تتجه المعركة المسبقة لسباق الرئاسيات في الجزائر نحو لعبة مغلقة، بعدما اعتقدت بعض الدوائر أن تواري بوتفليقة عن الأنظار تحت طائلة الأزمة الصحية قد يسمح بحلحلة حالة الجمود، وخلق أمل في أن يكون الاستحقاق الرئاسي مفتوحا أمام الجميع.
واستعادت قيادة أركان الجيش في الجزائر بموجب قرار اتخذه بوتفليقة من مقر نقاهته بالعاصمة رفقة الفريق أحمد قايد صالح، السلطة على أبرز دائرتين في جهاز الاستعلامات، وهما مصالح الأمن العسكري، والإعلام والنشر، اللتان صارتا تابعتين مباشرة الى قيادة أركان الجيش، بعدما ظلت طيلة عقود تحت سلطة جهاز الاستعلامات.
وهي الخطوة التي تندرج في مسلسل تقليم الأظافر الذي ينفذه المحيط الرئاسي ضد خصومه في مراكز القرار القوية، سيما اللواء محمد مدين "توفيق"، الذي يمسك بمأمورية جهاز الاستعلامات منذ مطلع التسعينات.
كما لا يستبعد إجراء حركة واسعة في قيادات المؤسسة العسكرية وألويتها في ذكرى الفاتح من نوفمبر القادم (ذكرى انطلاق الثورة)، ليتم بذلك ترقية قيادات جديدة موالية لبوتفليقة، والتخلص من كل من يغرد خارج السرب، تحت ذريعة التقاعد وتشبيب المؤسسة بوجوه جديدة.
وهو ما قد ينهي آخر البؤر "المزعجة" لبوتفليقة ويضع جميع الصلاحيات المدنية والعسكرية تحت قبضته، وهو القائل في بداية التحاقه بقصر المرادية في 1999 "لا أريد أن أكون ربع رئيس".
وبذلك لم تدم فترة انكفاء الجناح الرئاسي طويلا، بفعل غياب بوتفليقة، والتفجير المتسلسل لملفات فساد ما يعرف برجال الرئيس، وكذا الفراغ في هرم أحزاب الموالاة، حتى شن القصر هجوما معاكسا يوحي بأن الانتخابات المقبلة تسير نحو دائرة مغلقة، ولن تكون نتائجها خارج خيارات السلطة.
ومن ثمة، فإن محيط الرئاسة الجزائرية يخوض معركة مضادة للحد من دور أكبر الخصوم السياسيين وتأثيره وهو جهاز الاستعلامات، بعدما اعتقد البعض أن حالة من التوازن في السرايا الفاعلة قد تحققت وهو ما يسمح بفتح أبواب السباق الرئاسي.
وتوحي التطورات المتسارعة في الآونة الأخيرة بعكس التوقعات المذكورة تماما. خاصة بعدما تم حسم الفراغ الذي عاشته قيادة الحزب الحاكم في البلاد منذ الإطاحة ببلخادم، لصالح رجل مقرب من بوتفليقة والمعروف بعلاقته المتينة مع الرجل القوي في الرئاسة، أي المستشار والشقيق، سعيد بوتفليقة.
وعلى نفس المنوال يجري التحضير للحسم أيضا في قيادة الحزب الموالي الثاني، وهو التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يعيش نفس السيناريو منذ الإطاحة بأحمد أويحي، ولا يستبعد أن تعود قيادته الى رجل" بوتفليقي "، على شاكلة عمار سعيداني في جبهة التحرير الوطني.
كل ذلك يضاف إلى سحب أهم دائرتين من جهاز الاستعلامات لصالح القيادة العليا للجيش، وهما الأمن العسكري والإعلام والنشر، فضلا عن تراجع تأثيرات فضائح ملفات الفساد التي طالت بعض المقربين من بوتفليقة، وظهور وزير النفط السابق، شكيب خليل، في موقع الواثق من نفسه والمتحدي والمستعد للمثول أمام القضاء بـ "شروط".
كل ذلك يتم وقبل سبعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل المقبل، ما يوحي بشكل كبير بأن الرئاسة كسبت جولات هامة في وقت قياسي، وتؤشر بشكل كبير إلى أن الرئيس القادم لن يكون خارج ما يقرره آل بوتفليقة، ومن ثمة فإن هواجس بعض أطياف المعارضة والشخصيات السياسية التي عبرت عن نيتها في الترشح، حول ما أسموه بـ"اللعبة المغلقة "، تسير نحو التأكيد على أن حلم التغيير الهادئ في الجزائر مؤجل إلى إشعار آخر.
العرب – صابر بليدي