منذ الخامس عشر من آذار لعام 2011 تاريخ انطلاق شرارة الثورة السورية وإراقة الدم السوري غزيرا بعد مجازر النظام بحق الثوار المدنيين وعسكرة الثورة جبرا تحت ضغط إجرام النظام وتكلس الحسم العسكري لأي من طرفي الصراع ، والشعب السوري ينتظر تدخلا أجنبيا ينهي تلك الحقبة الزمنية الدامية من عمر الدولة السورية وعقودا من حكم الدكتاتور المتشبث بالبقاء.
(1)Apple-tab-span" style="white-space:pre"> جدلية التدخل
التدخل العسكري في سوريا الفكرة الأكثر جدلية لدى النخب السياسية والبرلمانات الغربية والمحافل الدولية ، لكنها جدلية تختفي وتتلاشى لدى المواطن السوري الباحث عن الخلاص بأي وسيلة.
نخب عربية تنقسم على نفسها فيما يتعلق بالضربة الأمريكية الغربية للنظام الاسدي ، إذ ترى القوى اليسارية والقومية إن التدخل العسكري باسم حماية المدنيين في سوريا حجة للتدخل الامبريالي لإعادة إحكام سيطرته الكاملة على المنطقة وإعادة ترتيبها بما يخدم امن إسرائيل والقوى الغربية .
القوى الثورية العربية المناهضة للدكتاتورية والاستبداد والمناصرة لحق الشعب في تقرير مصيره ترى أن التحرك العسكري وان كان يحمل في طياته تحقيق مصالح الغرب إلا انه تدخل يخدم في الأساس مصلحة الشعوب ، وذلك بكسر أنظمة الاستبداد التي أنهكت الدول ومؤسساتها لعقود ووقفت عائق أمام مستقبل هذه الدول وشعوبها .
القوى الإسلامية منقسمة على نفسها فيما يتعلق بالضربة الأمريكية للنظام الاسدي ، في الوقت الذي تحشد فيه جماعة الإخوان السوريين كل الجهود الدولية دعما لتدخل ينهي نظام الأسد أبدت جماعة الإخوان الأردنيين في بيان مفاجئ تحفظها ورفضها لضربة عسكرية لسوريا ، تضارب يعكس حالة من الخوف الكامن في اللاوعي للجماعات الإسلامية من نوايا الحلف الغربي اللاحسنة تجاه المنطقة .
الجدلية مختلفة على مستوى الدول العظمى في محافلها الدولية بين من يؤيد لتلك الضربة العسكرية ومن يمانع بشدة لها كل ذلك من منطلق حماية كل طرف لمصالحه ونفوذه العسكري والاقتصادي في المنطقة .
الجدلية تشتعل في البرلمانات الغربية بين مؤيد ومعارض للضربة العسكرية وكلها تتمحور حول عقدة الانتكاسة في الحرب على أفغانستان والعراق .
(2)
أ – تأخر الضربة
كان لأمريكا منذ البداية أن تتدخل في القضية السورية دون الحاجة إلى قرار أممي أو تحالف دولي بإعادة سيناريو ما حصل في العراق عام 2003 إلا أن هناك عوامل كانت تضغط على صاحب القرار الغربي أخرت السير باتجاه مثل هكذا قرار .
المعلومات الإستخبارية على الأرض وبعد أن تحولت الثورة إلى الطابع العسكري كانت تشير إلى سيطرة التنظيمات المسلحة من القاعدة وأنصار الفكر السلفي الجهادي بحيث أنها كانت صاحبة اليد الضاربة في مقارعة نظام الأسد .
تزامن ذلك مع الفيتو الروسي الصيني ضد استخدام الفصل السابع في مواجهة النظام السوري مترافقا مع أزمة اقتصادية خانقة في أوروبا وأمريكا كان المحرك الأساسي لها النزيف الاقتصادي الحاد في الحرب العراقية الأفغانية.
هناك من يشير إلى ضغوط إسرائيلية كانت تمارس على الإدارة الأمريكية من اجل عدم التدخل في بداية الثورة وحسم الأمر مبكرا ضد نظام الأسد وإسقاطه ، وذلك رغبة من الإسرائيليين في إنهاك الدولة السورية واستنزافها وخروجها من أزمتها الداخلية منهكة غير قادرة على أن تكون شيء في الخارطة السياسية للمنطقة لعقود من الزمن على اقل تقدير بعد سقوط الأسد .
عوامل عدة عقدت المسالة السورية وجعلت الغرب وعلى رأسهم أمريكا حذرون في اتخاذ قرار تكرار السيناريو الليبي أو حتى العراقي .
ب- هبوب رياح جديدة
كل المؤشرات تشير إلى أن الضربة الأمريكية التي تتشوق لها الشعوب العربية لإسقاط النظام الاسدي باتت قاب قوسين أو أدنى وان والبوارج التي تخب الأبيض المتوسط سوف ترتفع منها أعمدة الصواريخ لتدك مواقع الأسد عما قريب بعد أن هبت الرياح وتبدلت الظروف حسب ما اشتهت الإدارة الأمريكية .
العائق الروسي وان بقي موجود في أروقة مجلس الأمن يمنع استصدار قرار تدخل دولي إلا انه عائق أصبح شكليا بعد أن قرر الغرب الذهاب إلى ضربة عسكرية بعيدا عن موافقة مجلس الأمن ، إضافة لما يتداول عن ودور مهم قامت به دولة خليجية بعقد صفقة مع الروس بشراء أسلحة بقيمة 17 مليار دولار مقابل تخلي روسيا عن الأسد .
التدخل العسكري أصبح يمثل بنظر أمريكا والغرب مقدمة ضرورية لتدخل عسكري في إيران لوقف برنامجها النووي وذلك بعد أن وصلوا إلى قناعة بان مرثون التفاوض معها يقترب من الوصول إلى نهاية مسدودة يستوجب معها العلاج بكي السلاح المتطور ليبقوا محافظين على نفوذهم ومصالحهم وقوة الردع في المنطقة .
التدخل في سوريا يمثل للغرب والخليج العربي بوابة رئيسية لتقليم أظافر حزب لله اللبناني ومحاصرته والاستقواء عليه بعد أن فقد حاضنته الشعبية في العمق العربي بعد أن اظهر الحزب وجها طائفيا قميئا في الأزمة السورية.
الغرب يرون أن عملية عسكرية في سوريا قد تعيد التوازن إلى الوجود السني في العراق الذي اضمحل في المرحلة الأخيرة وأتاح الفرصة لاختطاف العراق بمجمله إلى الحضن الإيراني واستخدامه كورقة ضغط وقوة للإيرانيين في المنطقة .
هناك رغبة لدى أمريكا بحفظ ماء وجهها بعد أن أعلن رئيسها عدة مرات بان استخدام السلاح الكيماوي خط احمر حيث ثبت استخدامه من قبل النظام وبشكل فاضح في 21 أغسطس وبطريقة لا يمكن إدارة الظهر لها وصرف النظر عنها .
هناك من يشير إلى أن إسرائيل أصبحت قلقة من ضعف قوة الأسد الميدانية ضعف قد يصل إلى حد تسرب الترسانة الكيماوية إلى يد أعداء إسرائيل مما يستوجب تدخل يحمي تلك الأسلحة والاستيلاء عليها قبل وصولها إلى الجماعات الإسلامية وهذا بات واضحا في الخطاب الرسمي الأمريكي وبجلاء .
كل ذلك جاء متزامنا مع نجاح بعض الأطراف الإقليمية في تأهيل قيادة عسكرية متمثله في اللواء سليم إدريس قادرة على استلام زمام الأمور وسحب البساط من تحت أقدام التنظيمات الإسلامية التي يمكن أن تسيطر على مفاصل الدولة في حال سقوط الأسد ، إضافة إلى تعهد خليجي بتغطية كافة تكاليف الحرب على سوريا كما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي.
(3) مآلات الضربة العسكرية
الظروف المحيطة والقراءات الميدانية كلها تدفع باتجاه ضربة عسكرية قريبة للنظام السوري ، لكن على أي شاطئ سوف ترسو أمواج تلك العاصفة الخريفية .
الفرضية الأولى :- أن تقوم الولايات المتحدة وتحالفها العشري بضربة خاطفة وسريعة لبعض المنشات الحيوية للدولة السورية ضربة تحفظ بها ماء الوجه وتجنب نفسها الدخول في أتون واحتمالات حرب قد تكلفها الكثير وتترك الأمور على ما هي عليه منذ اندلاع الثورة.
هناك عدة مؤشرات تدعم تلك الفرضية أولها التصريحات المتكررة للساسة الأمريكان بان الحرب محدودة الحجم ومحددة المدة ، ثانيها رغبة أمريكية في إنهاك وإضعاف كبير للدولة على يد الأطراف المتصارعة يجعلها عاجزة عن تشكيل أي خطر على الدولة العبرية حتى في المستقبل البعيد.
لكن مثل هذا السيناريو سوف يخرج الأسد أقوى ويظهره كبطل قومي عربي يساري قاهرا للامبريالية في المنطقة ويزيد من نفوذ إيران وحلفائها على حساب النفوذ والمصالح الأمريكية كما من شان تلك العملية بهذه الصورة أن تتسبب بعداء لأمريكا في الشارع العربي والشارع السوري على وجه الخصوص الطامح لسقوط نظام الدكتاتور.
الفرضية الثانية :- أن تقوم الولايات المتحدة وحلفها بتوجيه ضربة قاصمة وقاسية جدا وطويلة الأمد للنظام السوري تصل إلى حد شل قدرته العسكرية وإسقاطه بشكل كلي على غرار الخيار الليبي .
ولهذه الفرضية ما يعززها إذ أن الخارجية الفرنسية أكدت على لسان وزيرها بان الضربة ستكون قاسية وستضع حدا لما قام به نظام الأسد ، إضافة إلى أن النظام السوري أصبح كرغيف الخبز المحمص يمكن تحقيق انتصار سهلا عليه مما سيعيد للقوات الأمريكية والغربية الهيبة وقوة الردع التي عرفت بها على مدار العقود الماضية .
لكن مثل هذا السيناريو يمكن أن يحدث فراغا في السلطة تستفيد منه التنظيمات الإسلامية وهذا ما لا يريد الغرب أو انه سيمهد لمرحلة انتقالية سياسية سريعة لا يريدها الغرب أيضا .
الفرضية الثالثة :- ضربة متوسطة الحجم متوسطة القوة محدودة المدة محدودة الأهداف بحيث تهدف إلى جرح الأسد جرحا كافيا لشل قدرته على استخدام السلاح الكيماوي وإضعاف النظام عسكريا مترافقا ذلك مع تسليح المعارضة العسكرية بجناحها سليم إدريس مما يعزز ويمهد إلى الذهاب لجنيف 2 لتسوية سياسية تكون قريبة من حيث النتائج- للالتفاف على نتائج الثورة – إلى النموذج اليمني .
كل المؤشرات والتصريحات السياسية والتحركات العسكرية والوقائع على الأرض تدعم هذا السيناريو وتعزز هذه الفرضية وتجعلها أكثر السيناريوهات قبولا لدى الغرب وذلك للأسباب التالية :-
1- تجنب حدوث فراغ في السلطة بما يمهد لفشل الدولة وما يترتب على ذلك من قلق امني يهدد المصالح الغربية في المنطقة واحتمالية قيام حرب أهلية وتطهير طائفي تشعل المنطقة برمتها على ضوء الاحتقان الطائفي القائم منذ سقوط بغداد عام 2003
2- قطع الطريق أمام التنظيمات الإسلامية المسلحة من الاستفادة من أي فراغ أو انفلات محتمل في السلطة .
3- تجنب الدخول مع إيران وحزب لله حاليا بمعركة كسر عظم ، حلفاء يعتبرون بقاء الأسد بقاء وجودي لهم ولنفوذهم في المنطقة.
4- تجنيب حلفاء أمريكا والغرب في المنطقة أي ردة فعل انتقامية لنظام الأسد المتشبث بالبقاء .
5- حفظ ماء الوجه الروسي الحليف الاستراتيجي للنظام الاسدي وإعطاءه دورا في ترتيب الوضع السوري في جنيف 2 بعد إضعاف الأسد وإرغامه على الذهاب إلى حل سياسي للازمة في بلاده .
6- الترتيب لعملية سياسية تمنح بموجبها الأحزاب والقوى العلمانية الوقت الكافي لتنظيم صفوفها والتحضير للدخول لعملية سياسية بعد فترة انتقالية طويلة الأمد قد تمتد إلى 3 سنوات حتى لا يتكرر النموذج التونسي والمصري في وضعه قبل الانقلاب العسكري.
أيا كانت الدوافع و مآلات التدخل العسكري الذي يخطط له الغرب فان المواطن السوري أنظاره معلقة في تدخل عاجل يوقف شلال الدم النازف ويعيده إلى وطنه المدمر ليبنيه ، تدخل يمهد لمرحلة جديدة من عمر الوطن طال انتظارها.
محمد العودات