قالت صحيفة (الاخبار) اللبنانية المقربة من حزب الله أن أن التسوية الداخلية نضجت في البحرين وبلغت حد التفاهمات المكتوبة برعاية ودعم أميركيين ورضى إيراني. أما الخبر السيئ فهو أن تطبيقها قد عُلّق بضغط سعودي ترجمه على الارض رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة. وكلمة السر في الحكاية كلها: سوريا وتداعياتها الإقليمية. لقاءات سرّية في لندن ورسالة أميركية إلى الملك ولقاء على مستوى وزيري الخارجية في نيويورك. كلها عناصر إن دلّت على شيء، فعلى تعب الأطراف من سفك الدماء الذي لا يزال يراق كرمى لعيون آل سعود!
وهذا نص تقرير الصحيفة:
في البحرين المشهد بالغ الوضوح: رئيس وزراء، خليفة بن سلمان آل خليفة، يمثل الهيمنة السعودية على البلاد التي يحرص على إبقائها مغلقة على العالم. أنموذج للرأسمالية التقليدية، وللاحتكار الاقتصادي. يلقب بـ «السيد 10 في المئة»، في إشارة إلى النسبة التي يفرضها حصة له في كل مشروع استثماري، فضلاً عن كونه زعيم الجناح المتشدد في العائلة المالكة الذي يرفض أي ليونة في التعامل مع مطالب المعارضة في البلاد.
في المقابل، هناك ولي العهد، سلمان بن حمد بن خليفة. جريء جداً وطموح جداً. يشكل حالة قائمة بذاتها. ليبرالي يشكل أنموذجا للرأسمالية المتوحشة. منفتح إلى أقصى حدود. لديه قنواته الخاصة على العالم، من إيران إلى الولايات المتحدة مرورا بدول مجلس التعاون الخليجي. كما لديه تاريخ من العلاقات مع المعارضة في البلاد التي ترى فيه وجها مقبولاً.
وبين هذا وذاك، يقف الملك حمد بن خليفة، الذي يهاب الأول ويخشى الثاني. يهاب عمه رئيس الوزراء، لأنه أكثر قوة منه في المعادلة الداخلية والخليجية. ويرى فيه عبئاً. وهو يسعى للتخلص منه ولا يعرف كيف. لكنه في الوقت نفسه يخشى ولي العهد، رغم أنه ابنه. يتحسب من سيناريو يحاكي الانقلاب الأبيض الذي نفذه الأمير السابق لقطر حمد بن خليفة آل ثاني، على والده. طموحه أن ينجح في إزاحة عمّه من دون أن يؤدي ذلك إلى استبداله بابنه.
«قنبلة» هاغل
تتقاطع المعلومات حول دقة الخبر الذي سُرّب أخيراً عن رسالة سلّمها وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل إلى ملك البحرين حول التعديلات المطلوبة على مستوى الحكم في المنامة: تنحي رئيس الحكومة في نهاية كانون الأول المقبل وتسليم المنصب إلى ولي العهد. لكن المعلومات نفسها تؤكد أن هذا التوجه قد جمّد حالياً على خلفية التطورات الأخيرة في المنطقة، يتقدمها تراجع خطر العدوان على سوريا والتقارب المستجد في العلاقات الإيرانية ــــ الأميركية.
لا يخفى أن أزمة البحرين هي الملف الحاضر الغائب على كل طاولة محادثات إقليمية. ولا يخفى أيضاً أنها أزمة باتت تشكل عبئا على الولايات المتحدة المضطرة للإجابة عن سؤال حول ما يجري في المنامة، كما تشكل الازمة إحراجا لإيران المتهمة بـ«التخلي عن المستضعفين». واقع جعلها محور اهتمام الأطراف المعنية، ولو من خلف الغرف المغلقة.
لقاءات لندن… السريّة
قبل نحو 10 أيام من بدء الحديث عن ضربة أميركية لسوريا. عقدت ثلاثة لقاءات سرية في لندن. شارك فيها ولي العهد سلمان بن خليفة، والأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية علي سلمان. كانت برعاية أميركية. وتم التوافق خلالها على الآتي:
اولا: إعادة توزيع الحصص في مجلس النواب، بما يضمن 22 مقعداً للشيعة في مقابل 18 للسنة (الأرقام معكوسة حالياً).
ثانيا: تعديل صلاحيات البرلمان بشكل تدريجي بما يضمن أن يكون سلطة تشريعية مقررة لا استشارية فقط.
ثالثا: رئيس الوزراء يعينه الملك ويصادق عليه البرلمان.
رابعا: تحتفظ العائلة المالكة بالوزارات السيادية من دفاع وداخلية ومالية وعدل وخارجية، على أن تعطى ست وزارات خدماتية للشيعة.
خامسا: الإفراج عن جميع السجناء.
سادسا: عودة المفصولين من أعمالهم.
رسائل ايجابية الى ايران
الاتفاق كان جزءاً من الجهد الأميركي لإنهاء أزمة البحرين. وعبره توجه واشنطن رسالة حسن نوايا الى إيران، واسقاط ذريعة ترفعها طهران بوجه كل طلب اميركي بالحوار المباشر. لكن الورقة ازدادت أهميتها مع بدء التحضير لعدوان على سوريا. جهدت واشنطن لضمان عدم حصول رد إيراني. فاوضت على الأهداف التي ستضربها في بلاد الشام، وفي الوقت نفسه أعطت إشارات بأنها مستعدة لتدفع ثمن الصمت الإيراني في البحرين. والرسالة التي نقلها هاغل إلى حمد، في ذروة التحضير للحرب، تأتي في هذا السياق.
ما بعد الكيميائي
كان للاتفاق حول السلاح الكيميائي السوري مفعوله السلبي على الأزمة البحرينية. صحيح أنه حال دون حرب على بلاد الشام والمنطقة، لكنه جعل الجهد الأميركي على محور المنامة بلا ثمن مباشرة. جُمّد العمل على هذا الملف، وتحول من جديد الى ورقة على طاولة التفاوض الأميركية ــ الإيرانية. لكنها رهينة بيد المتضررين من التهدئة، وابرزهم السعودية. وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب الاحتقان مؤخرا، على ما أظهرت المحاكمات الأخيرة لقادة المعارضة والاعتقالات التي طالت عدداً آخر منهم، يتقدمهم الرجل الثاني في جبهة الوفاق، خليل مرزوق.
اجتماعات نيويورك
مفاجآت اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك كانت كثيرة. من بينها قصة رسالة عاجلة وصلت إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ومضمونها: اذا كنت مستعداً للاستجابة لطلب وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة في لقائك فهو يقدم طلباً كهذا، وإن كنت تمانع فهو لن يطلب. جاء الجواب الإيراني قبولاً، فكان اللقاء ــ المصارحة.
بدأ الوزير البحريني الحديث بوصف ايجابي لتصريحات طهران بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني. ثم ابرز «عتب بلاده» على موقف الجمهورية الإسلامية الذي يربط بين ملفي البحرين وسوريا. حرص على القول: «قضيتنا مختلفة»، مضيفا: «علاقتكم معنا ليست طبيعية. لا يوجد سفير إيراني في البحرين. يجب أن تعيدوا سفيركم كي يكون هناك إطار طبيعي للعلاقات التي نريدها مباشرة بلا وساطات، ولا تربطوا قضيتنا بسوريا، خصوصاً أن موقفنا مختلف عما تسمعونه من بيانات مجلس التعاون المجبرون على توقيعها. كل ما يجري في سوريا لا نقبل به ولا نرضى به».
كانت ردة فعل ظريف مفاجئة. قال «الطريف أنكم كلكم تقولون الكلام نفسه. عندما نجلس مع دول مجلس التعاون الخليجي، بالمفرق (اي كل دولة على حدة) تقولون إنكم غير راضين على ما يجري في سوريا ومجبرون على توقيع بيانات».
قاطعه الشيخ خالد: «تأكد أن هذا هو رأينا الحقيقي، ولا نكذب عليكم»، قبل أن يضيف: «نحن نتفهم أنكم دولة تعددية وفيها آراء مختلفة. ونتفهم المواقف التي تأخذها وسائل الإعلام الإيرانية، لكن نتمنى من القنوات الإعلامية الرسمية أن تعاملنا بشكل مختلف». وتابع «أرسلوا السفير الإيراني، وسنستقبله فوراً، وقدموا مبادرة ونحن على استعداد للتعاون معكم في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها البحرين والمنطقة. مبادرة على طريقة تلك التي قدمتموها بشأن سوريا ستقابل بكل ترحاب. سبق أن رفضنا وساطات عديدة، من قطر والكويت والاتحاد الأوروبي، نريدكم أنتم بالذات، نريد وساطتكم».
رد ظريف باستغراب قائلاً: «حيرتمونا. اذا نطقنا بكلمة عن البحرين تقولون انكم تتدخلون في شؤوننا. وعندما نصمت تقولون يجب أن تتدخلوا». وأضاف: «الأخوة في الوزارة (الخارجية الإيرانية) لديهم أجواء كهذه. الملك طلب من وزير الخارجية السابق علي أكبر صالحي في المؤتمر الإسلامي وساطتنا. ومع ذلك، فأنا الآن غير جاهز لأعطي كلاما نهائياً. يجب علي العودة لدراسة الموقف».
وتابع ظريف «عودتمونا أننا كلما لبينا طلبا كهذا، تخرجون لتعلنوا أنكم لم تطلبوا وساطتنا. دائما ما تبدّلون مواقفكم. تتميزون بعدم الثبات على سياسة واحدة. من يرد الحل يطلق سراح المساجين ويعط مؤشرات وعلامات كما تفعل كل الدول. على سبيل المثال، عندما دخلنا على مشروع الحل السوري، أطلقت حكومة دمشق ثلاثة آلاف سجين كبادرة حسن نية ردا على إطلاق طهران للمبادرة السداسية. أنتم في الوقت الذي تطلبون فيه الحلول السلمية، زججتم بمئات المعارضين في السجون وزدتم عليها بتجاوز الخطوط الحمر عبر اعتقال رجال الدين. فماذا نصدق؟».
معادلة حمد
كانت المنامة قد سحبت سفيرها من طهران في آذار 2011 ردا على تصريحات منتقدة لدخول قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين والمجازر التي ارتكبتها هناك. فردت ايران بسحب سفيرها من المنامة. بعد فترة، أعادت البحرين سفيرها، فلم تحرك طهران ساكناً. ثم ما لبثت المنامة أن أعلنت عن عودة الخطوط الجوية المباشرة بين الطرفين، فكان رفض ايراني على قاعدة أنها كانت خطوة غير منسقة. كذلك الأمر بالنسبة لفك ربط المسألة البحرينية بالأزمة السورية تعبيراً عن رغبة بحل بعيداً عن المقايضات الإقليمية.
الواضح ان ملك البحرين يريد فرض معادلته الخاصة. ويريد أن يوازن أميركا بطهران. علاقته مع هذه الأخيرة متعثرة ولكنها خالية من التوتر. هو يدرك أن السعودية متمسكة بعمه وتقبل به كملك باعتباره أهون الشرين بينه وبين ولي العهد، والولايات المتحدة تميل لابنه الذي لا تعارضه طهران، بل ربما تفضله على والده.
ما حصل خلال زيارة محمد خاتمي إلى المنامة كان مؤشراً. وقتها طلب ولي العهد منه أن يخطب في حسينية العجم الشهيرة مخاطبا البحارنة تحت عنوان أن «البحرين وطنكم النهائي». وهكذا كان. لم تمض 20 دقيقة على انهاء خاتمي لكلمته، حتى تلقى مكالمة شكر من سلمان. وفي صباح اليوم التالي، فاجأ ولي العهد الرئيس الإيراني في مكان إقامته وتناول طعام الفطور معه ومع الأمين العام لجبهة الوفاق علي سلمان.