قدمت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا تقريرها فاتهمت النظام والمعارضة في سوريا بارتكاب جرائم حرب فظيعة بحق المدنيين، ورفضت اعتبار التدخل العسكري الأميركي حلًا للنزاع السوري الداخلي، الذي لا يمكن حسمه عسكريًا.
عددت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في تقريرها الصادر اليوم الاربعاء جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ارتكبت خلال الحرب السورية، لكنها لم تقدم أي نتيجة نهائية بشأن استخدام اسلحة كيميائية في سوريا، كما يزعم كل من النظام السوري والمعارضة المسلحة.
وقالت اللجنة في أحدث تقاريرها: "بناءً على الأدلة المتوافرة حاليًا، لم يكن بالامكان التوصل إلى نتيجة عن العناصر الكيميائية المستخدمة وانظمة اطلاقها أو مرتكبيها، لكن من الواضح أن غالبية الخسائر البشرية وقعت خلال هجمات غير مشروعة، استخدمت فيها الأسلحة التقليدية".
جرائم حرب
يغطي تقرير لجنة التحقيق الدولية الفترة الممتدة بين 15 ايار (مايو) وحتى 15 تموز (يوليو) الماضيين، وبيّن أن قوات موالية للرئيس السوري بشار الاسد واصلت شن الهجمات الواسعة ضد المدنيين وارتكاب عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب والاختفاء الجبري كجرائم ضد الانسانية، "فهذه القوات قتلت مدنيين وقصفت مستشفيات وارتكبت جرائم حرب أخرى خلال عمليات التقدم الأخيرة لاستعادة مناطق شاسعة سيطرت عليها المعارضة في وقت سابق"، مدينًا أيضًا الجماعات المناهضة للحكومة بارتكابها جرائم حرب، من بينها القتل والتعذيب والخطف، في المناطق التي تسيطر عليها. وأكد التقرير أن مرتكبي هذه الخروقات والجرائم من الطرفين يتحدون القانون الدولي، ولا يخافون من أية محاسبة.
ولم يأتِ التقرير على ذكر ما بعد 15 تموز (يوليو)، أي الفترة التي شهدت الهجوم الكيميائي المفترض على المدنيين في ريف دمشق، في 21 آب (اغسطس) الماضي، وهو الهجوم الذي اثار غضبًا دوليًا يمكن أن يؤدي إلى توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري، تقودها الولايات المتحدة، بالرغم من الجهود الدبلوماسية الحثيثة الساعية لتجنب حصولها.
لا حسم عسكري
واكدت لجنة التحقيق الدولية، المؤلفة من اربعة اعضاء برئاسة البرازيلي باولو سيرجيو بينييرو، في تقريرها على ضرورة تقديم أولئك الذين استخدموا السلاح الكيميائي إلى العدالة، "من أجل ردع أي شخص آخر يريد استخدام أساليب الحرب البغيضة هذه"، محذرة من أن النزاع في سوريا، الذي اسفر عن مقتل اكثر من 100 الف شخص وأجبر اكثر من مليونين على الفرار من البلاد، أخذ منعطفًا خطيرًا.
وأضاف التقرير: "لم يؤدِ الفشل في التوصل إلى تسوية سياسية إلى تعميق الصراع وتعنته فحسب، بل تسبب أيضًا في توسيعه إلى جهات فاعلة جديدة، أدت إلى حصول جرائم لم تكن في الحسبان من قبل".
أصر محققو اللجنة على أن الحاجة ملحة لوقف الاعمال العدائية والعودة للمفاوضات من أجل إيجاد تسوية سياسية، "فاللجوء للعمل العسكري لن يؤدي فقط إلى تعاظم المعاناة داخل سوريا، وإنما أيضًا إلى استعصاء الوصول إلى التسوية السياسية المتوخاة". وأضافوا قائلين: "ما زالت أطراف النزاع في سوريا تؤمن بوجود إمكانية حسم النزاع عسكريًا، الأمر الذي يدفعها الى تصعيد العمليات القتالية".
وانتقدوا الجهات التي تورد الأسلحة إلى سوريا، واتهموها بتعزيز الأوهام بشأن إمكانية الانتصار عسكرياً في هذه الحرب، "فالبيان الذي صدر عن مؤتمر جنيف-1 في حزيران (يونيو) 2012 يبقى الطريق الوحيد للسلام في سوريا.
لحماية المدنيين
كما أكدت اللجنة ان احتدام القتال بين القوات الحكومية والقوات الموالية لها والجماعات المسلحة المناهضة للحكومة والجماعات المسلحة الكردية جعل المدنيين هم من يدفعون ثمن الفشل في التفاوض على انهاء هذا الصراع، "فعشرات آلاف الأرواح ازهقت، وهرب أكثر من ستة ملايين سوري من منازلهم، ولكل منهم قصة عن الدمار والخسائر حيث تعيش اليوم مجتمعات بأكملها في الخيام خارج حدود سوريا، إضافة الى ملايين النازحين في الداخل، ما مزق المجتمع السوري".
ورفضت اللجنة اعتبار شن ضربات عسكرية ضد سوريا حلًا للازمة، وقال محققوها: "مع شبح التدخل العسكري الدولي، فإنّ سوريا والمنطقة تواجهان خطر ازدياد اشتعال الحرب، ما سيؤدي إلى زيادة معاناة المدنيين"، وشددوا على أن حماية حقوق الانسان واحترام القانون الدولي الإنساني أمران مترابطان بشكل وثيق مع ميثاق الأمم المتحدة، خصوصًا في ما يتعلق بالإجراءات التي يتخذها مجلس الأمن. كما رأت اللجنة ضرورة قيام مجلس الأمن بالعمل كمنبر يتم من خلاله التأثير على أطراف النزاع في سوريا والدول النافذة من أجل تعزيز حماية المدنيين.