كلما ظن السوريون أن نظام بشار الأسد وإعلامه وصلا إلى المنتهى في الوقاحة المعجونة بالحقد والغباء المزمنين، تبين لهؤلاء أن لدى هذا النظام ودوائر الفبركة استخباراته معينا لاينضب من هذه التوليفة.
ومن جديد ما صعق به السوريين ويبدو أنه لن يكون الأخير، إظهار تلفزيون النظام فتى لايتخطى عمره 13 عاما، بصفته “إرهابيا فعل ما عجر الكبار عن فعله” حسب ما قال المذيع، الذي كان يقرأ خبره وكأنه يتلو من كتاب مقدس، لاتعرف الأباطيل إليه سبيلا، علما أن لهجة المذيع فضحته وهو يتلو اسم من قال إنه “الطفل شعبان عبد الله حميدة من مدينة حلب”، فصار شِعبان (بكسر الشين وليس بفتحها)!
بعد مقدمة المذيع الخاطفة، ظهر “شِعبان” وبراءة الأطفال في عينيه، ليذكر اسمه الثلاثي ومكان عمله واسم رب العمل بدون أي تلكؤ، وهنا كان لابد لرجل الأمن المتنكر بهيئة إعلامي والقابع خلف الكاميرا، أن يذكر “شِعبان” بالحديث عن أمه المتوفاة، فأوضح الفتى أن أمه توفيت منذ صغره وأن أباه عاجز.
ومضى الفتى يقول إن خاله اقترح عليه الانضمام غلى مجموعة “سامحني يا بابا” التابعة لـ”أحفاد الرسول”، واعدا إياه بمردود مالي جيد، و”فرد” يتباهى به أمام أصدقائه!، وهنا تدخل صاحب الاستجواب ليسأله: “شو نوع الفرد”؟، فأجاب “شِعبان”: 5.5 صغير.
ثم تابع الغلام قائلا إن خاله دربه في البداية على القناصة من خلال التصويب على زجاجات فارغة، وأنه كان يصيب تلك الزجاجات من مسافة 1.5 كيلومتر!
لكن الغريب أن الطفل القادر على إصابة أهدافه من 1.5 كيلومتر، هو نفسه الذي قال إنه لم يكن يستطيع حمل القناصة التي كان طولها مترا ونصف المتر، ما جعل خاله يثبت له تلك القناصة بين أغصان الشجر.
وقال “شِعبان” إنه وبعد شهر من التدريب وإتقان القنص، ثبت له خاله قناصة على سطح بناء مقابل جسر الشعار، وإنه كان يقنص كل من يمر على الجسر مدنيا أو عسكريا، وإن مناوبته كانت تستمر 9 ساعات متواصلة!، من 7 صباحا حتى 4 عصرا، ما يعني أن قدرات الفتى الخارقة ليست في مجال القنص فقط، وإنما تتعداها لتحمل مناوبة تستمر 9 ساعات دون كلل أو ملل، علما أن من كان يستلم النوبة بعد الفتى (والذي سماه شيرو) لم يكن يمكث سوى 3 ساعات فقط، بشهادة “شِعبان” نفسه.
وأقر الفتى أن خاله كان يركب لقناصته مخزنا واحدا فقط، وأنه (أي الفتى) لم يكن يغير المخزن أو يعبث به (رغم أن لديه قدرات تمكنه من القنص وتحمل عناء المناوبة الطويلة!).
ولدى سؤال المستجوب لـ”شِعبان” عن الأهداف التي كان يقنصها، أكد الفتى أنها كل شيء متحرك.. مدني عسكري بما في ذلك السيارات، حتى “إذا كانت إلنا (أي للجماعة التي يعمل لصالحها الفتى) بنضربها”، ثم أضاف مباشرة: “إذا بدو يطلعوا من مجموعاتنا لفوق (الجسر) بيعطوني خبر، بيبعتوا لي يحيى عزيز إنو في مجموعة طالعة لفوق (الجسر) مشان ما أضرب عليهم”!!
وهنا تفتقت عبقرية المستجوب من جديد ليسأل “شِعبان”: “حكيلي على أول واحد قتلته، قل لي شلون، وصفه”، فرد الفتى دون أن يتريث ولو برهة للتذكر: “كان زلمة لابس جلابية وعقال، طالع من تحت الجسر، لما صار فوق الجسر يحيى قال لي اضرب عليه، وقفت وضليت عم برجف، وهو يقول لي (أي يحيى) ضربو ولا تخاف، وكمش إيدي وضربه، ضليت 3 أيام بعد ما ضربته ما أحسن أنام، أضل أشوفه بمنامي”.
وتابع بلهجة ساذجة، من سذاجة من لقنوه : “بعدين أخدت أيدي، وما عدت أشوف هالمنامات”، لكنه بعد هذه الجملة تماما ظهر “شعبان” بحالة جسدية مخالفة لما يقول تماما، في تضارب صادم بين لغة اللسان ولغة الجسد، وفي دلالة على أن عقله الباطن كان يرفض هضم الكذبة التي لقنها، حيث قال الفتى وهو متعكر الملامح يبلع ريقه: “من وقت الي استلمت القناصة وبلشت كل يوم اقتل واحد اتنين تلاتة”.
ومضى “شِعبان” يروي بكل دقة ثاني عملية قنص نفذها، دون أي تردد، وهنا سأله المستجوب: “والتالت”/، فرد الفتى: “والتالت كمان، كلهن من فوق الجسر”، فقال المستجوب: “مدنيين؟”، فأجاب: “إيه.. 10 مدنيين فوق الجسر”.
ومن جديد أبى التناقض الصارخ إلا أن يطل برأسه في شهادات الفتى الملقنة، فـ”شِعبان” الذي كان خائفا ولا يستطيع النوم، بشهادته، قال للمستجوب إنه يكون فرحا عندما يخبر خاله بأنه قتل شخصا أو شخصين!، ثم يتابع: “يجي (خالي) يقول اليوم كم واحد قتلت؟.. تلاتة أو أربعة.. بكيّف (خالي)”.
وحتى تكتمل حلقة الكذب، كان لابد للفتى ان يشهد أن “يحيى عزيز” كان يأمره بين الفينة والأخرى بقنص عنصر من مقاتليه (أي مقاتلي عزيز)، وكان لابد للمستجوب أن يتدخل سائلا باندهاش عن سبب تصفية “عزيز” لمقاتليه، ليرد “شِعبان”: “بيكون فيه بيناتهن تارات.. بيعانده، بينزعج منو بيقلي قتله.. آخدين الشغلة متل أنو لعبة”!.
وبعد أن كانوا قبل دقيقتين “10 مدنيين”، قال “شِعبان”: تقريبا قتلت شي 10 عساكر و13 مدني، ومن المسلحين قتلت شي 9″، أي إن مجموع ما قتله “شِعبان” الخارق كان 32 شخصا فقط!!
وتابع “شِعبان” موضحا أن والده “هرّبه” إلى حماة، لأنه لم يكن يريد له الاستمرار في مهنة القنص، وهناك اتجها للسكن في حي المشاع، باعتبار بيوته “فاضية” لأن نصف سكان الحي “مطلوبين”، حسب شهادة الفتى على شاشة تلفزيون النظام!.
ومن حماة انتقل الفتى حسب روايته إلى طرطوس وهناك عمل شهورا في عدة أعمال، ثم عاد إلى حلب، دون أن يوضح كيف ولا أين تم القبض عليه.
وقبل النهاية تدخل المستجوب ليسأل الفتى: “إزا أنت هلأ أخدت سلاح ووأفت على شي بناية في عندك مشكلة إنك تقتل أي واحد ماشي بالشارع”، فهز الفتى “رأسه مجيبا “أيه”، فكرر المستجوب مصححا لهجته: “فيك تأتل أي واحد؟”، فرد الفتى بنفس الطريقة المتختصرة “إيه”، فاعاد المستجوب: “فيك تأتل أي واحد.. ما عندك مشكلة”، فرد الفتى: “إيه”.
وكان لابد للحكاية من “قفلة”، قفلها المستجوب بسؤال بارع مطعم بمفردات أجنبية تدل على ثقافته!: “لما كنت تفوكس أو تزوّم شو كنت تحكي؟”، فأجاب “شِعبان”: قبل ما كنت أضرب البني آدم كنت أسمي عليه.. أسمي عليه 3 مرات”!
(زمان الوصل)