إذا صدق أن بعض أعضاء الائتلاف الوطني قد أبدوا استغرابهم من إصرار الأخضر الإبراهيمي على حضور إيران لمؤتمر محتمل في جنيف، فإننا لا نجد أفضل من أن نبدي استغرابنا من استغرابهم بل ونعزي بأمثالهم.
إن قراءة سريعة لمجريات الواقع السياسي الحالي تبين على الفور أن “المجتمع الدولي” هو من أوعز للأخضر الإبراهيمي الذهابَ إلى إيران ودعوتها للمؤتمر.
أ لم يلحظ أعضاء الائتلاف أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا كانت قد رفضت قبل شهرين فقط حضور إيران لمثل ذلك المؤتمر. ثم تدرجت في الموافقة ابتداء من الحادي والعشرين من آب/ أوغسطس الماضي، بعد أن قصف بشار الأسد حليف الغرب الأول وقلعة العلمانية ضد المد الإسلامي الشعب السوري بالسلاح الكيماوي. إذ تعتمد النظرية الغربية في التعامل مع المسلمين على “أن اقصف شعبك تصبح شريكاً سياسياً”. وقد فعل الأسد وأصبح شريك المجتمع الدولي في محاربة التطرف والقضاء على الإرهاب من جهة والحد من انتشار الأسلحة المحرمة دولياً من جهة أخرى.
ولما كان الأسد قد وافق دون قيد أو شرط على تسليم السلاح الكيماوي وساندته بذلك إيران، كان من الطبيعي أن يقوم المجتمع الدولي بدعوة إيران لحضور المؤتمر، ولا يعقل بالطبع أن تكون سوريا وإيران والصين قد وافقت على صفقة الكيماوي مع الأسد دون أن تحصل على بعض المكاسب ومنها كما لا حظنا فرض الغرب الأسد على الشعب السوري إلى منتصف 2014 كحد أدنى دون تقديم أي ضمانات برحيله بعد ذلك التاريخ. ومن المكاسب أيضاً دمج إيران وهي شريك فعلي في قتل الشعب السوري في تلك الصفقة وبالتالي حضورها مؤتمر جنيف كعضو فاعل يسعى إلى إطالة عمر الأسد والحفاظ عليه.
وما الغزل بين الشيطان الأكبر و روحاني إلا تأكيداً لما نسوقه هنا من أدلة. وها هي طهران توافق اليوم من حيث المبدأ على تفتيش مواقعها النووية بل وتوافق على زيارات مفاجئة لتلك المواقع.
الولايات المتحدة تحديداً تحتاج إلى إيران وتعتمد عليها كذراع عسكرية طولى في المنطقة، هذه الذراع التي تقاتل بها السنّة، فتسيطر على العراق من خلالها، وتحدث التوازن مع السعودية وتبث الرعب في دول الخليج العربي الصغيرة والضعيفة عسكرياً مما سيؤدي على الدوام إلى لجوء تلك الدول إلى الولايات المتحدة فتدفع لها المليارات مقابل الحماية من العدوان الإيراني.
وذلك من أسرار العلاقات والتعاون الأمريكي الإيراني ويكفي أن نذكّر بما فعلته طهران في أفغانستان من التآمر والخيانة وأخيرا المشاركة في العمليات القتالية لصالح العدو الأمريكي. ثم انتقالها إلى العراق حيث ساهمت في تدمير البلاد وزراعة العملاء وأخيراً تحويل الجيش إلى ميليشيات طائفية.
لقد حافظ الغرب على الدوام على علاقات خاصة مع إيران، ولا أعتقد أننا سنسمع يوماً عن هجوم أمريكي أو صهيوني على مواقع إيران النووية. فهما طرف واحد في صراع دائم ضد الدول العربية والإسلامية.
على الائتلاف الوطني أن يبذل جهده في كسب ثقة السوريين، وألا يذهب إلى أي مؤتمر لا يدعو إلى إسقاط الأسد وتقديمه للمحاكمة. وعليه خاصة، أن يستيقظ من أوهامه، ومن كذبة سمجة اسمها المجتمع الدولي، ويقصّر على نفسه الطرق بلجوئه بعد الله، إلى استمرار الثورة ودعمها وزيادة زخمها بدلاً من خيانتها كما حدث في مسألة توقيف جبهة الساحل، والخيانات التي حدثت إبان احتلال القصير وتل كلخ من قبل ميليشيات حزب الله والعصابات الإيرانية.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا