كان متوقعا واكيد سيستهدفنا نحن فقط في المرة القادمة .. لم اكن اعرف بالضبط عمن يتحدث مضيفنا الحاج ابو فهد وهو يعقب على خبر ابرقه له احدهم وهو يشاهد التفلزيون في الغرفة المجاورة . كان ابو فهد يتحدث عن قرار الحكومة العراقية اعلان حالة الانذار القصوى في ظل الحراك الدولي الدائر لتوجيه ضربة الى النظام السوري بعد تورطه في مجزرة الكيمياوي على حد ادارة الولايات المتحدة وحلفائها.
(لماذا يستهدفكم بالتحديد من انتم ؟.. قلت لابي فهد الذي اجابني وكانه يواصل جملته الاولى : عقيدة الجيش الحالية ان السنة مسؤولون عن الارهاب ولذلك مع كل عمليات اجرامية يداهم الجيش العراقي مدننا ، قبل ايام كانت حملة انتقامية قاسية لتطهير ما اسماه النظام بحزام بغداد ، اعتقل المئات وتم انتهاك البيوت بصورة عشوائية بناء على شكوك بان هذه المناطق تاوي الارهابيين والذين يفخخون السيارت التي ازداد عددها خلال الشهرين الماضيين .. لذلك تمارس بحقنا ابشع صور الانتقام وكأن الجيش العراقي الذي يتحمل مسؤولية حمايتنا يشن حربا علينا.
ابو فهد رجل في الثانية والسبعين من العمر عمل ضابطا وصل الى رتبه عميد وبقي دون مورد لسبع سنوات بعد الاحتلال حتى صرف له راتب تقاعدي يتقاضاه كل ثلاثة اشهر ، له اربعة اولاد كبيرهم معتقل منذ سبع سنوات والاخر مختف مجهول المصير من ايام الاحتكاك الطائفي الذي شهدته بغداد وعدد من المحافظات ، فيما يعمل ولداه الاخران مهندس زراعي وصاحب متجر لبيع الملابس في بغداد فضلا عن اسرة كبيرة من الاحفاد .تشعره منهكا يقاوم دموعا تلازمه طيلة الكلام . هناك امل ان يخرج فهد ضمن قوائم فرضتها مطالب المتظاهرين في الرمادي والموصل.
كانت ليلة طويلة في بيت ابو فهد اقارب رفيقي في الرحلة المهندس المعماري (ز. س).. وبعد ثلاثة ايام من التجوال في المناطق الغربية والتعرف كيف يعيش المعتصمون وماهو مصير الاحتجاجات التي شهدتها تلك المناطق.
الكل يتوقع ان تسهم مظاهرات الرمادي والموصل وسامراء والفلوجة وبعقوبة وتكريت وكركوك في تغيير واقع يراه المتظاهرون طاردا مهمشا اقصائيا للسنة في العراق .. فيما يرى شيوخ عشائر ومواطنون شيئا مختلفا.
الشيخ .ح .م شيخ عشيرة معروف حدثنا بصراحة متناهية قائلا :
– ليس كل اهل الانبار مع المتظاهرات واستمرارها ماتقوله الحكومة في بغداد ليس خطأ بالكامل.
- لماذا؟
- المتظاهرون في البداية طالبوا بحقوق مكبوبه ومدعومة من جميع الشيوخ وابرزها اطلاق سراح المعتقلين وتوزيع الوظائف لاسيما في الاجهزة الامنية . لكن بعض السياسيين ركبوا موجة التظاهرات وصعدوا الموقف مع الحكومة فوجدتها ذريعة لعدم تلبية اية مطالب.
- هل ترى ان التظاهرات فشلت في تحقيق اهدافها؟
- هي تظاهرات منسية (ماوراها لا اعلام ولا قوة تضغط على الحكومة) اصبحت سجال بين خطباء الجمعة والاحزاب الحاكمة في بغداد. ليس فقط تظاهرات المناطق الغربية .. الجنوب وبغداد شهدت تظاهرات قمعتها الحكومة ولا احد في الاعلام العربي تطرق الى ذلك،
- لكن بغداد تعاني من هجمات انتحارية ازدادت في الاونة الاخيرة ، والتظاهرات تشغل الحكومة عن السيطرة عليها..
- والله هذه مشكلة الحكومة ، لااحد يقول لنا ماذا يفعلون ومع من يحققون وهناك اتهامات لدول مثل ايران وربما من داخل الحكومة لاسيما هناك خلافات شيعية شيعية .. لا احد يسلط الضوء عليها، فقط نسمع القاعدة والنظام السابق ولا احد يعرف عن التحقيقات وتقارير الاستخبارات التي تقدمها الجهات المرتبطة بالحكومة. (انتهى الحوار)
في بغداد الامر ياخذ منحى اخر .. ففي الوقت الذي ينفي رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي عودة الحرب الطائفية في العراق حاليا الا ان مؤشرات في ازقة وشوارع المدن العراقية تؤكد عودة تلك الاشارات. لا احد يصرح علنا بان هناك مواجهة مقبلة ، الكل خائف من مجرد لفظ الحرب الطائفية ، الان مدنا واحياء في بغداد اصبحت تشهد منشورات وجماعات وتهديد لعائلات سنية تسكن مناطق شيعية مثل منطقة الشعله واخرى معكوسة مثل منطقة الدورة ورسائل ترمى في حدائق البيوت او عند ابوابها تحث على المغادرة والا قوبلوا بالقصاص.
في منطقة زيونه ببغداد وهي منطقة مختلطة شيعية سنية يغلب على سكانها انهم من ضباط الجيش السابق بعد ان وزع الرئيس الراحل اراضي على منتسبيه. التقينا الحاج (عكلة) ، شيعي تجاوز الستين من العمر ، (هناك تهديدات وقوائم باسماء تحملها جماعات بهدف التصفية. الغريب ان هذه الاسماء عشوائية ليست لسياسيين او ضباط – يقول عكله-الا ان الملاحظ هو ان هؤلاء من السنة. يروي الحاج انه اطلع على احد القوائم كانت لخطباء مساجد، ولعمال وبعضها غير موجود في المنطقة اصلا . مثلا استغربت وجود اسماء مثل منخي عرز احمد وهو متوفي منذ خمس سنوات علوان مضر وهو طبيب مهاجر الى عمان و(احمد محمد العيسى ) وهوطالب يدرس في بريطانيا وليست له علاقة بالسياسة. مما يدل على ان الاستهداف طائفي ليس الا.( انتهى الحوار)
منشورات تهديد بوجوب الرحيل تلقى على الابواب
ازدياد التفجيرات في العراق يولد حالة ياس .. وهذه تدفع الى صحوة خلايا نائمة حملت السلاح خلال الحرب الطائفية عامي الفين وستة والفين وسبعة. وسط تداعيات على صعد مختلفة للحياة في العراق وفشل حكومي بارز في ضمان الامن والخدمات ابرز تحديين يواجهان حكومة المالكي .
في مدينة الناصرية حط بي المقام بعد افتراقي فيها عن المهندس (ز.س) بعد ان وصلتها عند الفجر . الناصرية مدينة مرت على جسدها حروب كثيرة وكانت ميدان انتفاضة 1991 ضد النظام السابق وهي منطقة تتصف بعشائريتها منذ ان انشاها الوالي العثماني مدحت باشا وكان تسمى على اسم الوالي ناصر باشا السعدون . حيث اصبحت عشائر السعدون من العشائر الاصيلة في المنطقة وهي العشائر السنية الوحيده بين عشائر شيعية عاشت قرونا في هذه المنطقة وضواحيها من الارياف..
قصة التهجير والتهديدات التي تواجها عشائر السعدون
الشيخ نواف من المنطقة يقول : لم نعرف هذا التهديد بالتهجير ولم نتوقعه في حياتنا ، مرت ظروف وحروب وانظمة وكانت عشيرة السعدون والعشائر المنحدرة معها متعايشه بسلام . حتى الحرب الطائفية التي شهدها العراق عام 2006 لم تؤثر في علاقتنا بالعشائر العربية الشيعية هنا. الا ان التفجيرات الاخيرة في المدينة جعلت اطرافا وجماعات تتحرك ضد السنة في المدينة ، وتحديدا ابناء عشيرة السعدون متهمين اياهم بالانتماء الى السعودية وحديث عن علاقة السعودية بالتفجيرات وغير ذلك من الاشاعات.
ويضيف لشيخ نواف : تشيد الان حراسات في مناطقنا ، وهناك ايضا حملات شعبية من الخيرين لايضاح الموضوع للراي العام ، لكن تواصل التهديدات يشير الى وجود جماعات مجهولة لاتصغي الى هذه الاصوات .
- مالذي تقوله، هذا الموضوع سينشر على نطاق واسع ابعد من الساحة العراقية؟ .
الشيخ نايف: اقول اننا نوجه صوتنا الى الدول الاقليمية كافة والعالم لحمايتنا ، والتدخل لانهاء مظاهر حرب طائفية العراق ، ستكون الاوسع في المنطقة منذ الاحتلال الامريكي للعراق.
غسان عبد المجيد
كتابات