في الستة عشر شهراً عقب الإطاحة المثيرة بحسني مبارك في شباط/فبراير 2011، انتقلت جماعة «الإخوان» من الكهوف إلى القصور، بفوزها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ومن ثم تعيين أعضائها لمناصب تنفيذية في الحكومة المصرية. ولكن عقب 15 شهراً وانتفاضة صاحبها انقلاب، أصبحت الكهوف السابقة لـ «الإخوان» بعيدة المنال هي الأخرى. وفي الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر، قضت محكمة في القاهرة بحظر «الجماعة» وسمحت للحكومة المدعومة من الجيش بمصادرة أصولها وممتلكاتها.
ويعزز قرار المحكمة إلى حد ما من استراتيجية قطع رؤوس «الجماعة» التي انتهجها الجيش ضد «الإخوان» منذ إطاحته بـ محمد مرسي في 3 تموز/يوليو، الأمر الذي أعاق قدرات المنظمة بشكل كبير. لكن في حين أن سياسة قطع الرؤوس تركت الباب مفتوحاً أمام إمكانية قيام «الإخوان» باختيار قادة جدد – ربما يكونون أقل غلظة – مع مرور الوقت، فإن الحكم القضائي في الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر ستكون له تبعات أطول أمداً بكثير، ما لم يتم إلغاء الحكم في مرحلة النقض. إن حظر "جميع الأنشطة" سوف يؤثر على شبكات الخدمة الاجتماعية لـ «الجماعة»، والتي تتواصل من خلالها بالجمهور المصري وتجند أعضاء جدد، وقد يضعف كذلك من ذراعها السياسية – "حزب الحرية والعدالة".
وفي أعقاب القرار، أصر العديد من المُعلقين على أن حظر «الجماعة» لن يدمر الإسلام السياسي في مصر، وهذا صحيح من دون شك. فسوف تحظى الأيديولوجيات الدينية دائماً بالدعم في تلك البلاد التي تشتهر بالتدين، ولا يزال هناك العديد من الأحزاب الإسلامية – بما في ذلك تلك التي هي أكثر تطرفاً من «الإخوان» – التي لم يتم الاقتراب منها. لكن الإسلام السياسي بمأمن كذلك لأنه برغم إصرار «الجماعة» على أن "الإسلام هو الحل" إلا أنها لم تضع مطلقاً رؤية إسلامية متماسكة. وبعيداً عن تمثيل أي مفهوم محدد لما يستتبعه هدفها المعلن المتمثل في إقامة "دولة إسلامية"، فإن «الجماعة»، أولاً وقبل كل شيء، طائفة دينية وطليعة هرمية أولويتها هي التماسك الداخلي والطاعة الكاملة للتوجيهات المؤسسية الخاصة بها. وفي حين أن الأفكار نادراً ما تموت، فإن الطوائف تموت غالباً.
وبالفعل، إن حظر «الجماعة» يمكن أن يدمرها في الواقع، على الأقل داخل مصر. لكن ذلك ربما سيترك مئات الآلاف من الأعضاء السابقين الذين يرجح ألا يتخلوا عن سعيهم الراديكالي للسيطرة الكاملة – أي "أسلمة المجتمع" ثم "أسلمة الدولة"، كما يسمون ذلك – والذي غرسته فيهم «الجماعة» من خلال عملية "التربية" التي تستمر ما بين خمس إلى ثماني سنوات والتي يصل بها الفرد إلى مرتبة الأخ. إذن ما الذي سيفعله هؤلاء الأعضاء العاديين من «الإخوان»؟ أتوقع ثلاثة احتمالات، اثنين منها يوفران أساساً ممكناً لإحياء «الجماعة» من جديد.
أولاً، بدلاً من التسلسل القيادي للمنظمة على الصعيد الوطني، قد يتطلع عموم أعضاء «الإخوان» بشكل عام إلى القادة الذين هم في المنفى من أجل التوجيه والإرشاد. فقد نقلت «الجماعة» بالفعل عملياتها الإعلامية إلى لندن، وعلى الأقل ثلاثة من كبار قادتها الستة هم خارج مصر وهم: الأمين العام محمود حسين في تركيا ونائب المرشد العام جمعة أمين في لندن، في حين يعتقد أن نائب المرشد العام محمود عزت هو في غزة. (ومن غير المعروف مكان وجود قائد كبير رابع هو محمود غزلان.) ومن هذه النافذة الأجنبية، رفض قادة «الإخوان» محاولة من قبل أحد قادة «الجماعة» داخل مصر لإجراء مصالحة مع الجمهور المصري، ودعا أعضاء «الإخوان» في مصر إلى مواصلة الاحتجاج ضد عزل مرسي – وهو ما فعلوه، رغم تراجع الأعداد كثيراً عما كانت عليه من قبل. وعلى الرغم من أنه سيتعذر على «الجماعة» تنسيق الأنشطة فائقة التفاصيل من الخارج دون تسلسل للقيادة داخل مصر، إلا أنها تستطيع الإبقاء على مشاركة الأعضاء العاديين، وبهذا تحافظ على أرض خصبة لعودة قادة «الإخوان» وإعادة تأسيس «الجماعة» إذا حصلت انفراجة سياسية وعند حدوث انفراجة كهذه.
ثانياً، قد يقرر أعضاء «الإخوان» العاديون المشاركة في الانتخابات، ربما بعد بضع سنوات، كمستقلين. وبدون منظمة داخلية تسيطر على استراتيجيتهم، فقد يقررون الترشح في بعض المناطق دون غيرها، وستكون أمامهم فرصة لتقديم أداء جيد تكون أفضل مما يعتقده البعض في الوقت الراهن. ورغم حقيقة أن «الجماعة» لا تلقى قبولا شعبياً بشكل كبير في الوقت الحالي، إلا أن هذا الوضع قد يتغير مع استمرار تراجع الاقتصاد المصري في ظل الحكومة المدعومة من قبل الجيش. والأهم من ذلك، وبالنظر إلى أنه لم يتم اعتقال المزيد من الصفوف المحلية في قيادة «الإخوان»، فإن هذا يعني أن أعضاء «الجماعة» يستطيعون التنسيق مع المناطق لاختيار مرشحين وحشد الأنصار بفاعلية من خلال شبكات العلاقات الشخصية التي ستظل قائمة حتى بدون الهيكل الهرمي لـ «الإخوان». وحقيقة أن المجال السياسي في مصر منقسم بعمق بين عشرات الأحزاب، العديد منها لا تكاد تختلف عن بعضها البعض فكرياً وتعاني من سوء التنظيم أيضاً، فإن ذلك سوف يصب في صالح المستقلين التابعين لـ «الجماعة» الذين يتميزون بحسن التنظيم. ثم يمكن لمستقلي «الإخوان» استخدام فوزهم للضغط من أجل إحياء الحريات وإعادة بعث تنظيمهم المعطل حالياً.
ثالثاً، يمكن أن يتخلى عموم أعضاء «الإخوان» عن «الجماعة» ويتجهون إلى حركات إسلامية أخرى، بما في ذلك الجماعات العنيفة. وعلى أي حال، يغلب التطرف على شباب أعضاء «الإخوان» الأصغر سناً أكثر من قادتهم الذين يتبعون سياسات محافظة، وربما يتصرفون الآن من واقع ذلك التطرف. وعلاوة على ذلك، استخدم عموم أعضاء «الجماعة» العنف كأداة سياسية في الماضي القريب – وعلى الأخص في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عندما قامت كوادر «الجماعة» بمهاجمة المحتجين وتعذيبهم وقتلهم خارج القصر الرئاسي في شمال القاهرة. والتاريخ غني بأمثلة من تلك التي تميز «الإخوان» الذين اتجهوا نحو الأنشطة الجهادية خلال فترات القمع التي مارستها الدولة.
إن هذا السيناريو هو بالضبط الذي يقلق أولئك الذين يراقبون ما يجري في مصر، وقد أكد بعضهم بأنه كان على واشنطن أن ترفض بشدة عزل مرسي وتحديداً من أجل الحيلولة دون حمل أعضاء «الجماعة» للسلاح. ومع ذلك، فهذه الحجة تضعنا في خيار زائف بين «الإخوان» الذين يمارسون العنف خارج السلطة وأولئك المسالمين من بينهم الذين هم داخل السلطة: فخلال السنة التي قضاها مرسي في الحكم، أظهرت «الجماعة» مراراً وتكراراً أهدافها الاستبدادية ورغبتها في استخدام العنف ضد معارضيها من أجل تحقيق تلك الأهداف. وهذا جزء كبير من الأسباب التي دفعت ملايين المصريين للخروج ضدها في المقام الأول.
لكن في سبيل توضيح هذه النقطة، فإن توجه أعضاء «الإخوان» إلى الإرهاب سوف يبرر المزيد من القمع الذي يمارسه النظام – وهو القمع الذي لا يستهدف فقط تنظيم «الجماعة»، بل عموم أعضاء «الإخوان» على نطاق واسع أيضاً. وينبغي أن يكون القياس المناسب مع جماعة «الإخوان المسلمين» السورية، التي تم استئصالها من سوريا في عام 1982 عقب قيام مجموعة من أعضائها يعرفون باسم "الطليعة المقاتلة" بحمل السلاح ضد النظام، وتلك الجماعة غير قائمة عملياً في تلك البلاد على مدى ثلاثة عقود.
وبعبارة أخرى، إن لجوء أعضاء «الإخوان» إلى العنف يعني ببساطة أن آثار الحكم القضائي الذي صدر في الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر ستكون دائمة.
إريك تراغر هو زميل واغنر في معهد واشنطن.