مع قدوم كل صيف، يقصد كثير من مواطني دول الخليج مصر هربا من الحر الشديد في بلدانهم، لكن أهداف عدد منهم لا تقف عند الاستجمام، حسبما ذكرت تقارير حقوقية وإعلامية محلية وخارجية.
مدينة الحوامدية، مدينة زراعية فقيرة تقع على بعد 60 كيلومترا جنوب القاهرة، يقصدها أثرياء خليجيون "بينهم سعوديون وكويتيون وإماراتيون" سعيا "لإشباع رغباتهم الجنسية خلال العطلة، بالزواج من فتيات قاصرات"، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء العالمية انتر بريس سيرفس (IPS).
وأفادت تقارير صحافية ودراسة أجراها المجلس القومي للأمومة والطفولة بوقوع فتيات قاصرات في مناطق مصرية فقيرة ضحايا لزيجات مؤقتة لأغنياء من الخليج مقابل المال، وهي ممارسة يعتبرها حقوقيون "أشبه بالدعارة والاستغلال الجنسي للأطفال".
ويتم هذا النوع من "الزواج" بمساعدة سماسرة يكونون على صلة بالأثرياء الخليجيين الباحثين عن المتعة وأسر فقيرة لديها بنات صغيرات. ولإضفاء بعض الشرعية على هذا النوع من الاتجار بالفتيات، يتم استخدام الزواج المؤقت كذريعة لمنع وقوع الصغيرات في علاقات حميمية قبل الزواج وهو ما يحرمه الإسلام، حسب تلك التقارير.
زواج القاصرات المؤقت "ليس ظاهرة"
قال أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة لموقع "راديو سوا"، إن هذا النوع من الزواج لا يمارسه إلا "أهل الوضاعة وأناس لا يتمتعون بحسب ولا نسب ويتاجرون بأجساد بناتهم نظير أموال معدودة".
ولا يفرض هذا الزواج الذي يسمى أيضا بـ"الزواج الصيفي"، أي قيود قانونية على الطرفين وينتهي بمجرد عودة الأجانب إلى بلدانهم، وكثيرا ما تزوّج الفتيات من جديد مقابل المال لفترات محددة بحسب ما نقلته IPS عن مديرة وحدة مكافحة الاتجار بالأطفال في المجلس القومي المصري للطفولة والأمومة، عزة العشماوي.
وقالت الباحثة في المجلس القومي لحقوق المرأة نجلاء العادلي لموقع "راديو سوا" إنه بناء على دراسة أجراها المجلس، فإن هناك عددا كبيرا من البنات ممن تعرضن للإجبار على الزواج بهذه الصورة في المناطق الفقيرة، لكنها تابعت أنه لا يتم الإبلاغ عنه ويتم التحايل على القانون بتنفيذه مما يجعل أي إحصائيات حول هذا الموضوع غير دقيقة.
وعلى الرغم من سن قانون عام 2008 يحظر زواج الأطفال بصفة عامة، إلا أن المراقبين يرون أن تطبيقه ضعيف. وحسب العشماوي، فإن "بعض الفتيات عندما يبلغن 18 من العمر يكون عدد زيجاتهن المؤقتة قد وصل إلى 60 زيجة".
لكن العادلي رجحت أن يكون ذلك "العدد مبالغا فيه"، مشيرة إلى أن بعض المنظمات تجري دراسات عن حالات زواج القاصرات المؤقت لكنها تبقى قليلة جدا ولا يمكن إطلاق اسم "الظاهرة" عليها، فضلا عن أنه من الصعب الوصول إلى الضحايا لأن تلك الممارسات تتم بطرق غير قانونية وفي تكتم.
في نفس الإطار، قال أستاذ الفقه المقارن في الأزهر إن زواج القاصرات المؤقت وإن سجلت حوادث فردية منه عند بعض العائلات أو الأسر، إلا أنه لا يمثل ظاهرة في مصر أو سمة غالبة في المجتمع، مضيفا أن "كون بعض الناس أو أفرادا قلائل يشذون لا يجعله حكما عاما على الشعب المصري، وكما قال العلماء فإن النادر لا حكم له".
"زواج القاصرات مخالف للشرع جملة وتفصيلا"
وكشفت دراسة المجلس القومي المصري للطفولة والأمومة، حسب صحيفة واشنطن بوست، أن زواجا مؤقتا لفترة الصيف كلها قد يكلف السائح الخليجي ما بين 2800 و10 آلاف دولار، فيما الزواج ليوم واحد قد يكلف الزوج ويكسب الأهل 115 دولارا.
وشدد أحمد كريمة على أن زواج القاصرات سواء المؤقت أو غير المؤقت مخالف للشرع جملة وتفصيلا، موضحا أن الشريعة الإسلامية تحرم وتجرم زواج القاصرات بصفة عامة لأن "العقد لا بد أن يبنى عن رضا واختيار، والرضا والاختيار ينشأ عن البلوغ والعقل والرشد الذي يعني حسن النظر في الأمور والتدبر فيها".
ويحظر القانون المصري أيضا الزواج من الأجانب إذا كان فارق السن يزيد عن 10 سنوات. لكن هناك طرقا للتحايل على القانون أكثرها شيوعا اللجوء إلى تزوير شهادات الميلاد حتى تتم الزيادة في عمر الفتيات وإنقاص عمر الراغبين في الزواج من الرجال.
ونسبت وكالة IPS للعشماوي قولها إنه بالنسبة للزواج المؤقت فإن هناك سماسرة مختصون هم عادة محامون من الدرجة الثانية، يقدمون أيضاً خدمة التوصيل. وتابعت أنهم "يجلبون فتيات القرية اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 11 عاماً إلى فنادق السياح العرب أو الشقق المستأجرة"، مشيرة إلى أن هذا الزواج شكل من أشكال استغلال الأطفال في البغاء تحت ستار الزواج.
تجدر الإشارة إلى أن محكمة في الإسكندرية قضت عام 2009 بسجن اثنين من مسجلي الزواج عامين لكل منهما لإدانتهما بتدوين زواج مؤقت لمئات الفتيات اللائي تقل أعمارهن عن 18 عاما.
وفي هذا السياق، قال أستاذ الفقه في الأزهر "إذا حصل هذا الزواج في أسر لا أصل لها وهذا الذي يقال عن بعض وليس كل الأشقاء في دول الخليج فهذا أيضا يدل على الشذوذ"، وأردف قائلا "عندما يحضر رجل عربي ويتزوج أي فتاة تقابله لجسدها فإنه رجل أقرب إلى الشهوة الحيوانية والبهيمية وليس مقياسا سليما يعتمد عليه".
وكان التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر في العالم قد كشف أيضا في عام 2013 أن رجالا أثرياء من الخليج بمن فيهم سعوديون وكويتيون وإماراتيون يسافرون إلى مصر لشراء "زواج مؤقت" أو "زواج صيفي" مع مصريات لم يبلغن الـ18 من العمر.
تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر 2013
كما كشف التقرير أن هذا النوع من الزواج يساعد على إتمامه أهالي الفتيات وسماسرة الزواج، مشيرا إلى أن القاصرات اللائي يتزوجن بصورة مؤقتة يقعن ضحايا للاستغلال الجنسي والعمل القسري كخادمات لـ"أزواجهن".
"المسؤولية الأساسية تقع على الدولة"
لكن نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان زياد عبد التواب، قال لموقع "راديو سوا" إن الحكومة المصرية "تخاذلت في جميع الأوقات" في وضع حد لهذا الانتهاك في حق الأطفال، مشيرا إلى أن المسؤولية الأساسية تقع على الدولة المسؤولة قانونيا عن حماية الأطفال ليس فقط من البغاء بل حتى من الزواج المبكر، حسب تعبيره.
وتابع أنه لا توجد أرقام رسمية أو من منظمات حقوقية لعدد ضحايا الزواج المؤقت الذي قال إنه "ليس دعارة مقنّعة فحسب بل بيدوفيليا".
وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف، فإن حوالي 85 مليون فتاة في مختلف أنحاء العالم بعضهن لم يتجاوزن سن العاشرة سيتزوجن قبل عيد ميلادهن الـ18.
(سوا)