قامت القوات الأمنية عصر اليوم بأغلاق عدد من جسور العاصمة بغداد التي تربط جانبي الكرخ والرصافة بالحواجز الكونكريتية قبل ساعات على انطلاق التظاهرات. وقال مصدر عراقي ان القيادات الأمنية المسؤولة عن بغداد أوعزت إلى القوات الأمنية بإغلاق عدد من جسور العاصمة بغداد حيث تم فعلا اغلاق الجسور التي تربط جانبي بغداد الكرخ والرصافة بالحواجز الكونكريتية من بينها جسر الجمهورية المؤدي إلى المن طقة الخضراء .
ومن جهتها شددت منظمة هيومن رايتس ووتش انه على السلطات العراقية إما تقديم سبب مشروع لضرورة حظر المظاهرات المزمعة غدا أو السماح لها بالمضي قدماً مؤكدة ان عليها أن تضمن لمنظمي المظاهرات قدرة الطعن على أي حظر.
واشارت المنظمة في بيان صحافي اليوم ان مجموعتين تقومان بتنظيم مظاهرتين متزامنتين في بغداد تطالبان بإلغاء معاشات تقاعد النواب البرلمانيين قد تقدمتا إلى وزارة الداخلية لطلب تصاريح بتاريخ 21 من الشهر الحالي كما يشترط القانون العراقي. وفي اليوم التالي رفض مسؤولو وزارة الداخلية إصدار التصاريح دون إبداء أسباب. ويتوقع منظمو المظاهرتين مضيهما قدماً، لكنهم عبروا لـ هيومن رايتس ووتش عن شعورهم بالقلق من لجوء قوات الأمن العراقية إلى استخدام القوة لمنع المظاهرتين اللتين قالوا إنهما ستكونان سلميتين، وربما اعتقال وتخويف المنظمين، إذا تمت المظاهرتان المزمعتان.
وقال جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "من المفارقة أن يوحي مسؤولون بأن استخدام القوة لمنع مظاهرات سلمية من شأنه مساعدة العراق في ’مسيرته نحو الديمقراطية‘. يمكن للسلطات حظر المظاهرات إذا اعتقدت أنها ستجنح إلى العنف، لكن مبعث القلق هنا على ما يبدو هو أن تثير المظاهرات الحرج أو الإزعاج السياسي".
وقالت وزارة الداخلية العراقية إن "التحديات الأمنية الجسيمة واكتظاظ شوارع وساحات العاصمة … كلها مقتضيات تدعو الى تأجيل التظاهرة" المقررة يوم 31 أغسطس/آب. واستشهدت البيان بـ"المخاطر التي قد تترتب عليه حيث يسعى الإرهاب المتمثل بتنظيمات القاعدة والبعث الصدامي إلى استثمار كل شيء لصالحه من أجل زيادة الانقسامات السياسية وإضعاف سلطة الدولة، وحيث تسعى الأجندات الاقليمية الى توظيف التناقضات الحاصلة في المشهد العراقي لصالحها من أجل إضعاف العراق وإشغاله بمشاكله"، وأكد عزم الوزارة على "التصدي لكل الظواهر السلبية التي تعترض مسيرته (أي العراق) الديمقراطية"، وأكد أن قوات الأمن "ستتصدى بحزم للعابثين بأمن الوطن والمواطن".
وأكد ماينا كياي، أول مقرر خاص للأمم المتحدة معني بالحق في حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات، في تقريره في أيار (مايو) عام 2012، أنه لا يجوز للدول تقييد الحق في التجمع السلمي إلا حيثما كانت هناك "ضرورة اجتماعية ملحة". شدد التقرير على أن الدول لا تحتاج إلى حظر التجمعات السلمية لكي تكافح الإرهاب بفعالية، وقال إن "التدفق الحر لحركة السير لا يجوز أن يتمتع بأسبقية تلقائية على حرية التجمع السلمي". يلقي كياي على السلطات بمسؤولية تزويد منظمي التجمعات بـ"أسباب متكاملة ومقدمة في حينها" لأي حظر، وكذلك بإمكانية الطعن السريع عليه.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع ثلاثة من المنظمين المظاهرتين واطلعت على طلب التصريح الذي قدموه إلى شرطة بغداد فقالوا جميعاً إن المسؤولين في وحدة الشرطة المسؤولة عن الانتشار بوسط بغداد أخبروهم في 22 من الشهر برفض طلب التصريح المقدم منهم، إلا أنهم رفضوا إبداء أسباب أو تقديم نسخة من أمر الرفض.
وقال أحد منظمي مظاهرة ساحة التحرير لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي الوزارة طلبوا منه تأكيد عنوان سكنه بعد تقديم الطلب، وهو ما فسره على أنه محاولة لتخويفه. وقال اثنان من منظمي مظاهرة ساحة الفردوس لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي شرطة وسط بغداد أبلغوهما بأن "مديراً تنفيذياً" كتب كلمة "مرفوض" على طلب التصريح المقدم منهما. وقال شخص ثالث من المنظمين إن مسؤولي وحدة الشرطة نفسها أبلغوه بأن عدنان الأسدي، نائب وزير الداخلية، اعترض شخصياً على الطلب.
واشار حميد جحجيح، وهو عضو باللجنة التنظيمية لحملة إلغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين الى ان منظمي المظاهرة يتوقعون تجمع عدد قد يصل إلى 10 آلاف شخص يوم السبت رغم رفض وزارة الداخلية إصدار التصاريح. قال جحجيح "إننا نملك الحق في التظاهر بحكم الدستور"، لكنه أبدى مخاوفاً من أن قوات الأمن "قد تجنح إلى العنف معنا" وتعتقل المنظمين وغيرهم.
وشددت هيومان رائتس ووتش انه على السلطات العراقية تغيير القوانين الحاكمة للتظاهر في بغداد وغيرها بحيث تكون المظاهرات مباحة من حيث المبدأ، وبحيث لا يحتاج المنظمون إلا إلى إخطار السلطات بالمظاهرات المزمعة، وليس طلب تصريح. وينبغي أن يقع العبء على السلطات في تبرير حظر أية مظاهرة، مع تمتع المنظمين بالحق الكامل في الطعن.
وقالت المنظمة انه يبدو رفض التصاريح وكأنه جزء من حملة مستمرة تشنها وزارة الداخلية لتقويض الحق في حرية التجمع وخنق المظاهرات المناهضة للحكومة حيث قام في 19 من الشهر الماضي ضباط من وحدة المخابرات التابعة للشرطة الاتحادية باعتقال الصحفي جعفر عبد الأمير محمد لقيامه "بالتظاهر دون تصريح رسمي" حين وقف مع ثلاثة رجال آخرين وقفة سلمية في ساحة التحرير، رافعين لافتات تنتقد الحكومة. وفي الثاني من الشهر الحالي قامت قوات الأمن باحتجاز13 شخصاً حاولوا التجمع سلمياً للفت الانتباه إلى تدهور الأوضاع الأمنية والفساد الرسمي. اتهمت الشرطة 10 منهم بـ"عصيان أوامر شرطية"، وهي مخالفة جنائية، لإخفاقهم في الحصول على تصريح مسبق، وقام ضباط عسكريون باحتجاز الثلاثة الآخرين لما يقرب من 36 ساعة قبل الإفراج عنهم دون توجيه اتهام.
ويلتزم العراق، كدولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بحماية وتعزيز الحقوق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي. وبحسب العهد، لا يجوز للسلطات تقييد الحق في التجمع إلا في ظروف استثنائية وضيقة التحديد. لا يجوز فرض القيود إلا طبقاً للقانون وحين تكون "ضرورية في مجتمع ديمقراطي" لصيانة "الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام، أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".
لكن قيام العراق بمنح المسؤولين الحكوميين سلطة فضفاضة في الموافقة يخرق المعايير الضيقة التي ينص عليها القانون الدولي للانتقاص من الحق في التجمع. كما أنه ينتهك المادة 38 من دستور العراق، التي تكفل الحق في "حرية التجمع والتظاهر السلميين".
وقال جو ستورك: "تبدو السلطات وكأنها أكثر انشغالاً بمنع العراقيين من التعبير السلمي عن آرائهم منها بحمايتهم من الاعتداءات التي قتلت وجرحت الكثيرين هذا العام. وعلى مسؤولي وقوات الأمن أن تحمي المتظاهرين السلميين وأن توفر لهم مساحة آمنة للاحتجاج، لا أن تخيف الناس لدفعهم إلى التزام الصمت".