وطن – أثار الكاتب السعودي عبد الله ملحم في صحيفة (الراية) القطرية الكثير من ردود الفعل الغاضبة والمؤيدة لمقاله (الإمارات بين إحتلالين) في المواقع الإجتماعية والذي شرح فيه كيف تعاني الإمارات من غزو ثقافي وغزو فارسي يحتل جزر الإمارات الثلاث.
يذكر أن قطر والإمارات تشهد أزمة بالعلاقات بسبب تأييد الأولى للإخوان فيما تحاول الإمارات اقصاء الجماعة في بلدها وفي مصر وكافة الدول العربية.
وهذا نص المقال:
الإمارات بين احتلالين !
بقلم : عبدالله الملحم
الاحتلال ليس بالضرورة أن يكون عملاً عسكرياً، لكن الاحتلال العسكري قد يفرض نمطاً من الاحتلال الناعم الذي لا يبدو أنه فُرِضَ بالقوة، رغم أنه في الحقيقة نتيجة حتمية للقوة على نحوٍ ما، تماماً كما واقع الاحتلال اللغوي الذي فرضته فرنسا على الجزائر، وبريطانيا على الهند بعد احتلال كل منهما في القرن الماضي، ورغم أن اللغة الإنجليزية باتت لغة رسمية في الهند – حتى بعد الاستقلال – إلا أنها لم تغدُ لغة التخاطب في الشارع، ولا اللغة التي يلجأ الهنود إليها لإنجاز أعمالهم بسرعة وسلاسة كما واقع الناطقين بالعربية في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعاني من هيمنة الاحتلال الثقافي الغربي، كما تعاني من هيمنة الاحتلال الفارسي لجزرها الثلاث، وعلى الأشقاء في الإمارات إذا أرادوا تحرير جزرهم أن يحرّروا لغتهم وثقافتهم أولاً؛ لغة الإمارات وثقافتها مُحتلتان باللغة الإنجليزية والثقافة الغربية، واللغة والثقافة من أهم معالم الهوية، ومن لا لغة ولا ثقافة له لا هوية له، ومن يعجز عن تحرير لغته وثقافته فهو عن تحرير أرضه أعجز، ومن لا يغار على لغته وثقافته فحميّته للذود عن أرضه أضعف !.
في الإمارات – وخاصة دبي – الأرض لا تتكلم العربية، الفنادق لا تتكلم العربية، سيارات الأجرة، المترو، المقاهي، المطاعم، البقالات، المتنزهات، المستشفيات، المصارف، الشركات، المؤسسات، محطات الوقود.. معظمها لا تتكلم العربية، ورغم أن العربية لغة البلاد الرسمية بحسب الدستور الاتحادي الإماراتي، إلا أنها من الناحية العملية اللغة الثانية وليست الأولى، وهناك من يرى أنها الثالثة بعد الأوردية، وإذا نظرت إلى كل من حولك فسترى: الأوروبي، والأمريكي، والهندي، والأسترالي، والفلبيني، والكندي، وكل شعوب الأرض يألفون العيش هناك كما لو كانوا في بلدانهم، ولا يشعرون بالغربة مطلقاً "ولكن الفتى العربي فيها / غريب الوجه واليد واللسان" كما يقول المتنبي، وإذا أراد أن يُسيِّر أموره بسلاسة فما عليه إلا أن يَخون لغته وينبذها جانباً حتى لا تتعطل مصالحه، وليصل إلى أهدافه بأسرع وقت ممكن، أما إذا أصّر على التمسك بعربيته فستعترضه الكثير من المصاعب التي لا تصادف غيره من حملة الجنسيات الأخرى، وخاصة الناطقين بالإنجليزية !.
في الشواطئ والمنتجعات السياحية وخاصة "دبي"، الأجنبيات يرتدين ما يشأن من لباس وبكل أريحية، فيما الإماراتيات والخليجيات والعربيات لا يجدن ذات الشعور الذي تنعم به الوافدات في دبي، الإمارات بلد رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولحمة قيادته بشعبه من أوثق العرى، وأهله عرب أقحاح ذوو نخوة وشهامة ومروءة، وأصحاب حق في جزرهم المحتلة، ومن الضروري ألا يفرّطوا في لغتهم وثقافتهم، واحتلال الجزر إذا كان احتلالاً مادياً ملموساً، فاحتلال اللغة والثقافة احتلال معنوي محسوس، والعولمة موجودة في كل دول العالم لكنها لا تُغيِّب هوية أهل البلد لصالح الهويات الوافدة مهما كانت الظروف والأسباب !.
كم أتمنى لو سنّت الحكومة الاتحادية قانوناً ملزماً يجعل اللغة العربية اللغة الرسمية على كل أوراق القطاع الخاص، ومن ثم تأتي اللغة الإنجليزية، وحبذا لو نصّ القانون ذاته على تجريم مخاطبة العربي بغير العربية في الإمارات، لأن من المبرّر أن ترى في بلدك أجنبيين يتكلمان لغة أجنبية؛ لكن ما تبرير أن ترى ابن البلد يخاطب الأجنبي في بلده بلغة الأجنبي وليس بلغة الأرض التي يقفان عليها ؟!.