تبنت جبهة النصرة عملية تفجير جرت أمس أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون السوري في قلب ساحة الأمويين في دمشق. يؤسفنا أن الجيش الحر في سوريا لم يدمر حتى اليوم مبنى الإذاعة والتلفزيون الحكومي الذي يساعد آلة القتل الأسدية على الإمعان في تذبيح الشعب السوري. ولا أعتقد أن التاريخ عرف آلة إعلامية إجرامية، يعين موظفوها كلهم بناء على الخبرة العسكرية والحزبية إلا التلفزيون السوري، الذي يضم عتاة المشبحين والمجرمين وقلة فقط من الانتهازيين وبائعي الضمير. يساهم التلفزيون السوري صراحة بالتشجيع على قتل المتظاهرين وقد ورد ذلك مراراً في تصريحات ضرار جمو وشريف شحادة وغيرهم، وقد صرح طالب إبراهيم ذات مرة أن على الجيش السوري أن يقتل المتظاهرين فقتلهم أوجب من محاربة الكيان الصهيوني.
ناديت ومنذ اليوم الأول للثورة باستهداف وسائل إعلام الأسد، فهي الذراع الطولى التي تبث الحقد الطائفي في سورية وتزرع الخوف في قلوب المترددين، لذلك اغتبطنا عندما سمعنا خبر الهجوم الاستشهادي الذي وقع بالقرب من المبنى وتمنينا أن تكون نتيجته تدمير المبنى بشكل كامل بحيث لا يجد شبيحة الأسد من إعلاميين وعناصر مخابرات مكاناً ليبثوا سمومهم وتحريضهم على قتل الشعب السوري. ولكنه وللأسف الشديد فقد أودى الهجوم بحياة الرجلين الذي قادا السيارة، فخسرت الجبهة استشهاديين اثنين دون أن توقع أي ضرر بالتلفزيون السوري.
إن دل هذا على شيء فهو يدلل وللأسف الشديد، على عدم الحنكة في هذه العملية وعدم تنظيمها والتخطيط لها بشكل مدروس، لدرجة أن العملية التي خسرت فيها الجبهة رجلين لم تؤثر ولا حتى على الباب الخارجي للمبنى.
في اليوم التالي لهذه العلمية رد الأسد بعملية تفجير بسيارتين مفخختين في سوق شعبي في إدلب في مدينة دركوش، فأوقعت العملية أكثر من خمسة وستين شهيداً على الفور، وتسعين جريحاً، نقل معظمهم إلى الأراضي التركية. وبعد عملية التفجير مباشرة، وخلال مساعدة الأهالي للمصابين ونقل الجثث شن الطيران المروحي هجومين بالرشاشات على المتواجدين في السوق فقتل من قتل وضاعف عدد المصابين، وقامت الطائرات المغيرة بإطلاق النار بشكل عشوائي على كل من يتحرك في المنطقة لمضاعفة عدد القتلى.
لقد استوقفني هذا التفجير في مدينة دركوش بتنظيمه ودقته، فقد أصاب سوقاً شعبية مزدحمة واستخدمت فيه المتفجرات والطائرات، بينما كان تفجير جبهة النصرة أمام مبنى التلفزيون خلبياً أكثر منه تفجيراً حقيقياً.
فمتى يمكن للجيش الحر والكتائب الإسلامية أن تدرس ضرباتها عسكرياً وتخطط لها بطريقة صحيحة. فالتلفزيون يبث سمومه منذ سنتين و نصف ولم يقصف بصواريخ الجيش الحر حتى الآن، على حين قصف الإخوة بعضهم في أكثر من منطقة في سورية وما إعزاز إلا مثالاً واحداً على ذلك.
يقوم نظام الأسد بالتخطيط لعملياته الإجرامية بدقة، وقلما يقوم بعملية لا يرتقي خلالها عشرات الشهداء، بينما تذهب كثير من جهود الجيش الحر سدى، زد على ذلك أن الثوار أوقفوا علمياتهم في جبهة الساحل وسمحوا للأسد بالتنفس من جديد. وفوق كل ذلك لا يزال الرجل محصناً في قصره وسط دمشق، بينما تحاصر قواته المعضمية وريف العاصمة، وتقصف طائراته المدن السورية دون استثناء. أعتقد أنه آن الأوان لتغيير السياسة العسكرية للجيش الحر والكتائب الإسلامية.
د. عوض السليمان