يوم الاربعاء الماضي حيث تنطلق فعاليات مهرجان بيروت الدولي للسينما الـ13، تبلغت ادارة المهرجان تصريحاً من الأمن العام اللبناني بعرض كل الافلام المدرجة على جدول عروض الدورة عدا فيلمين: الأول “وهبتك المتعة” للبنانية فرح شاعر (26 عاما) ويتناول موضوع زواج المتعة. وهذا الفيلم تبلغ مدته 15 دقيقة أدرج ضمن مسابقة الافلام الشرق الأوسطية القصيرة في المهرجان. وكان أحد 16 فيلماً ستتنافس على جائزة المهرجان. أما الفيلم الثاني “غريب البحيرة” “Linconu du lac” المدرج ضمن فئة “البانوراما الدولية” فهو من اخراج الفرنسي الان غيرودي، يتناول علاقة مثلية بين شابين، أحدهما قاتل خطير. وعرض هذا الفيلم ضمن فئة “نظرة ما” في مهرجان “كان” في ايار الفائت.
“المستقبل” استطلعت آراء كل من مديرة المهرجان كوليت نوفل والمخرجة الشابة فرح شاعر حول ملابسات عرض الفيلمين، وعما اذا كان هناك أسباب موجبة تتعلق بالنص الثقافي الفني نفسه والتقسيمات الانتقائية التي سمحت بعرض كل الافلام ما عدا الفيلمين.
مديرة المهرجان كوليت نوفل اذ اسفت بداية لعودة مسلسل المنع و”لقضية اعتقدنا اننا تحررنا منها، وهي تعود مجدداً وتزدهر خلال السنتين الماضيتين وشيء من الاصرار لم يعهد سابقا ايام حكومات الرئيس “الشهيد رفيق الحريري”
وأوضحت نوفل ان الأمن العام ابلغها باحالة الفيلمين الى لجنة وزارية مؤلفة من 7 وزراء وهي التي اعطت عدم موافقتها على عرض الفيلمين، علما والكلام لنوفل (“أن موضوع فيلم فرح شاعر و”هبتك المتعة” وهو فيلم وثائقي قصير سحبناه من المهرجان، لكونه خالف شروط العرض، بعد عرضه في مهرجان طلابي في جامعة “NDU”).
هل سحب الفيلم قبل التصريح بعدم عرضه، أم بعد التصريح، الجواب عند المخرجة فرح شاعر “الأساس ان الفيلم منع من العرض وهذا امر مؤسف” وشرحت شاعر ان تصريح الرقابة بمنع عرض الفيلم وصل يوم الاربعاء، مع انطلاقة فعاليات المهرجانات ووصلها الخبر على الانترنت وعبر مؤسسات اعلامية الخميس الماضي، وبعدها تلقت اتصالا يفيد بمنع عرض الفيلمين حيث انتشر الخبر عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونالت نصيبها من ردود الفعل الغاضبة وأخرى تستنكر قرار الرقابة بمنع عرض فيلمها. وتروي شاعر كيف انه الخميس وبعد ساعة من نشر الخبر على شبكات التواصل الاجتماعي يتصل الامن العام بادارة المهرجان ويفيد برغبته باعادة النظر بقرار المنع ورفع الموضوع مجدداً الى اللجنة الوزارية العليا برئاسة وزير الداخلية مروان شربل التي اتخذت قراراً نهائياً بمنع عرض الفيلم.
وتضيف المخرجة شاعر “انا شخصياً لا يهمني سحب ام لم يسحب الفيلم، الاساس ان الفيلم منع من العرض امام جمهور المهرجان السينمائي في لبنان بعد عرضه في مهرجانات عالمية عدة من بينها “لكيرمون ميزان” وفي مهرجان بوسان الدولي للافلام في كوريا الجنوبية كما عرض في ايطاليا وتايلند وتركيا والمغرب وغيرها، اما عرضه في جامعة “NDV” فكان في اطار طالبي ضيق”.
وأكدت فرح شاعر ان رسالتها في الفيلم القصير واضحة جداً، لا تتعلق بـ”تابو” ديني محدد، وليس القصد منها التهجم على معتقدات دينية وفقهية هي اصلا متعددة ومتغايرة “وليس عندي الحق بالتهجم على معتقدات احترمها” فقط اردت ان اقول “انو اللي بدو يعمل زواج متعة، ما لازم ينتقد اللي بيقيم علاقات خارجية”، وفي الفيلم “ان المرأة المحجبة ما عندها الحق تكون امرأة الهية، فيما المرأة غير المحجبة هي امرأة كافرة.. ثم اتعرض لمسألة التمييز بين الجنسين الذكر والأنثى في مسألة العلاقات الجنسية… السيناريو مدروس وأنا لم اخترع شيئاً، شي موجود، والسيناريو مش من عندي، مقابلات مع شباب من العراق ولبنان والبحرين، تابعين لأكثر من مرجعية فقهية بمسألة زواج المتعة، وبرفض كثير من يتهمني بالسخرية من المعتقدات، انا لا اعالج قصة معتقد او دين مطلقا ولا أسخر من أحد، واحترم جميع الآراء الفقهية، في مسألة نعم حساسة جداً، ولي فيها وجهة نظر وعندي حرية التعبير، وأكرر ليس عندي السلطة لأتهجم لا على معتقد ولا على احد، ولا أملك اصلا حق التهجم، وأصلا موضوع “زواج المتعة” أعقد بكثير من ان يعالجه فيلم وثائقي قصير (15 دقيقة) وهو يتبع آراء فقهية عديدة وانا عالجت زاوية معينة، تماما مثلما تجري معالجة مواضيع منها على سبيل المثال:
“سن اليأس عند المرأة” و “المرأة العانس” أو “المخدرات عند الشباب”، هل ممنوع معالجة “مثل هذه المواضيع”..
وتختتم فرح شاعر حديثها : “القصة لا تستأهل المنع وهذا كل شيء”.
بالخلاصة اذاً عدنا الى الانقلاب العميق على قيم التغيير عبر الرقابة على مادة سينمائية صارت مادة أمنية وسياسية عند الوزراء “الاقمار السبعة”، في حين انها كما تشرح فرح شاعر مادة ثقافية تحمل قراءات تأويلية متغايرة جداً.
والخوف ان تستمر هذه اللجنة الوزارية في نهجها فتنقلب على مجمل المهرجانات السينمائية والفنية والأدبية في العودة الى زمن المجتمع المبرمج وبسلبية وبصورة غريبة في مرحلة صارت مفقودة بالعالم الجديد، مجتمع وزاري يراقب المصنفات الأدبية والفنية، ومفصوم اصلا عن الواقع ويمارس هواية النوع من القمع والمنع والقطع ويقيم ماضوية وسيطرة حكومية، سيطرة اللاسيطرة البيروقراطية تفرض ارادة وزراء “القمصان السود” على المنتجين والمبدعين وعلى الحريات والديموقراطية بلغة صارت تأخذ في العالم صورة تهكمية.
ودعا في زمن العولمة واللحظة الفورية وضغط المساحة والوقت والتواصل والعلاقات بين الافراد والدول وعبر لجنة وزارية ترى في الافلام ما لا يراه أحد، وتكشف كوليت نوفل “ان اللجنة سمحت بعرض فيلم وبانتاج ضخم جدا وأجرأ بكثير من الفيلمين الممنوعين ويحتوي على مشاهد جريئة جدا في تقسيمات انتقائية غير مقروءة جيداً.. والنتيجة ان الثقافة في لبنان كما كل شيء في تراجع نحو الأسوأ…
يقظان التقي