قيام علاقة قوية بين الولايات المتحدة و «الإخوان» لم تكن لتطمئن إسرائيل على الإطلاق. ولا حتى من خلال وقف هجوم الصواريخ من غزة لتي تسيطر عليها «حماس» أثناء حكم «الإخوان» لمصر طيلة عام. كما أن إسرائيل لا تريد أن تكون مصر ضعيفة؛ بل في الواقع، تريد قيام مصر مستقرة، بل تنظر إلى مصر ضعيفة كأرض خصبة للإرهابيين.
ولكن في رؤية الأسواني للعالم، إن الذي يُحرك العديد من الحكومات الغربية في الأساس هو دعمُها لإسرائيل، ويفسر تمركزها المفترض حول إسرائيل كل ما تقوم به. وكما أشار الأسواني في شهر تموز/يوليو بأن “الحكومات الغربية التي غالباً ما تتآمر على مصر لصالح إسرائيل تعانق الآن فكر «الإخوان» وتتبناه. فـ «الإخوان» بالنسبة لهم هم أعظم ضمانة لبقاء مصر ضعيفة ومتخلفة” – والذي يؤكد الأسواني مرة أخرى بأنه مصلحة إسرائيلية أصيلة. ويرى أن وسائل الإعلام الغربية تأتي هي أيضاً تحت الوطأة الصهيونية. وقد غرد الأسواني في تموز/يوليو قائلاً بأنها “تجربة بسيطة، اذهب إلى الموقع الإلكتروني لأي صحيفة عالمية واقرأ تغطيتها عن مصر وسوف تعرف أن معظم الكُتاب الذين دافعوا عن إسرائيل هم في الغالب من يدافع الآن عن «الإخوان»”. وفي الواقع، فمن رؤية الأسواني المنحرفة للعالم، لا بد أن يكون قد تم أخذ إسرائيل في عين الاعتبار أولاً وقبل كل شيء، الأمر الذي أدى إلى عدم رضا واشنطن عن الطريقة التي أُطيح بها مرسي والتقارير الغربية عن ارتفاع عدد ضحايا «الإخوان». ومن هنا ولكونه مسانداً لـ «الإخوان» – كما يراه الأسواني – فلا بد أن يكون هذا الموقف صهيونياً.
وفي الولايات المتحدة، يعتبر هذا النوع من التعليل المشتمل على جنون الشك والموجه إلى عدد كبير من الأشخاص، مستوى قياسياً للتدوينات الهامشية. بل إن هذا لا يعتبر التحليل الذي يحط بصاحبه في عمود دوري في إحدى الصحف الرائدة في البلاد.
والأسواني الذي يقدم نفسه باعتباره قارئاً نهِماً “لوسائل الإعلام الصهيونية الغربية” يعرف هذا بالتأكيد. ولهذا فمن الإنصاف أن نتساءل: هل فكّر الأسواني في احتمال كون قرار “التايمز” بمنحه عموداً شهرياً يعتبر في حد ذاته مؤامرة صهيونية إخوانية مُحاكة لإضعافه؟
إريك تراغر هو زميل واغنر في معهد واشنطن.