جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر هي الآن في أسفل القاع، إن لم تكن في طريقها إلى الاختفاء تماماً عن المشهد. فبعد أن قام الجيش المصري بعزل بيروقراطي «الإخوان» ذو الرتبة العالية الرئيس محمد مرسي في تموز/يوليو، وجهت إليه المحاكم المصرية لائحة اتهامات جنائية طويلة، وقام الجيش المصري باتخاذ إجراءات صارمة حيث قتل أكثر من ألف شخص من أنصار مرسي واعتقل معظم قيادات «الإخوان». وفي الأسبوع الماضي أصدرت محكمة مصرية حكماً يقضي بحل «الجماعة» كلية والاستيلاء على أصولها، وتحريم “جميع أنشطة” هذه الحركة الإسلامية التي تأسست قبل 85 عاماً. ورغم السوء الذي تبدو عليه الأوضاع بالنسبة لـ «الإخوان» في مصر، إلا أن ذلك ليس الفصل الوحيد لهذه «الجماعة» التي تواجه انتكاسات. فبعد مرور أكثر من عامين على الثورات العربية التي شهدت حصول الإسلاميين على مكاسب في تونس وليبيا وسوريا، وفي مصر على الأقل مؤقتاً، فإن «الإخوان المسلمين» في الأردن هم في منتصف أزمة تحيق بهم.
فبعد أن كانت «الجماعة» سابقاً صوتاً قوياً نحو قيام إصلاح انتخابي في المملكة، ومن أشد منتقدي الفساد في القصر، ومن أبرز معارضي التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، تآكل مؤخراً النفوذ والوضع المحلي لـ «الإخوان» الأردنيين. كما يجد إسلاميون آخرون صعوبة في جذب انتباه الجمهور. فقد حاولت جماعات في البرلمان الأردني غير منتسبة لـ «الإخوان» تقديم مشروع قانون لـ “توفيق” التشريعات مع الشريعة، إلا أن الاقتراح فشل ولم يحصل المشروع سوى على تأييد 27 من أصل 150 من أعضاء البرلمان. ويقيناً، إن الميول السلطوية لـ «الجماعة» في مصر وأسلوبها المتغطرس وسوء إدارتها الإقتصادية ساهمت في النفور الشعبي للجماعة. بيد خلافاً لما حدث في مصر، حيث كان الجيش هو المسؤول في النهاية عن محنة «الإخوان»، فإن انتكاسات «الجماعة» في الأردن كانت نتيجة الأضرار الذاتية والديناميكية المتغيرة للسياسة الإسلامية المحلية على حد سواء.
وقبل عام مضى، كان من الصعب تصور الظروف الحالية لـ «الإخوان» الأردنيين. فقد كانت قوة «الجماعة» آخذة في الصعود مع مشاركتها في المظاهرات الناشئة مع قوى المعارضة القبلية والعلمانية ضد حكومة الملك عبد الله الثاني بسبب حالات فساد مالي مزعومة وحرمان اقتصادي وخفض الإعانة [الحكومية]. ولكن بحلول نهاية العام الماضي تفكك هذا التحالف المعارض والفضفاض، وتوقف المتظاهرون عن الخروج – ربما خوفاً من أسلوب الفوضى المصرية أو حتى السورية. وفي كانون الثاني/يناير، وبعد أن فشل «الإخوان» في إجبار الملك عبد الله باصلاح قانون انتخابي غير مرض، قاطعوا الانتخابات البرلمانية ووضعوا أعينهم في اتجاه تقويض شرعية التصويت. لكن دون مشاركة «الإخوان المسلمين»، ظهر في المشهد حزباً سياسياً إسلامياً آخر ولكنه معتدل وأقل ظهوراً، يعرف باسم “حزب الوسط”، الذي فاز بـ 16 من أصل 150 مقعداً، الأمر الذي أمّن له الحصول على أكبر كتلة في البرلمان. ونتيجة لذلك، خسرت «الجماعة» زعمها بأنها حامي حمى القيادة الإسلامية في المملكة.
وحتى مع مواجهتهم تلك الصفعة، ظل وضع «الإخوان» جيداً نوعاً ما بفضل الاضطرابات في سوريا المجاورة. وقد بدا لبعض الوقت كما لو أن جماعة «الإخوان» السورية على وشك تحقيق نهضة [سياسية] وأن نظام بشار الأسد على وشك الانهيار. [وفي هذا الصدد، يجدر بالذكر] أنه في ثمانينات القرن الماضي، رد نظام حافظ الأسد على التمرد الذي قادته «الجماعة» بقتله عشرات الآلاف من «الإخوان» السوريين، وجعله العضوية في المنظمة السنية جريمة عقوبتها الإعدام. ولطالما تعهد «الإخوان» بالانتقام. وكان للارتفاع المحتمل لمكانتهم في سوريا حدوث انعكاسات سلبية عميقة على النظام الملكي في الأردن المدعوم من الغرب، ولا شك أن ذلك قد شجع «الجماعة» في الأردن و أفضى إلى تدخل عابر للحدود. وفي الواقع أنه عقب انتخاب مرسي بفترة وجيزة، تدخل «الإخوان» في الحياة السياسية الأردنية من القاهرة والدوحة: ففي كانون الثاني/يناير 2012، أرغمت «الجماعة» العضو البارز في الفرع الأردني عبد المجيد ذنيبات على الاستقالة من مقعده في مجلس الأعيان الاردني، والذي كان قد تم تعيينه فيه من قبل الملك. ولكن احتمال هيمنة «الإخوان» في الأردن لم تدم كثيراً. فمثلما كانت الاستجابة لتفجيرات فندق عمان في عام 2005 – التي أسفرت عن مقتل 60 شخضاً وأدت فعلياً إلى تراجع الدعم لـ تنظيم «القاعدة» في المملكة – فإن ظهور مقاتلين منتسبين لـ «القاعدة» في الحرب الأهلية في سوريا أضعف الحماس الشعبي لـ «الإخوان» في الأردن.
وحتى مع ضعف ميل الشعب الأردني تجاه «الجماعة» بسبب المخاوف من التطرف المتنامي، فقد تحررت شريحة من السكان الإسلاميين من وهم «الإخوان» لأن هؤلاء غير متطرفين بما فيه الكفاية. ومع اشتعال الحرب في سوريا، شهدت الأردن انتشاراً للمنافسين الإسلاميين، وأبرزهم السلفيين، الذين هم أتباع حركة الصحوة السنية [ذات المعتقدات الإسلامية] الصارمة. لقد كان للسلفيين تواجد منذ فترة طويلة في المملكة، وانتشرت شعبيتهم الداخلية مع كسب الحركة زخماً في المنطقة. فزعيم تنظيم «القاعدة في العراق» أبو مصعب الزرقاوي، الذي أصله من البلدة الأردنية الشمالية الزرقاء، ما هو إلا المثال الأكثر شهرة على ذلك. واعتباراً من نيسان/أبريل، أشارت تقارير في الصحافة المحلية أن نحو خمسمائة سلفي أردني كانوا يقاتلون في سوريا جنباً إلى جنب مع الجماعة الجهادية “جبهة النصرة”. كما أن التغطية الإعلامية شبه اليومية للسلفيين الأردنيين العائدين إلى الوطن من سوريا في حقائب الموتى – والذين تم تجنيدهم للجهاد السوري – تبدو أنها تؤكد هذه الأرقام.
وفي غضون ذلك، ساهمت التحولات داخل جماعة «الإخوان» تجاه «حماس» إلى ارتفاع مكانة السلفيين. ومن الناحية التاريخية، وجد الإسلام السياسي في الأردن جاذبية متماثلة بين الفصائل الاجتماعية التقليدية المتباينة في البلاد من سكان الضفة الشرقية – والكثير منهم ذوي جذور قبلية عميقة في المنطقة – ومن الغالبية العظمى من السكان التي هي من أصل فلسطيني. بيد مؤخراً، مع تغير [سياسة] قيادة جماعة «الإخوان» الأردنية وحزبها السياسي، “جبهة العمل الإسلامي”، تجاه حركة «حماس» وتقربها منها – يرجع ذلك جزئياً إلى خيبة أمل «الإخوان» وعدم رضاهم من السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة «فتح» التي تحكم الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وتدير عملية السلام – بدأ بعض سكان الضفة الشرقية ينظرون إلى «الجماعة» على أنها ذات طابع فلسطيني أكبر. وبالنسبة للعديد من الإسلاميين في الضفة الشرقية، الذين لا يزالون، مثلما هو ديدن رجال قبائلهم الأقل تديناً، متشككين من الفلسطينيين في المملكة، فإن هذا التغير في الاتجاه جعل «الإخوان» أقل جاذبية. وإلى جانب القتال في سوريا والاتجاه الإقليمي نحو السلفية، يبدو أن ذلك قد عزز أيضاً من جاذبية الجماعات السلفية الأردنية على حساب «الإخوان».
وهذه الانقسامات الاجتماعية طويلة الأمد داخل الأردن خلقت أيضاً انشقاقات جديدة بين سكان الضفة الشرقية وأولئك بين سكان البلاد الإسلاميين من أصل فلسطيني. ومنذ عام 2010 على الأقل، وقعت اشتباكات بين العناصر الأكثر اعتدالاً الموالية للنظام داخل «الإخوان»، وفي المقام الأول سكان الضفة الشرقية، وبين نظرائهم الأكثر تشدداً الذين هم من أصل فلسطيني إلى حد كبير، بشأن تعيينات الأفراد وقضايا موضوعية أخرى، مثل الأولوية النسبية لحركة الجهاد في فلسطين والادعاءات الواسعة النطاق حول شراء الأصوات خلال الانتخابات الداخلية التي جرت في صفوف «الإخوان». ومؤخراً، في عام 2012، انقسمت الجماعة حول قرار مقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية في 2013. وأحد هؤلاء “الحمائم” من سكان الضفة الشرقية، نبيل الكوفحي – نجل أحد زعماء «الإخوان» منذ فترة طويلة أحمد الكوفحي – تجاهل في البداية المقاطعة المفروضة على الانتخابات البلدية وأعلن أنه سوف يترشح في الانتخابات في مدينة إربد في شمال البلاد. ومع ذلك، فقبل أيام فقط من موعد الاقتراع، سحب الكوفحي ترشحه، وأفادت التقارير أن ذلك كان هدفه تجنب الطرد من «الجماعة». وعلى أي حال كانت المقاطعة غير فعالة وحاذت بقليل من الانتباه، وفاز المرشحون القبليون ورجال الأعمال المقربين من الحكومة بمعظم المقاعد.
لكن الانقسامات الداخلية في جماعة «الإخوان» الأردنية تمتد إلى ما وراء ‘ سكان الضفة الشرقية ‘ مقابل ‘ الفلسطينيين ‘. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الأخير، أسس مسؤول كبير سابق في “جبهة العمل الإسلامي” رحيل غرابية، «مبادرة زمزم»، وهي مؤسسة يُقال إنها تهدف – من بين إصلاحات سياسية واقتصادية أخرى – إلى إنهاء “احتكار «الجماعة» للخطاب الإسلامي” وتؤكد على منهج الإسلام الأكثر شمولاً الذي لا “يبعد الرأي العام”. ورغم أنه يستحيل إدراك دوافعه بقدر من اليقين، إلا أن غرابية محاور رصين؛ واستناداً إلى حواري معه يبدو مخلصاً في جهوده لتحسين صورة الإسلاميين في المملكة من خلال اتباع نهج أكثر تسامحاً وتعددية. ووفقاً لتقارير في الصحافة العربية تضم “المبادرة” حالياً 700 عضو، من بينهم 100 من أبرز أعضاء «الإخوان» الحاليين والسابقين. ومقارنة بـ «الجماعة»، فإن “زمزم” جماعة صغيرة، لكن هذ المؤسسة الناشئة قد جذبت الانتباه. ففي كانون الأول/ديسمبر 2012، وبعد أسابيع قليلة من الإعلان عن تأسيس “زمزم”، أصدر مكتب الإرشاد التابع لـ «الإخوان المسلمين» بياناً داخلياً حظر على أعضاء «الجماعة» التعامل مع هذه “المبادرة”.
وفي ظل الضغط المتزايد في الداخل، لجأت جماعة «الإخوان» الأردنية إلى بعض ألاعيب اللحظة الأخيرة اليائسة. وبداية، حاولت «الجماعة» استغلال الغضب الشعبي من الأحداث في مصر لكسب التأييد. فموقعها الإلكتروني يفيض بمقالات حول الإطاحة بمرسي وبيانات تدين الملك عبد الله لكونه أول زعيم عربي يزور القاهرة عقب الانقلاب وعزل مرسي [الرئيس] “الشرعي”. وفي أواخر تموز/يوليو، نشرت صحيفة “السبيل” اليومية التابعة لـ «الإخوان» مقطع فيديو للداعية الإسلامي المصري الشعبي وجدي غنيم يناشد فيه القوات المسلحة والشرطة بعصيان الأوامر واستعادة مرسي للرئاسة. وبالإضافة إلى تراجع الدعم الشعبي، تخشى «الجماعة» أيضاً من قمع وشيك من جانب القصر. فالسابقة التي تمخضت عن عزل مرسي والتهديد الأمني المشدد الذي تشكله الحرب في سوريا ووضع المنظمة المتراجع حالياً كلها أمور تسهم في الشعور بالضعف. وكما لو أن «الجماعة» تؤكد هذه الضغوط، أصدر نائب المرشد العام لـ «الإخوان المسلمين» زكي بني رشيد في الشهر الماضي بياناً دفاعياً غير واضح المعالم يزعم بأن جماعة «الإخوان» الأردنية ليست في حالة “طوارئ وليست على الهامش”. بيد أنه حتى مع انتقاد الجماعة للملك، فإن زعماءها يدعون حالياً إلى الحوار مع الحكومة – وهذا دليل آخر على الشقاق الداخلي.
ورغم هذه التحديات في الوقت الراهن، لا تحتاج «الجماعة» في الأردن إلى أن تخشى من حملة قمعية على غرار ما يحدث في مصر. وعلى كل حال، فقد تجاوزت الأحداث المتلاحقة في الأردن أعضاء جماعة «الإخوان» هناك وفي مختلف أنحاء العالم العربي. وبالنظر إلى التهديدات الخارجية العديدة التي تواجه الأردن وفي ضوء تراجع الحظوظ السياسية لـ «الإخوان» في الداخل، فقد أصبح هؤلاء أقل ما يقلق الملك عبد الله.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.