ألقت المتغيرات السياسية والإقليمية بظلالها على الحراك الأردني المطالب بالإصلاح، لتخلق “شرذمة” وتحولا من الأوضاع المحلية إلى الانقسام تجاه مؤيد أو معارض للثورة المصرية أو قرينتها في سوريا.
ذلك الانقسام فرض على الحراك الأردني “التشتت” والتحول لمعارضة الأفكار الإصلاحية لأجل النكاية فقط، لتتولد داخل الحراك قوى شد عكسي تبعا للمتغيرات السياسية داخل الإقليم.
بدأ الحراك في الأردن قويا ويتمتع بقاعدة شعبية استطاعت الضغط على صانع القرار بعد أن خرجت مسيرات ضخمه في بداية عام 2011 تطالب برحيل حكومة رئيس الوزراء في ذلك الوقت سمير الرفاعي نتيجة سياسة رفع الأسعار وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تجاوب القصر الملكي حيث أمر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بحل الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة كخطوة أولى في تلبية مطالب الحراك واستجابة للمتغيرات الإقليمية في زمن الربيع العربي.
إلا أن حالة “النشوة” التي عاشتها القوى السياسية لم تدم طويلا وبدأ الحراك يدخل مرحلة مبكرة من “الضعف” حيث تعرض إلى عدد من الضربات حتى استقر حراكا يصفه الحراكيون أنفسهم بـ”الهش” و”الضعيف”.
ويرى مراقبون أن النظام استغل حالة الانقسام ليعمل على تعزيزها ومن ثم تفتيتها من خلال احتواء الحراك واعتقال الحراكيين والتضييق عليهم. وبات السؤال الأهم الذي يتردد في الشارع الأردني بشكل عام وفي الأروقة والصالونات السياسية بشكل خاص: هل انتهى الحراك في الأردن وهل نجح النظام في احتوائه والسيطرة عليه بالكامل؟
لم تكن الثورتان السورية والمصرية شأنا داخليا في تلك البلدان فقط حيث أثرت مجرياتها على الساحة الأردنية- الدولة التي لطالما اتصفت بتأثرها بالأحداث الإقليمية بقوة – وسببت خلافات عميقة بين التيارات والحراكات السياسية المكونة للحراك.
وظهرت بداية الخلاف السياسي داخل الحراك بعد أن تباينت قراءة هذه القوى السياسية للأحداث الإقليمية حيث أيدت التيارات الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمون، الثورة السورية من جهة ونظام الإخوان المسلمين في مصر من جهة أخرى في حين وقفت عدد من الحراكات اليسارية والقومية مع النظام السوري وأيدت ما تسميه “شرعية الشارع” في مصر والإطاحة بنظام الرئيس المعزول محمد مرسي، ما أدى إلى شق صفوف الحراك وبعثرة أوراقه وهو ما منح الحكومة قدرة على المناورة والمماطلة في تنفيذ مطالب الحراك والتضييق على الحراكيين واعتقالهم.
ذهب رئيس اللجنة التنفيذية للتيار الإسلامي النقابي العام المهندس عبدالهادي الفلاحات في تصريح لـ”العرب” إلى أن “ضعف” الحراك السياسي والشعبي الحالي يعود لعدد من الأسباب أهمها عدم اتفاق الأطياف السياسية والعشائرية والقوى الشعبية المكونة للحراك على تفاصيل العملية الإصلاحية.
واعتبر الفلاحات أن الخلاف على القضية السورية ومن ثم المصرية كان بداية شق صفوف الحراك ما منح الحكومة والأجهزة الأمنية القدرة على احتوائه والسيطرة عليه.
وبيّن الفلاحات أن هذه الخلافات بالإضافة إلى عدم توفر الإرادة السياسية الحقيقية لدى صانع القرار بإجراء إصلاحات سياسية حقيقية أسهمت في تعطيل عملية الإصلاح وتراجع وتيرة عملها بشكل كبير.
وجاء الملف المصري بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي لتعمل على “تهشيم” الحراك بحسب الفلاحات الذي اعتبر أن الخلاف على القضية المصرية أسهم إلى حد كبير في القضاء على ما تبقى من قوة للحراك وقدرة على التأثير.
واتهم الفلاحات ضمنيا القوى، التي أيدت ما أسماه “بالانقلاب” في مصر، التيارات القومية واليسارية، بأنها انقلبت على مبادئها التي لطالما كانت تنادي بالديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الانتخاب ومدنية الدولة محملا إياها جزءا كبيرا من حالة الانقسام التي يعيشها الشارع الأردني.
وأشار الفلاحات إلى أن القوى الإقليمية التي جرّت دول الربيع العربي إلى الدم والصراع كما حصل في ليبيا ومصر وتونس واليمن أدت إلى زرع هاجس عند الشعب الأردني الذي بدأ يفكر في نعمة الأمن مقابل الإصلاح السياسي على طريقة “الربيع العربي”.
وذهب الفلاحات أيضا إلى أن الثقة الآن شبه منعدمه بين مكونات الحراك نفسه من جهة وبين الحراك والمكون الحكومي من جهة أخرى معتبرا أن المستقبل الآن في الأردن محكوم بالحوار فقط وأنه لا بديل عن الحوار بين مكونات الشعب الأردني للتوافق على خارطة طريق تحول دون تآكل النسيج الأردني.
وكان للتيارات اليسارية والقومية رأي آخر حيث اتهم أمين عام حزب الوحدة الشعبي سعيد ذياب المحسوب، على هذه التيارات، الحركة الإسلامية في الأردن بأنها بدأت مبكرا التفرد بعملية الإصلاح مما مهد تدريجيا إلى حدوث الافتراق بين القوى الشعبية وهو ما أدى إلى تراجع الحراك الشعبي واحتوائه ما سهل على الحكومة احتواء الحراك.
واعتبر ذياب أن بداية تراجع الحراك يرتبط بالدرجة الأولى إلى دور النظام بكل مؤسساته السياسية والأمنية الذي عمل “جاهدا” على تحجيم الحراك وكان هذا الجهد يتمثل بالجهد الشديد لإنجاح الانتخابات النيابية وطيّ صفحة المعارضة من الشارع ونقلها إلى مجلس النواب دون وجود أرضية واضحة تتفق عليها القوى السياسية مثل قانون الانتخاب والأحزاب السياسية.
ورأى ذياب أن الانقسام داخل الحركة السياسية حول المشاركة بالانتخابات والقبول بالعملية الانتخابية بالإضافة إلى تباين قراءة هذه القوى السياسية للشأن السوري من ثم المصري سهل على الحكومة التغلغل داخل صفوف الحراكيين وبعثرة أوراقهم. إلا أن ذياب أكد على الرغم من حالة الانقسام التي يعيشها الحراك إلا أن المطالب لن تتوقف وأن القوى السياسية في الأردن لن تتراجع عن مطالبها.