نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية على موقعها الالكتروني تقريرا عن تهديدات الشرطة التونسية لحكومة النهضة، واستعمالها كأداة للانقلاب على سلطة ما بعد ثورة يناير 2011.
من عامين، خرجت مجموعات من الشرطة التونسية إلى الشوارع معتذرين عن سنوات القمع السابقة. خلال الأشهر الأولى بعد سقوط نظام زين العابدين بن عل، الذي ارتبطت به الشرطة لمدة ثلاثة وعشرين عاما، لم يغادر ضبط الشرطة ثكناتهم. اليوم، هم مرة أخرى في الشارع، واثقين من أنفسهم، ولكنهم خرجوا ليهددوا الحكومة.
في سياق أزمة سياسية حادة، حيث تترنح الحكومة التي تهيمن عليها حركة النهضة الإسلامية على، وتوشك على تقديم استقالتها، تزيد الشرطة من ضغوطها وتصعَد مواقفها: “هل يعتقدون أنهم السيسي؟”، تساءل أحد كبار موظفي وزارة الداخلية، في إشارة إلى الجنرال المصري الذي انقلب على الرئيس المنتخب، والمنتمي إلى جماعة الإخوان، بالقوة هذا الصيف.
في يناير 2011، بعد هروب بن علي، أُنشئ الاتحاد الوطني لقوى الأمن الداخلي (نقابة الشرطة)، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، لم يعلن عن مظاهرات إلى اليوم، لكنه وجه “إنذارا” لحكومة النهضة لمدة ثمان وأربعين ساعة، مهددا بتحركات جديدة “غير مسبوقة” إذا لم تلب مطالبه: إقالة كبار المديرين المعينين من قبل السلطة السياسية والإذن بحمل الأسلحة خارج ساعات العمل والإفراج عن جميع ضباط الشرطة الذين اعتقوا خلال ثورة 2011، إذ لا يزال أكثر من خمسين ضابطا محتجزا.
كما أعلنت نقابة الشرطة عزمها على تقديم شكوى ضد رئيس مجلس الوزراء، علي العريض، من حزب النهضة، عن “التورط” خلال الآونة الأخيرة في قتل تسعة من ضباط الشرطة والحرس الوطني، سقطوا في اشتباكات دامية مع مجموعات مسلحة.
وردت وزارة الداخلية في بيان داعية إلى “العمل النقابي المسؤول” بعيدا عن “الحركات السياسية”.
وتتزامن هذه التطورات مع التوتر المتزايد الذي يخيم على الوضع السياسي في خضم المفاوضات بين الأغلبية والمعارضة لحل الأزمة السياسية.
وصرح رياض الرزقي، المتحدث باسم الاتحاد الوطني لقوات الأمن، بالتزامن مع مظاهرة أمام وزارة الداخلية، قائلا: “إننا نحث الحكومة على انتهاج سياسة واضحة لمكافحة الإرهاب، ونحن نرى عدم جدية الحكومة في مكافحة هذه الآفة”.
انتهت يوم الاثنين الماضي مهلة نقابة الشرطة، ولم يحدث أي شيء. ولكن ردود الفعل لبعض الأحزاب التونسية على مبادرة الاتحاد الوطني لقوى الأمن الداخلي، إلى جانب مشاركة بعض نواب المعارضة في تحركات الشرطة، يغذي الشكوك بـ”استعادة” أنصار النظام القديم، الذي انضموا إلى قسم من اليسار، السيطرة على الأجهزة الأمنية:
“من هي وزارة الداخلية؟ إنها نحن الشرطة”، يقول الضابط علي الوسلاتي. وأقسم على أن “مؤسسة الشرطة تنهار”.
“عندما نُرسل رجال الشرطة إلى مناطق ساخنة دون حماية، فإنه يمكننا أن نقول إنها مؤامرة. وعندما نتلقى المعلومات حول المشتبه فيهم ولا نسجل أية استجابة لعدة أشهر، فإنها مؤامرة أيضا”، كما اتهم وليد بوزغاية، رئيس نقابة الشرطة في منطقة قفصة.
وتظهر كراهية الشرطة للقيادي في حركة النهضة، رئيس الوزراء الحالي، علي العريض، بشكل واضح، وقد سُجن لمدة 16 سنة في ظل النظام القديم، وأصبح وزيرا للداخلية في نهاية عام 2011، قبل تعينه رئيسا للحكومة.
“هذا الذي حُكم عليه بالإعدام مرتين، وقضى ستة عشر عاما في السجن، لن يتركنا نفلت من يديه في اليوم الذي أصبح فيه حُرا يتنفس الهواء النقي، حتى لو أحرق كل تونس”، كما يدَعي وليد يوزغاية.
ورغم أنه يدعي انضمام “44 ألف عضو لنقابته من خلال العديد من الفروع التابعة لها في الشرطة والحرس الوطني والجمارك والحماية المدنية، فإن الرقم مبالغ فيه، كما إن اتحاد قوى الأمن الداخلي لا يمثل المؤسسة (وزارة الداخلية). ولكن النقابة ركبت موجة المعاناة الحقيقية للشرطة والضغوط المفروضة عليها بسبب المعارك السياسية المتزايدة وتدهور الوضع الأمني
وإذا كانت ثمة علامة على حالة التوتر في أوساط قوات الأمن، يكفي أن نلاحظ وجود علب المهدئات بشكل بارز على مكاتب الشرطة.