كان قرار المملكة العربية السعودية المفاجئ من 17 تشرين الأول/أكتوبر الذي رفضت فيه شغل مقعد في مجلس الأمن الدولي – في حد ذاته حدث غير مسبوق – قد خلق حالة من الذهول والقلق الدوليين بشأن آليات السياسة الخارجية للمملكة. وقد زاد هذا الشعور بالأزمة بفعل التقارير من الثاني والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر التي أفادت بأن رئيس المخابرات السعودية بندر بن سلطان حذر دبلوماسيين أوروبيين من حدوث “تحول كبير” محتمل في العلاقات مع الولايات المتحدة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تراخي واشنطن المتصور تجاه القضية السورية وانفتاحها على إيران. إلا أن جدية هذه التهديدات غير مؤكدة، وربما يعمل التواصل الدبلوماسي الأمريكي في الوقت المناسب على نزع فتيل الأزمة.
استياء غير مسبوق ؟
حدثت أزمات من قبل في العلاقات الأمريكية السعودية الطويلة الأمد، مثل قيادة الرياض للحظر النفطي العربي عام 1973 احتجاجاً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، وتورط الكثير من الخاطفين السعوديين في هجمات 11 أيلول/سبتمبر. بيد أن الموجة الأخيرة للعلاقات المتوترة تنبع من عدد من القضايا.
من وجهة نظر السعودية، إن الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة على مدار الثلاث سنوات الماضية جاء بالفوضى على حساب الاستقرار. ولهذا منحت الرياض الرئيس التونسي المعزول زين العابدين بن علي حق اللجوء ووبخت واشنطن بسبب سحبها المفاجئ لدعم الرئيس المصري حسني مبارك في عام 2011. وعندما تمت الإطاحة بحكومة جماعة «الإخوان المسلمين» في القاهرة في حزيران/يونيو المنصرم، ابتهجت الرياض وأغدقت على الفور الدعم المالي على الإدارة الجديدة المدعومة من الجيش، وتجاهلت وجهة نظر واشنطن الأقل تفضيلاً للتغيير.
وتوازياً مع هذه الأحداث، أصبح السعوديون أكثر قلقاً من السياسة الأمريكية حول سوريا وإيران. فقد شعرت الرياض بالإحباط جراء قرار الرئيس أوباما التراجع عن توجيه ضربة عسكرية عقابية لسوريا بعد استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية ضد شعبه. أما بالنسبة لإيران، فالمملكة أكثر قلقاً من ذي قبل بشأن جهود النظام الإيراني لتطوير قدرات تصنيع الأسلحة النووية، والرياض تشكك في وعود واشنطن باستخدام القوة إذا لزم الأمر للحيلولة دون تلك النتيجة. وحتى لو كتب النجاح للمحادثات النووية التي تقودها الولايات المتحدة مع إيران، فإن الرياض قلقة من أن يترتب على ذلك (بصورة مقصودة أو غير مقصودة) ظهور إيران باعتبارها القوة المهيمنة في الخليج العربي. وعلى الرغم من هذه المخاوف، كانت المملكة حليفاً هاماً للسياسة الأمريكية تجاه إيران، حيث وسعت من إنتاجها للنفط من أجل منع أي آثار اقتصادية عالمية ضارة ناجمة عن العقوبات المتزايدة (على سبيل المثال، نقص الإمدادات المحتملة الناجمة عن التخفيضات القسرية في صادرات النفط الإيرانية).
وإزاء هذه الخلفية، كانت التحركات السعودية خلال الأيام القليلة الماضية غير متوقعة تماماً، على الرغم من أن رفض وزير الخارجية سعود الفيصل التحدث إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1 تشرين الأول/أكتوبر قد قدم فكرة في وقت مبكر. ففي ذلك الحين، وصف تقرير لوكالة رويترز بأن قرار الأمير جاء “تعبيراً لم يسبق له مثيل عن الاستياء” من قبل حكومة “عادة ما تعبر عن مخاوفها في الجلسات الخاصة فقط”. كما نقل الخبر عن مصدر دبلوماسي لم تحدد هويته قوله إن “قرار السعودية… يعكس استياء المملكة من موقف الأمم المتحدة إزاء القضايا العربية والإسلامية خاصة قضية فلسطين التي لم تتمكن الأمم المتحدة من حلها منذ أكثر من 60 عاماً، إلى جانب الأزمة السورية”.
وقد استخدمت وزارة الخارجية السعودية صيغة مماثلة في بيان صدر في 18 تشرين الأول/أكتوبر في أعقاب تحول اتجاه الرأي بـ 180 درجة حول مقعد الأمم المتحدة ، منتقدة “ازدواجية المعايير” في مجلس الأمن، وعدم إحرازه تقدم في تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفشله في القضاء على أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط . وندد البيان أيضاً باستخدام الأسلحة الكيميائية من قبل “النظام الحاكم” في سوريا “في حين يقف العالم مكتوف الأيدي”.
إن لغة كهذه هي مثال [نموذجي] لتصريحات سابقة من قبل وزارة الخارجية حول مشاكل إقليمية، والأهم من ذلك، تعكس ما تردد عن وجهات نظر الملك عبد الله نفسه. فالعاهل السعودي هو الوحيد الذي يمكنه اتخاذ مثل هذا القرار المفاجئ حول شغل مقعد في مجلس الأمن الدولي – وهو اندفاع واضح يتماشى مع سمعته حول النقاش الصريح، وربما عناده الطبيعي كحاكم بلاد مسن في التسعين من عمره.
وعلى الرغم من أن هذه التصريحات كانت موجهة إلى الأمم المتحدة، إلا أن الهدف الحقيقي من خيبة أمل المملكة هو الولايات المتحدة. فكما تردد حول ما قاله الأمير بندر، بأن رفض قبول مقعد مجلس الأمن “هو رسالة للولايات المتحدة، وليس الأمم المتحدة”.
تهديدات بندر
وفقاً لتقرير لصحيفة وول ستريت جورنال وآخر لوكالة رويترز من الثاني العشرين من تشرين الأول/أكتوبر – وكلاهما نقلا عن دبلوماسيين أوروبيين لم يتم الكشف عن هويتهم كان قد تم إطلاعهم من قبل الأمير بندر – فإن المملكة العربية السعودية لن تنسق مع واشنطن بعد الآن موضوع تسليح وتدريب جماعات الثوار السنة في سوريا. ويوحي ذلك بأن الرياض سوف تقدم المزيد من الأسلحة المتطورة وسوف تكون أقل تقيداً في تقديم الدعم للجماعات الجهادية المتطرفة التي تتبنى وجهات نظر معادية للولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تردد بأن المملكة لا تريد أن تبقى “معتمدة” على واشنطن، وبإمكانها أن تتبنى سياسات تؤثر على “مشتريات الأسلحة ومبيعات النفط” (على الرغم من أنه لم تُذكر تفاصيل بشأن هذه الأمور). وأشار الخبر الذي أوردته وكالة رويترز أيضاً إلى خيبة أمل الأمير بندر من إحجام واشنطن عن دعم السعوديين في حملة القمع التي قاموا بها في البحرين ضد المحتجين المناهضين للحكومة في عام 2011. ونقلت وول ستريت جورنال عنه قوله إن المملكة ستتعاون بشكل وثيق مع فرنسا والأردن عوضاً عن الولايات المتحدة.
ويبقى أن نرى كيف تترجم هذه المشاعر إلى سياسة فعلية؛ هذا وكانت الدبلوماسية السعودية مع حكومات أخرى نشطة نسبياً على مدى الأسبوعين الماضيين. ففي 9 تشرين الأول/أكتوبر، رحب الملك عبد الله بالرئيس المصري المؤقت عدلى منصور في ميناء جدة على البحر الاحمر؛ كما زار وزير الدفاع الفرنسي البلاد في اليوم نفسه. وفي 21 تشرين الأول/أكتوبر، استضاف الملك السعودي اجتماعاً مشتركاً مع العاهل الأردني الملك عبد الله وولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان، الذي تشارك بلاده كراهية الرياض لـ «الإخوان المسلمين» وشكوكها حول إيران. وقد حضر الأمير بندر الاجتماع الأخير، الأمر الذي يدل على أن الحديث قد تركز على سوريا ودعم المقاتلين ضد الأسد الذين يتلقون تدريبهم في الأردن.
اللاعبون السعوديون الرئيسيون
نظراً لسن العاهل السعودي وعجزه النسبي، يمكن للمرء أن يشكك بحق في عزمه الفعلي على تغيير السياسة الخارجية للمملكة وتخفيف العلاقات مع واشنطن. إن جميع مستشاريه الرئيسيين يعرفون الولايات المتحدة جيداً، لكنهم قد يشعرون بالسخط من السياسة الأمريكية على غرار ما يشعر به العاهل السعودي. وتشمل هذه الدائرة الداخلية في الوقت الحالي:
* الأمير سعود الفيصل: وزير الخارجية الذي يشغل هذا المنصب منذ فترة طويلة؛ وهو خريج جامعة برينستون العريقة ومقرب جداً من الملك، لكن دوره محدود بسبب مشاكله الطبية.
* الأمير بندر بن سلطان: رئيس جهاز المخابرات وطيار سابق تدرب في الولايات المتحدة وعمل سفيراً في واشنطن لمدة اثنين وعشرين عاماً، وهو يتمتع بنفوذ من خلال إثباته للكفاءة، لكنه لا يحظى بثقة الملك الكاملة.
* الأمير متعب بن عبد الله: رئيس “الحرس الوطني” السعودي والابن البكر للملك.
* الأمير مقرن بن عبد العزيز: النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء (أي، ولي العهد المنتظر) وطيار سابق لطائرات إف- 15، شغل منصب رئيس المخابرات لفترة وجيزة.
* الأمير محمد بن نايف: وزير الداخلية (الأمن الوطني فعلياً) الذي يقول محاوروه الأمريكيون إنه بارع جداً. وهو يعتبر في بعض الأحيان الملك المقبل، لكنه منهك حالياً جراء التعامل مع الاضطرابات الشيعية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط.
* الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد: وزير التربية والتعليم ومتزوج من ابنة الملك عديلة.
* الأمير عبد العزيز بن عبد الله: نائب وزير الخارجية، ابن الملك، والشخص المسؤول سابقاً عن السياسة تجاه سوريا.
* خالد التويجري: رئيس الديوان الملكي الذي يتلقى قرارات الملك وينقلها. ورغم أنه ليس من العائلة المالكة، إلا أنه لاعب هام اكتسب لقب “الملك خالد”.
* سلمان بن عبد العزيز: على الرغم من شهرته، إلا أن ولي العهد ووزير الدفاع الاسمي ليس لاعباً هاماً لأنه طاعن في السن ومصاب بالخرف بصورة ملحوظة.
توصيات للسياسة الأمريكية
تميز رد فعل المسؤولين الأمريكيين لحادث مجلس الأمن حتى الآن، برصانة الاسلوب حيث ذكر وزير الخارجية جون كيري إن واشنطن لا تزال تعمل عن كثب مع المملكة العربية السعودية حول عدد من القضايا، بما فيها سوريا. لكن الولايات المتحدة تجد نفسها بدون سفير في الرياض في هذا المنعطف الذي ربما يكون بالغ الخطورة. فالسفير جيمس سميث، الذي كان تعيينه سياسياً، قد عاد لتوه إلى الوطن بعد انتهاء فترة ولايته التي دامت أربع سنوات، ولم يتم تسمية مبعوث جديد حتى الآن. ورغم أن التنافر الثنائي السابق تم إصلاحه بسهولة نسبياً، إلا أن الأحداث الأخيرة حادة بشكل غير عادي وتأخذ طابعاً علنياً، لذا يجب على واشنطن أن ترسل فريقاً من المسؤولين رفيعي المستوى إلى المملكة لإجراء مناقشات وافية.
وفي الواقع، أنه في ضوء مجموعة القضايا التي يمكن أن يؤثر عليها التغير في السياسة السعودية، فمن المهم أن تتصرف واشنطن على الفور من أجل الحد من بعض تهديدات الرياض الأخيرة أو منعها. والموضع المناسب الذي ينبغي البدء منه هو الأمم المتحدة، حيث تسبب قرار رفض مقعد مجلس الأمن في إحداث حالة من الارتباك مرتبطة بالبروتوكول. ولا تبدأ فترة العامين لشغل هذا المقعد إلا في 1 كانون الثاني/يناير، لذا فهناك وقت لكي يعيد السعوديون النظر في الأمر.
ويقيناً، إن تهديد بندر الذي تحدثت عنه التقارير بخصوص مبيعات النفط هو رسالة تذكير بشأن اعتماد العالم المستمر على احتياطيات المملكة الضخمة من النفط والغاز، خاصة في ظل الذكرى السنوية الأربعين للحظر النفطي العربي في تشرين الأول/أكتوبر عام 1973. ومع ذلك، ففي السياق الدبلوماسي كانت الخطوة السعودية الأخيرة في الأمم المتحدة قد أوقعت ضرراً بنفسها، وقد يؤدي رد الفعل إلى إقناع الرياض بأن اتباع تغييرات سياسية أخرى سيأتي بنتائج عكسية أيضاً.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. وتشمل مؤلفاته الدراسة التي أصدرها المعهد في عام 2009 “بعد الملك عبد الله : الخلافة في المملكة العربية السعودية.”