إذا سأل التلميذ معلمه في المدرسة الابتدائية عن وجود خمسين طالباً في فصل واحد، لا مقاعد عندهم، ولا حتى مدفأة حطب تقاوم معهم برد الشتاء القارس، سيقول لك لأننا دولة مواجهة. وإذا سألت لماذا لا يوجد زيت ولا صابون ولا حتى خبز شعير، جاءك الجواب: لأننا دولة مواجهة، ولماذا لا يوجد آلة تصوير في قسم الصحافة ولا حاسوب في كلية "الكمبيوتر"، أيضاً لأننا دولة ممانعة ومقاومة.
منذ خمسة وأربعين عاماً ونحن دولة ممانعة، ولهذا منعتنا الحكومة من كل جميل وما علينا إلا الصبر. خمس وتسعون بالمائة من أموال الشعب تذهب إلى تلك الممانعة، حيث يقوم النظام بشراء الأسلحة وتكديسها ليحقق التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني. ويهرب الباقي إلى مصارف سويسرا ليضمن مستقبل أبنائه وأحفاده.
اندلعت الثورة، وإذ بنا نكتشف أن الأسلحة المشتراة بأموال السوريين معدّة لقتلهم وليس للدفاع عن البلاد، فلم يستخدم النظام السوري يوماً صواريخ سكود ولا طائرات (الميغ 29) ضد الصهاينة، ولكنه يستخدمها اليوم لتدمير المدن السورية وقتل الشعب السوري. حتى أصبح الطفل ذو التسعين سنتيمتراً يُقتل بصاروخ سكود ذي الأمتار الثمانية. ولم يقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلى استخدام الأسلحة الكيماوية كما حدث في الغوطتين، وفي جوبر هذا الصباح.
ولما أراد الرئيس الأمريكي أوباما أن يحفظ ماء وجهه بعد أن استمر كاذباً لسنتين اثنتين، لوح بضربة عسكرية محدودة لقوات الأسد، وأمهل نظام دمشق سبعة أيام لتسليم السلاح الكيماوي أو تلقي الضربة. وما كاد كيري ينهي تصريحه الصحفي حتى أسرع وليد المعلم إلى الموافقة على العرض بتسليم السلاح الكيماوي وتدميره أيضاً.
يؤكد هذا، أن الأسد بالفعل اشترى ذلك السلاح ليدمر به سورية، فهو لم يستخدمه ضد العدو الحقيقي، وها هو يعرض تسليمه اليوم للعدو مقابل الحفاظ على كرسيه واستمراره في تقتيل الأبرياء.وبالتالي فلم يتبق لدى أحد أدنى شك بأن الأسد وأباه تسلحا على مدار أربعين عاماً فقط لمقاومة الشعب السوري باسم المقاومة ومنع الشعب السوري من حريته باسم الممانعة، وإلا فكيف يسلم سلاحه لعدوه المفترض، مع العلم أن القوانين العسكرية السورية تحكم بالإعدام على من يسلم سلاحه أو معلوماته العسكرية للعدو.
وليد المعلم، قال إن موافقة سورية على تسليم سلاحها يأتي في سبيل الحفاظ على أرواح السوريين. لكنّ المعلم لم يشرح لنا كيف يمكن الحفاظ على أرواح السوريين عندما يقصفهم بصواريخ سكود ودبابات (ت 82). ولم يشرح لنا كيف استشهد حتى اليوم أكثر من مائة وخمسين ألفاً على امتداد التراب السوري.
صدق الشبيحة إذ قالوا الأسد أو نحرق البلد، فهاهم يحرقونها ثم يسلمون آلة الحرق لعدوهم، وصدق سعيد بخيتان عندما قال نحن مستعدون لقتل ثلث الشعب السوري مقابل بقاء بشار في السلطة.
كنا نعلم أن الأسد مستعد لتسليم"توازنه الاستراتيجي" في سبيل الحفاظ على كرسيه، ولدينا أدلة كثيرة أهمها أن طائرات العدو قصفت مواقع سورية عدة مرات دون أن تتعرض لإطلاق النار،وهذا طبيعي فالأسد يوفر النار ليطلقها على دمشق وحلب وغيرهما. كما تنازل حافظ الأسد عن الجولان مقابل صك بمائة ألف دولار وسلطة دموية بالطبع، وساهم في القبض على عبد الله أوجلان مع أول عبسة تركية في وجهه. بل وتنازل عن لواء اسكندرونة وتمّ حذفه من الخارطة السورية. كما هرب مذعوراً من لبنان عند أول طلب أمريكي. ناهيك عن أنه قطع يديه إكراماً للويلات المتحدة فقتل غازي كنعان ومحمد سليمان وغيرهم كثير.
لن يضير الأسد أن يتنازل عن شرفه وكرامته ليبق في الحكم. ولا يمكن للشعب السوري أن يقبل بحاكم يقدم تنازلات لعدوه المفترض كلما دقّ كوزٌ بجرّة. ولئن جاءت الضربة الأمريكية أم لم تأت فقد انتهى هذا الشخص وحكم على نفسه بالذل أمام الشعب السوري وأمام العالم أجمع، ولا أعتقد أن مصيره سيختلف كثيراً عن مصير القذافي اللهم إلا بحجم الخشبة.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا