ليس الحديث هنا عن احتمال وقوع الضربة الأمريكية من عدمه، إذ نعتقد بوجود ضربة بدأت تلوح ملامحها في الأفق. إنما يؤسفنا أن تأتي هذه الضربة عن طريق تحالف دولي وليس عن طريق "المجتمع الدولي" الذي طالبَنا على الدوام بحقوقه ثم أهمل واجباته تجاهنا، وترك شعبنا يذبح على مدار سنتين ونصف تقريباً.
إن قيادة أمريكا بالذات لهذه الضربة، مع ترحيبنا بها، يطرح وحده عدة تساؤلات هامّة. إشارات الاستفهام تغرق مواقع التواصل الاجتماعي، وهي برأينا تساؤلات مشروعة وحيوية.
من غير المفيد أن نطيل الحديث عن وحشية أمريكا وإجرامها منقطع النظير، ودفاعها المستميت عن الكيان الصهيوني ومدّه بكل ما يقتل العرب والمسلمين. وحمايتها للديكتاتوريات في العالم كله. إذ بالكاد نستطيع أن نجد جريمة ضد الشعوب أو ضد الحرية لم تدعمها الولايات المتحدة، ناهيك عن أن ملايين المسلمين قتلوا في أنحاء العالم بسلاح أمريكي أو على الأقل بمباركة أمريكية. ولمّا كانت الحال كذلك فإنه من الطبيعي أن نشكك بالخطوة القادمة.
– لماذا تصر وسائل الإعلام الأمريكية على التذكير بأن الرئيس أوباما مع الحل السياسي، وأن هدفه النهائي معاقبة الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي وليس إزاحة الدكتاتور عن حكم سورية. ما المقصود فعلياً بذكر ذلك إعلامياً، ثم التركيز عليه مع العلم أن الولايات المتحدة كانت قادرة على ذكر الضربة العقابية دون التركيز على مسألة إسقاط الأسد من عدمه.
– ما المغزى من إخبار الأسد عن الضربة بشكل مسبق، وتسريب قائمة الأهداف وإعطائه فرصة لإعادة نشر قواته؟
– هل ستقوم القوات الأمريكية بالفعل بقصف جبهة النصرة بصواريخها كما قال ماك ديفيد مساعد وزير الخارجية الأسبق؟ إن ما يثير هذا التساؤل، هو قيام وسائل الإعلام الأمريكية بشيطنة الجبهة حتى مرّ ذلك على كثير من السوريين، وقد التقيت بعدد منهم يقول إن الجبهة تقتل الناس الذين لا يحسنون الصلاة، وإنها تتآمر مع الأسد ضد الشعب السوري. وقد تجاهل هؤلاء أن الجبهة هي التي قاتلت الأسد ونفذت حتى اليوم مئات العمليات الناجحة ضد قواته. ولكن الإعلام الغربي بشكل عام استطاع القيام بعمليات تضليلية طالت حتى بعض أعضاء الائتلاف. وقد سألنا بعضهم فيما إذا كانوا قد اتصلوا بقيادات الجبهة وطلبوا توضيحات محددة، لكن أحداً منهم لم يجب بنعم.
– بلا شك فإن القيادة العسكرية الأمريكية تعلم أن الأسد قد أعاد انتشار قواته، وأنه ملأ المدارس والجامعات بشبيحته، بينما وضع المعتقلين والمعارضين في أماكن تواجده القديمة، فهل ستراعي صواريخ كروز ذلك وتحدد أهدافها بدقة بحيث تجنب السوريين مزيداً من الدماء، أم أن النيران الصديقة ستحصد أرواح الآلاف من السوريين كما فعلت من قبل في ليبيا.
– هل ستقوم القوات الأمريكية بدعم الأسد معنوياً كما يتخوف كثير، من خلال ضربة محدودة تدمر فيها بعض المواقع، ثم يظهر الأسد على الرأي العام العالمي كزعيم قهر القوات الغازية، ثم يُعمل إجرامه من جديد في الشعب السوري.
– هل صحيح أن البيت الأبيض قرر الحفاظ على بشار الأسد أو على نظامه كمحاور رئيس في مؤتمر جنيف 2.
– ماذا يعني أن تسكت أمريكا على جرائم الأسد خلال عامين ونصف وتسمح له بقتل 150 ألف شهيد وتغضب من أجل استخدام السلاح الكيماوي، فهل يجوز قتل الشعوب بالأسلحة التقليدية، وهل يمكن أن يصدق الشعب السوري أن الولايات المتحدة قلقة على مصير السوريين وهي التي دعمت الأسد بملايين الدولارات للوقوف في وجه المدّ الإسلامي.
– – ما معنى أن يلمح الرئيس الأمريكي إلى خطر السلاح الكيماوي على "الكيان الصهيوني" في الوقت الذي يحاول تصوير الضربة القادمة وكأنها مساعدة للشعب السوري؟
وأيّاً يكن من أمر، فإننا مقتنعون أن أي ضربة للأسد إذا أُحسن استغلالها من قبل الجيش الحر ستؤدي إلى إسقاطه فوراً، فهو جيش لا عقيدة له ولا وازع عنده ولا ينتمي إلى سورية أصلاً. قد يكون صحيحاً أن أمريكا تريد أن تحافظ على الأسد وترفع معنويات جيشه وتفرض طائفته على السوريين، ولكن الصحيح أيضاً أن الشعب السوري بدأ ثورته ولم يكن ليأمل بأمريكا أو غيرها، وقد استمر في هذه الثورة حتى اليوم، وشعب كهذا قادر بحول الله أن يصنع النصر في كل حال.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا