ظهر في الشهرين الأخيرين حراك شعبي إماراتي بلاتنظيم يمشي رويداً رويداً نحو الإنفجار الجماهيري المطالب بالإصلاح السياسي بعد حملة التجهيل والتخوين لقطاع واسع من الشعب خلال العامين الماضيين.يرتفع صوت هذا الحراك الجماهيري بين الفيّنة والأخرى كتعبير رافض لجمود القوانين وانتهاكها ،وسياسة الإذلال الأمني للشعب.
يأخذ الحراك الشعبي أشكال عدة في المطالبة بحقوقه ؛ فكما أن محمد بوعزيزي في تونس أحرق نفسه بسبب إعتداء شرطية تونسي -كانت القشة التي قصمت ظهر البعير الأمني – أخرجت الشعب في ثورة للشوارع بعد أن كان حراكاً على فيس بوك ؛ فإن الإماراتيين كالعادة يبتكرون طرقاً جديدة لحراكهم عبر مطالبات شعبيه كل في مكانه بحقوقه الأساسية في انتقال عمله ،وحقه في الوظيفة ،وحقه أيضاً في الحديث والتعبير عن نفسه.
خلال الشهر الماضي-سبتمبر/أيلول- كان الوضع يقترب نحو أبجديات جديدة في المطالبة فـالصحف الإماراتية الرسمية نشرت-من حيث لاتدري- مطالبات لموظفين بتعديل قانون انتقال الموظفين بين الإمارات بما يضمن حرية تنقلهم وأماكن عائلاتهم ؛ ومواطنون برأس الخيمة يبدون سخطهم على الحكومة بسبب أن مياه الشرب ملوثة ؛ وأثار مقال في صحيفة جلف نيوز للكاتب سلطان القاسمي يطالب فيه بتجنيس الأجانب غضباً الكثير من الإماراتيين .
كل تلك الأخبار المرصودة وغيرها تتفاقم مع دراسة للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي تقول :أن أعلى نسبة بطالة في الخليج تتواجد في الإمارات حيث تتجاوز (14 % ) ويأتي تأكيد عضو المجلس الوطني الاتحادي ورئيس لجنة التوطين، حمد الرحومي ،صادماً عندما أعلن في برنامج “الإمارات الليلة” على إذاعة «دبي إف إم»:” وجود 40 ألف عاطل عن العمل، من إجمالي 300 ألف مواطن”؛وأعترف الرحومي بإن:” مشكلة البطالة نتيجة تراكمات وأخطاء، وعدم بذل جهد كافٍ لاحتوائها منذ البداية، خصوصاً أن الإمارات من الدول الخليجية الأولى في ناحية القوة الاقتصادية وسوق العمل”. وهو إعتراف بأن ألا خطط إستراتيجية تقوم عليها الحكومة فقد أكد أنه لاتوجد أياً من المراكز أو الإحصائيات الدقيقة في ذات الشأن ،وهذا يمثل خطأ استراتيجي للحكومة ويوضح أن المتحكم في أوامر التوظيف والسحب والنقل هو جهاز أمن الدولة وأن هذا الطابور هو المتحكم بالدولة والمسير لشؤونها.
الأخبار هذه يتلقها الشارع بنوع من السخط المكتوم ؛المشبع بنزعة المطالبة بالحق ومعاقبة المتسببين بهلاك مستقبل الإمارات السياسي والحقوقي والإنساني،ومع محاولة جهاز الأمن قمع أي محاولة للصراخ على تويتر ضد الوضع الإستبدادي للدولة بإنشأ قانون يجرم أي حديث عن السلطة أو ينتقدها وبالطبع حتى المتضامنين مع الناشطين السياسيين على الإنترنت -صدر القانون في نوفمبر/تشرين الثاني2012م- ؛فيعتبر تأجيج للكتم وعدم إيجاد وسائل للتفريغ فسيضع السلطات أمام فوهة الإنفجار المجتمعي ،إذا لايمكن أن يواصل جهاز الأمن سياسة الإستحواذ والتنكيل ولا يجد معارضة باختلاف طرق التعبير أو حجم المطالبة التي ترتفع مع إزالة الخوف تدريجياً.
وفي شبكة التواصل الاجتماعي تويتر يعيش جهاز الأمن وغرفته الأمنية في جو مشحون بسبب الحملات المتزايدة على جهاز الأمن والحكومة ،مع استمرار فضائح انتهاك القانون والدستور في سجون الدولة وإضراب 18 معتقل سياسي منذ سبعين يوماً للمطالبة بتطبيق القانون الخاص بالسجون. ويجد هذا الحراك ثماره في حراك المجتمع الإماراتي ضد مقال القاسمي الذي طالب فيه بتجنيس الأجانب وكتب يقول : “ربما حان الوقت في النظر في طريقة التجنيس…سيفتح هذا الباب أمام رجال الأعمال والعلماء والاكاديميين وغيرهم من الأفراد المجتهدين الذين قدموا المساندة والرعاية للبلاد كما لو كانت بلدهم.”
لكن رد الفعل الغاضب على المقال يشير إلى أن الكثير من الاماراتيين يفكرون بصورة مغايرة.وسرعان ما جذب وسم (هاشتاج) باللغة العربية تحت عنوان كاتب لا يمثلني المئات من التغريدات الغاضبة.فالمجتمع الإماراتي لايريد المزيد من الخلل في المواطنة مع استمرار الخلل في التركيبة السكانية.
ولم تكن مسألة التجنيس والمواطنة خلال السنوات الخمسة عشر الماضية-على الأقل- مثار نقاش مجتمعي ،إذ أن السلطات كانت المسئولة الوحيدة عن تنفيذ السياسات الخاصة بهذا النوع وسحب الجنسيات دون الإتكاء على اي قانون ، فمسألة تجنيس الأجانب وسحب الجنسية من المواطنين لاقت غضب شعبي على السياسات الحكومية في فعل مجتمعي لم يكن ليحدث لولا الحالة الخطرة التي وصلت إليها الدولة في تحويل كل مؤسسات الدولة إلى العصا الأمنية ،ومنع مناقشتها بالمطلق في مجلس الحكومة أو في المجلس الوطني الإتحادي.
أيماسك