أثنى السيد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على “التزام الأسد الذي لا مثيل له” في المساعدة على التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية. ومن قبلُ فقد صرح الرئيس الأمريكي أوباما، أنه لم يفكر لحظة واحدة بتوجيه ضربة عسكرية للأسد، لولا استخدام الأخير للسلاح الكيماوي الذي يجب أن يبقى بعيداً عن أيدي الإرهابيين. أي بعيداً عن أيدي الثوار، فوجود ذلك السلاح بيد الأسد يحمي “إسرائيل” ويحفظ أمنها. أما دماء مائة وخمسين ألف شهيد فلا تعني شيئاً لأوباما.
نعتقد أن أمريكا هي من يقف خلف مبادرة نزع السلاح الكيماوي، ولا يمكننا أن نصدق أن كيري أخطأ عندما صرح بذلك مقابل تجنيب الأسد ضربة عسكرية محتملة. ونعتقد أن الطرفين اتفقا على استمرار الأسد في منصبه حتى منتصف 2014. وليس من المستبعد أن يتفقا لاحقاً على استمراره في منصبه ثلاثين سنة أخرى كي يتمكن من تسليم كامل سلاحه وكي يبقى حامياً للصهاينة.
قامت وسائل الإعلام الغربية بالسماح للأسد بالظهور على شاشاتها ليخاطب الرأي العام ويعمل على إقناعه بأنه الرجل الأنسب لحماية العلمانية والقضاء على المد الإسلامي. ومن المعلوم إعلامياً أن المحطات الفضائية تعمل على مقابلة الأشخاص الذين تريد أن تطيل في أعمار مناصبهم. ولا شك أن هذا الظهور المتكرر هو جزء من الاتفاق الروسي الأمريكي الأسدي بالطبع.
بالعودة إلى كيري، فقد صرحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن تصريحات الرجل لا تعني ما فُهم منها، وادعت كذباً أن البيت الأبيض قد رفع الشرعية عن الأسد. لكن أحداً في الخارجية لم يفهمنا كيف يتم التفاوض مع شخص غير شرعي ويطلب إليه الذهاب إلى جنيف للتفاوض مع طرف آخر. ولا نفهم أيضاً كيف يمكن لرئيس غير شرعي أن يرسل وزير خارجيته إلى الأمم المتحدة ليتكلم باسم ذات النظام ويدافع عنه.
نحن لا نشك في الموقف الأمريكي، فهو موقف معاد للثورات العربية جميعها، ولن ينسى ثوارنا أن أمريكا منعتهم من الحصول على السلاح النوعي، وأنها هددت المجلس الوطني بالويل إذا لم يقف بجانب أمريكا في حربها على المجاهدين في سورية.
الأكثر وضوحاً الآن أن أمريكا تدفع بكل قوة باتجاه جنيف وتغض الطرف في الوقت نفسه عن أفعال الأسد لدرجة أن المسؤوليين الأمريكان خرسوا تماماً عن انتقاد مجازر حليفهم. بل وعن التدخل الإيراني – الروسي للقضاء على الثورة. التركيز اليوم على نزع الكيماوي ومغازلة الرئيس غير الشرعي لسورية. ومن الواضح أن الولايات المتحدة قررت أن تغير التوازن على الأرض مجدداً لمصلحة الأسد بحيث يوافق الثوار على جنيف وتبعاته.
نحن لا نعول على مواقف المجتمع الدولي ولا الجربا والائتلاف الوطني، فقد أسقط الشعب السوري هؤلاء جميعاً من حساباته، ولم يعد يعترف بالائتلاف إلا بعض أعضائه وهيئة الأركان المشكلة أصلاً من أجله.
نحن نعول بعد الله، على موقف الثوار، بفتح جبهة الساحل من جديد بكل زخم ممكن، والتركيز على وحدة الصف ليس فقط في الجبهة بل على مستوى الخطاب الإعلامي أيضاً وتناسي الخلافات التي قد تشغلنا عن الإطاحة بنظام الشبيحة. نريد أن نؤكد أن مثل هذه الخطوات ستؤدي إلى إسقاط جنيف وبالتالي إسقاط الأسد. وبالتالي فلا معنى للمؤتمرات وعشرات السنوات من المراوغة والتقتيل وتدمير المدن، من كان يريد إسقاط الأسد والتخلص من عصره إلى الأبد فإن الثورة هي أقصر الطرق.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا