على سطح بحيرة "ماريبوسا"، التي تزود سكان العاصمة الفنزويلية كراكاس بالماء الصالح للشرب، كانت جثة كلب طافية على السطح بعدما ألقيت هناك مع عدد آخر من بقايا الحيوانات في إطار طقوس للشعوذة يمارسها بعض السكان المحليين، وشعائر تمزج بين المسيحية وممارسات ترجع إلى إفريقيا الغربية، والنتيجة هي تلويث المياه التي تصل إلى الحنفيات في البيوت ويفترض أن تكون صالحة للشرب.
ولكن واقع مياه بحيرة ماريبوسا غير البعيدة عن العاصمة يقول شيئاً آخر بسبب طقوس الشعوذة التي ترمي بجيف الحيوانات في المياه، وأيضاً بسبب مخلفات المدينة التي يتم التخلص منها في البحيرة. والمشكلة أن المياه تتجمع في محطة المعالجة الوحيدة المتقادمة التي يتجاوز عمرها 60 عاماً، وهو ما يؤكده فرناندو موراليس، أستاذ الكيمياء بجامعة سيمون بوليفار بكراكاس, الذي يقول "إنها لم تعد قادرة على التعامل مع التلوث الحاصل للمياه لاعتمادها على تكنولوجيا قديمة لا تلائم التطور الحالي".
كما أوضح أن عملية معالجة المياه لم تتأقلم مع التدهور الكبير في جودتها، وشخصياً لن أستخدم المياه التي تضخها المحطة في البيت, مما دفع الناس إلى الإقبال الكثيف على مياه القنينات المعدنية التي تزايد الطلب عليها في الفترة الأخيرة، خوفاً من تلوث مياه الحنفيات، حيث وصل سعر قنينة الخمسة جالونات إلى 4.80 دولار متجاوزة بذلك سعر البنزين بضعفين! ويُرجع عدد من الخبراء السبب وراء غياب المعالجة الفعالة للمياه إلى الإهمال الذي طال الشركات التابعة للدولة، بما فيها تلك التي تشرف على توزيع المياه ومعالجتها.
وبرغم أن الثورة الاشتراكية التي قادها الرئيس الراحل هوجو تشافيز اعتمدت على تحسين خدمات الصحة والتعليم والإسكان من خلال تقليص تمويل الشركات وتوجيه الاستثمار إلى الخدمات الاجتماعية, لكن النتيجة جاءت على حساب إمدادات المياه والكهرباء في بلد يتوفر على أكبر احتياطي للنفط في العالم، كما يزخر بمخزون هائل من المياه تتجاوز حصة الفرد بثماني مرات ما يتمتع به الفرد في بلد مثل فرنسا، ليصبح انقطاع الكهرباء والمياه عن المواطنين في العاصمة كراكاس أمراً مألوفا للغاية.
ومن أجل توضيح التدهور الحاصل في تمويل شركات توزيع المياه, ينبغي إلقاء نظرة على شركة هيدروكابيتال التي بلغت ميزانيتها قبل سنة واحدة من وصول تشافيز إلى السلطة 250 مليون دولار في السنة، حسب نائب مديرها السابق، نوربرتو بوسون، وتلك الميزانية تقلصت مع انقضاء السنوات لتنحدر في عام 2010 إلى 9.7 مليون في السنة، الأمر الذي حرم الشركة من استثمارات كبيرة لتطوير قدراتها والرفع من كفاءتها إلى درجة أنه عندما تعطلت قناة أساسية لنقل المياه داخل المحطة ظل 60 بالمائة من سكان كراكاس دون مياه لمدة يومين كاملين.
ليست أزمة المياه الصالحة للشرب هي المشكلة الوحيدة التي تواجه الفنزويليين، فقد أدى النقص الكبير في البضائع المستوردة إلى ارتفاع معدل التضخم لتحتل البلاد المرتبة الثانية في العالم بعد إيران من حيث نسبة التضخم الكبيرة، هذا بالإضافة، حسب البنك المركزي، إلى تهاوي قيمة العملة المحلية مقارنة بالسنة الماضية، أما العجز المالي للموازنة فسيصل مع نهاية السنة الجارية إلى 11 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
من جانبه قال نائب الرئيس السابق لشركة هيدروكابيتال "إنه لم تُضف قطرة ماء واحدة إلى نظام الإمداد في كراكاس منذ 15 عاماً، حيث ظلت الكمية التي تضخ هي نفسها، فيما تزايد عدد سكان العاصمة ليصل إلى 5,5 مليون نسمة, كما اضطر السكان إلى الاعتماد
على مصادر أخرى توصلها الشاحنات لترهق كاهلهم بمصاريف إضافية تفوق ما يدفعونه من أجل البنزين وباقي أنواع الوقود.
الأسوأ من ذلك أن السلطات لا تقوم بما يلزم لردع بعض الممارسات التي يقوم بها مشعوذون، مؤدية إلى تلويث مياه البحيرة، وهو ما يعترف به، سانشيز، الذي يقوم بذبح الحيوانات وتقديمها قرباناً للبحيرة، حيث قال "لا أحد يزعجني فيما أقوم به", لكن السلطات قامت بتنظيف البحيرة تم انتشال العشرات من الحيوانات النافقة التي يلقى بها في المياه دون اكتراث بالتأثيرات الصحية على السكان الذين تشكل البحيرة بالنسبة لهم مصدرهم الوحيد للتزود بالماء الصالح للشرب.
جدير بالإشارة أن المحطة تعمل بطريقة تقليدية, لذا فعادة ما يتم تشغيلها يدويا، مما يعني أن أي خطأ قد يتسبب في انقطاع المياه عن أحياء بكاملها في العاصمة ليزيد بذلك من معاناة السكان, كما يؤكد فرناندو موراليس أستاذ الكيمياء بجامعة سيمون بوليفار "أن قدرة المحطة على معالجة المياه تبقى غير كافية لضمان عدم تلوثها، ولاسيما أن نسبة التلوث عالية".
وأضاف موراليس "أن استخدام بعض الطرق التقليدية مثل الكلور لمعالجة المياه غير كافٍ لأن هذا الأخير يقتل فقط البكتيريا، فيما تبقى الفيروسات دون معالجة، الأمر الذي يستدعي تقنيات جديدة مثل الاعتماد على مصافٍ فائقة الدقة، وأجهزة حديثة لرصد ومراقبة الأجسام البيولوجية".
وحتى يتحقق ذلك ستستمر معاناة سكان كراكاس مع المياه، فلا هي تأتي بالكميات الكافية لتلبية احتياجاتهم، كما انهم لا يستطيعون الوثوق في جودتها لإرواء ظمأهم.
*عن بلومبرغ – ترجمة: البشير للأخبار