"خريطة الأخطار حول إسرائيل تتغيّر بوتيرة متسارعة، ما يضع تحديّات جديّة أمام جهاز الأمن. وربما تكون السنة العبرية المنتهية ناجحة للأمن الإسرائيلي وشعور الأمن للسكان ولكن هذا لا يعني أن نجلس بهدوء".
هكذا تستهل صحيفة "معاريف" تقريرها الذي تناول "خريطة الأخطار التي تهدد أمن إسرائيل"، حيث ترى الصحيفة الإسرائيلية في سياق الجرد الأمني التقليدي، أنّ الجيش المصري لا يزال الوحيد القادر على مواجهة إسرائيل ميدانيا، بينما تظل إيران وسوريا وحزب الله والقاعدة مصادر قلق تهدد الأمن الإسرائيلي.
وتردف الصحيفة قائلة، قبل استعراض المخاطر، أنّ "احتمال اندلاع حرب بين جيوش نظامية مجاورة انخفضت خلال السنوات الأخيرة بشكل حاد، ولكن مقابل ذلك "ارتفعت وترعرعت بصورة كبيرة عدد المنظمات الإرهابية في الدول المجاورة، بموازاة تحسن قدراتها على التسلّح بشكل كبير".
وعلى ضوء هذه التغييرات فإن هناك حاجة لتأقلم الجهاز الأمني في إسرائيل وعلى عدة أصعدة، لكن أبرزها على الصعيد الاستخباراتي والتكنولوجي، ولكن أيضا على صعيد بناء القوة العسكرية وتدريبها لمواجهة التهديدات.
سوريا:
تحولت الدولة التي كانت حتى قبل سنين أكبر تهديد على إسرائيل، إلى دولة ممزقة وتنزف دماء. بشار الأسد يقاتل منذ عامين أبناء شعبه، وقوات أخرى "تم احضارها" من الخارج للانضمام إلى المتمردين.
وقد انتشرت على حدود سوريا-إسرائيل قوات "جبهة النصرة" – تنظيم سني متشدد رفع على رايته الجهاد العالمي، ومحسوب على القاعدة، ويحصل على أسلحة متطورة بفضل السعودية. صحيح أن التنظيم مصمم على إسقاط نظام الأسد، إلا أن ناشطي الجهاد، كما هو معلوم، لا يحبون البقاء مكتوفي الأيدي.
وقد أصبح واضحا لوكالات الاستخبارات الغربية أنه سواء انتصر الأسد أم لا فإن هذه التنظيمات تشكل تهديدا جادا على أمن إسرائيل.
سوريا ليست الوحيدة من هذه الناحية، فالشرق الأوسط مصبوغ اليوم بنقاط تتواجد فيها مثل هذه التنظيمات: مصر، سوريا، لبنان، اليمن، غزة، والعراق هي المراكز الأساسية لتواجد هذه التنظيمات. كما أن الجهاد العالمي يقوى باستمرار، في حين إسرائيل متواحدة في ساحته الخلفية وعلى أرض يعتبرها إسلامية.
في الأسبوع الماضي ارتفعت وتيرة التوتر مع سوريا، على خلفية الهجمة المتوقعة ردا على استعمال السلاح الكيماوي ضصد المتمردين، ووفقا لتقديرات استخبارية فأن احتمالات شن هجوم كيماوي على إسرائيل في حال تلقت سوريا ضربة عسكرية، هي ضئيلة جدا، مع أنه لا يمكن أن تكون غير قائمة.
لبنان:
العدو المعروف لنا في لبنان هو حزب الله، وهو يواجه اليوم، وللمرة الأولى منذ تأسيسه "نزيفا داخليا". فمشاركة الحزب في الحرب السورية عرضته لانتقادات شديدة، وتحققت تهديدات أركان الحكم في بيروت أنّ العنف في سوريا سيمتد إلى لبنان.
لقد تلقت منظمة حسن نصرالله "الضربات" الأكثر إيلاما من الحرب في سوريا. وبالإضافة إلى من فقدهم الحزب في ميادين القتال في سوريا – سواء على صعيد القادة الكبار أم على صعيد المحاربين والصعيد المعنوي والنفسي – فقد تلقى الحزب ضربة في جبهته الداخلية. إذ نفذت في الأشهر الأخيرة، ثلاث عمليات كبيرة في الضاحية – معقل حزب الله – وأصيب المئات في الحي المحسوب على حزب الله وساهم ذلك في رسم الصورة التي خشيها نصر الله، بأن تنظيمه غير محصن.
"وبالرغم من أن نصر الله وأركان الحكم في لبنان يتهمون مباشرة إسرائيل بالمسؤولية عن خلق حالة من عدم التوازن في لبنان، فإن المنظمات المتطرفة المتصلة بتنظيم القاعدة أخذت على عاتقها مسؤولية هذه العمليات في بيروت، في خلال تطوير الحرب بين السنة والشيعة"، حسب الصحيفة التي تضيف: "وإذا كان حزب الله يخوض الآن معاركه الداخلية، إلا أن تزايد عدد التنظيمات الإرهابية في لبنان وسهولة الوصول إلى السلاح والوسائل القتالية مثل الصواريخ بعيدة المدى، من شأنها أن تنفجر في إسرائيل في نهاية المطاف. ناهيك عن أن مشاركة عناصر الحزب في القتال في سوريا يمنحهم تجربة عسكرية غنية ومختلفة.
مصر:
شكل الجيش المصري، دائما، تهديدا حقيقيا لإسرائيل. وبعد اتفاقيات السلام مع مصر ترك الجيش المصري عقيدة القتال السوفييتية وتبنى طريقة القتال الغربي المتطور، بفضل المساعدات الأمريكية بالأساس. وبحسب التقديرات فإن الجيش المصري هو الوحيد، في المنطقة، القادر على مواجهة الجيش الإسرائيلي في ميادين القتال.
وعلى الرغم من الهزات السياسية التي تعصف بمصر في العامين الأخيرين، فقد حرصت الجهات الأمنية في إسرائيل ومصر على التوضيح بأن العلاقات بين الجيشين جيدة، وأن الدولتين تعملان من خلال مصالح متشابهة في محاربة منظمات الإرهاب.
بدأ الجيش المصري بعد سقوط نظام الإخوان، عمليات عنيفة للغاية للقضاء على الإرهاب، لكن وفي المقابل فإن المجزرة التي ارتكبها ضد أنصار الإخوان المسلمين، على حد تعبيرهم، دفع الولايات المتحدة إلى تجميد غالبية المساعدات العسكرية لمصر، وتقرر أيضا تجميد صفقة تزويد الجيش المصري بمقاتلات جوية متطورة للغاية.
شجع هذا القرار الأمريكي وعزز قوة الأصوات المنادية بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، بل إنه دفع بقادة حركة "تمرد" – التي قادت الثورة الأخيرة – إلى أن تدعم هي الأخرى هذا المطلب.
إذا تم إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل نتيجة الضغوطات الداخلية، يصبح التخوف من توجيه بنادق الجيش المصري إلى إسرائيل حقيقيا. هذا سيناريو محتمل وإن كان غير معقول.
سيناء:
اعتبرت شبه جزيرة سيناء حتى إبان حكم الرئيس حسني مبارك وكرا للإرهاب العالمي. فالمنظمات الجهادية التي تحسب بعضها على القادة، تمركزت في سيناء، عبر استغلالها لغياب السيطرة الأمنية، لتعزيز قوتها.
فتحت الثورات العربية، وسقوط معمر القذافي في ليبيا تحديدا، سوقا سوداء وغنية بالأسلحة والوسائل القتالية المتطورة التي تدفقت من ليبيا عبر السودان ومصر إلى سيناء وقطاع غزة. وتقود التنظيمات الجهادية في العام الأخير، حربا متواصلة ضد الجيش المصري، مما يكسبها المزيد من الخبرة والمهارات في زرع العبوات الناسفة، استعمال السلاح على اختلافه، وكذلك إطلاق صواريخ الغراد.
مقابل ذلك، استغل كبار الناشطين في حماس، الذين سبق وأن تدربوا في إيران، صناعة الأنفاق لنقل الأسلحة والخبرة العسكرية إلى سيناء. ويشكل إطلاق الصواريخ باتجاه إيلات مثالا على المعرفة وعلى المقدرة الميدانية للجهاد العالمي.
إيران
تم هذا العام تغيير القيادة الإيرانية، وأفسح محمود أحمدي نجاد مكانه لصالح منافسه المنتصر في الانتخابات الرئاسية حسن روحاني. وقد أعربت جهات عالمية مختلفة عن ارتياحها لانتخاب المرشح المعتدل، أملا في أن تغيّر طهران توجهها العسكري الذي سارت عليه في السنوات الأخيرة.
وقد يكون لا يزال مبكرا الجزم، لكن يبدو أنّ العالم يسير على طبيعته. الدولة تحت قيادة علي خمينائي الروحية، تواصل دعم "محور الشر"، وهذا يشمل بطبيعة الحال حليفها الجاثم على حدودها الشرقية، سوريا، التي سبق الإشارة إليها هنا.
ولا يمكننا بطبيعة الحال تجاهل المشروع النووي الإيراني الذي يتكامل مع مرور الوقت. لقد شجع تأجيل الضربة العسكرية الأمريكية في سوريا، إيران وساهم في الشعور العام بأن الأمريكيين وبقية العالم قطعا، لن يسارعوا في التدخل عسكريا، وإيران ستسير نحو بناء القنبلة – وليست تلك التي رسمها (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو في الأمم المتحدة.
أو أن الأمر ينتهي بصورة أخرى – ضربة عسكرية للمواقع النووية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.