بعد الانقلاب الذي صاحب الانتفاضة وأطاح بمحمد مرسي في 3 تموز/يوليو، سألتُ مسؤولاً في الجيش المصري عن سبب إطاحة الجنرالات بمرسي بعد أربعة أيام فقط من الاحتجاجات بينما انتظروا 18 يوماً لعزل الرئيس حسني مبارك في عام 2011، فرد قائلاً "كانت القيادة العسكرية السابقة تقوم على رد الفعل"، مشيراً إلى المجلس العسكري اذي حكم مصر لمدة 16 شهراً عقب الإطاحة بمبارك، "ولكن القيادة الحالية تريد أن تكون فعالة ومفعمة بالحيوية"، كما أضاف.
وهذا التناقض يعكس إلى حد ما الفارق العمري بين الجنرالات الذين أطاحوا بمبارك والذين تراوحت أعمارهم بين 70 و80 عاماً – كان مرسي قد طرد العديد منهم لاحقاً – وبين القيادة الأصغر سناً التي تحكم مصر فعلياً في الوقت الحالي. لكن ذلك يعكس أيضاً عزم النظام الحالي على عدم تكرار ما يراه كأخطاء سابقه. فبينما عصفت الاتجاهات السياسية التي أعقبت الثورة بالمجلس العسكري السابق، إلا أن القيادة العسكرية الحالية تنوي وضع الأجندة السياسية. لقد استجاب الجنرالات السابقين إلى الاحتجاجات الجماهيرية، وتعاملوا مع جماعة «الإخوان المسلمين» وشاهدوها وهي تفوز بالانتخابات. لكن الجنرالات الحاليين دعوا إلى احتجاجات مناهضة لـ «الجماعة» "الإرهابية"، وبعد مقاومة الضغط الدولي للتفاوض، قاموا بمهاجمتها وهزيمتها.
وفي الواقع أنه لو كان الحضور المنخفض بشكل ملحوظ في احتجاجات «الإخوان المسلمين» في الثامن عشر من آب/أغسطس يوفر أي مؤشرات، فإن أهم ما يبرزه أنه يظهر نجاح الجنرالات في تثبيط معنويات «الإخوان» وهزيمتهم. وبالطبع، ففي ضوء ما تعرض له المئات من أنصار مرسي من قتل فضلاً عن الاستياء المتعمق بين حشود الإسلاميين في مصر، فإن انتصار الجيش ربما يكون مكلفاً للغاية. لكن في ظل الدعم الشعبي للجنرالات فإنهم قد قمعوا «الجماعة» – على الأقل في الوقت الراهن بسبب قرارين رئيسيين: أنهم هاجموا أولاً – يجب أن نتذكر أن هؤلاء الجنرالات "يتسمون بالمبادرة" – و [من ثم] ركزوا على استراتيجية قطع الرؤوس حيث تم استهداف قادة «الإخوان» بواسطة الاعتقالات.
لقد أظهر الجنرالات حتى الآن أنهم يفهمون نقاط ضعف «الإخوان»، حيث لا تستطيع «الجماعة» أن تتصرف بفاعلية بمجرد اعتقال قادتها. وفي النهاية، يقوم تنظيم «الإخوان» في الأساس على طليعة ذات ترتيب هرمي، حيث تنتظم فيالق الكوادر التي تلقنت تعليمات «الجماعة» بشكل كامل تحت تسلسل قيادي هرمي عبر أنحاء البلاد. وعلى وجه التحديد، يتم التصويت على القرارات من خلال "مجلس شورى" «الإخوان» المكون من 120 عضواً ويتم تنفيذها من خلال "مكتب الإرشاد" الذي يضم 18 عضواً، والذي يمرر توجيهاته إلى نوابه في كل قطاع، وهؤلاء يتصلون بنوابهم في كل محافظة، والذين بدورهم يتصلون بنوابهم في كل منطقة، وهؤلاء كذلك يتصلون بنوابهم في كل شعبة، والذين ينقلون الأمر في النهاية إلى رؤساء كل أسرة، وهي عبارة عن خلية مكونة بشكل أساسي من خمسة إلى ثمانية أعضاء.
وهذه العملية الهيكلية التي تتخذ من خلالها «الجماعة» قراراتها، بعيدة عن أن تكون عملاً ديمقراطياً غامضاً وغير ذي أهمية، بل هي جزء لا يتجزأ مما يعني كون المرء عضواً في «الإخوان المسلمين». ويؤدي جميع أعضاء «الإخوان» يمين البيعة المتمثل بقرارات "الإنصات والطاعة" التي يتوصل إليها "مجلس شورى" «الجماعة» ويؤمنون بقوة بأن أي قرار يتم اتخاذه من خلال عمليات مقننة داخل التنظيم سوف تعزز أجندته الإسلامية على المدى الطويل. ولهذا السبب يتبع أعضاء «الإخوان» تلك الأوامر التي ربما يختلفون معها من الناحية الفردية. على سبيل المثال، على الرغم من أن العديد من أعضاء «الجماعة» عارضوا قرار التنظيم بالدفع بمرشح رئاسي، إلا أنهم اتبعوا قرار قيادة «الإخوان» بالعمل لصالح حملة مرسي في الانتخابات الرئاسية عام 2012.
ومن ثم فإن تعطيل التسلسل الهرمي للقيادة يمثل أهمية حيوية لتدمير التنظيم، ولهذا اتبع الجيش استراتيجية قطع الرؤوس منذ لحظة الإطاحة بمرسي، عندما اعتقلت قوات الأمن كبار قادة «الإخوان» وأصدرت مذكرات اعتقال بحق مئات آخرين. والهدف الواضح من ذلك هو القبض على قادة "مكتب الإرشاد" و "مجلس الشورى". لكن هذه الاستراتيجية لم تنجح على الفور. فقد وجد العديد من هؤلاء القادة ملاذاً آمناً في اعتصام «الجماعة» في رابعة العدوية في شمال القاهرة، حيث أفادت التقارير أن رجالاً مسلحين وفروا الحماية لهم وسمحوا لهم بمواصلة اتخاذ القرارات للتنظيم. وفي غضون ذلك، فوضت «الجماعة» قادتها في المحافظات باتخاذ قرارات تتجاوز دائرة القاهرة، وبذلك يتم عزل التنظيم في حال إلقاء القبض على كبار زعمائه.
بيد أن القمع الوحشي والمميت الذي حدث في الرابع عشر من آب/أغسطس، عندما قتل المئات من أنصار مرسي، دفع كبار القادة إلى الاختباء في أماكن أقل أمناً، وجرى اعتقال العديدين منذ ذلك الحين. وفي الثامن عشر من آب/أغسطس، بدأت الحكومة المدعومة من قبل الجيش في استهداف قادة «الإخوان» في المحافظات، حيث داهمت منازل 34 من قادة «الجماعة» في الإسكندرية وأربعة في سوهاج وثمانية في الغربية. ويرجح أن تمتد هذه الحملة إلى جميع المحافظات، مرغمة هؤلاء القادة على الاختفاء مما سيترتب عليه المزيد من التعطيل لتنظيم «الإخوان». وحتى إذا كانت صلاحيات اتخاذ القرارات تُنقل حالياً إلى القادة في كل "منطقة" فرعية الأمر الذي يحفظ القدرات التنظيمية المحلية لـ «الجماعة»، إلا أنها أصبحت الآن كياناً أضعف بشكل جوهري. إن قادة "المناطق" التابعين لـ «الإخوان» هم أقل خبرة بكثير في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وسوف يصعب عليهم جداً صياغة استراتيجية متسقة على صعيد البلاد في ضوء توزيعهم الواسع في جميع أنحاء مصر.
ومع ذلك، فإن استراتيجية قطع الرؤوس التي يتبعها الجيش مع «الإخوان» تعد سيفاً ذو حدين. فمن خلال استبعاد قيادات التنظيم، جعل الجيش من المستحيل أن تعمد «الجماعة» إلى إحداث تغيير في استراتيجيتها. ومن ثم فإنه ليس أمام الجيش أية طريقة لإجبار «الإخوان» على التخلي عن احتجاجاتهم التي تؤدي إلى تعطيل الحركة، والدخول من جديد بدلاً من ذلك في العملية السياسية – وفقاً للهدف المعلن من قبل الجيش – لأن جميع كبار القادة وقادة المحافظات الذين يستطيعون أن يأمروا كوادرهم بتغيير مسارهم يجري إقصاؤهم عن المشهد.
والأسوأ من ذلك أنه من خلال تفكيك الجماعة الإسلامية الأكثر تماسكاً في مصر، حوّل الجنرالات مئات الآلاف من أعضاء «الإخوان المسلمين» أصحاب الأيديولوجيات المتشددة إلى متطرفين أحرار ربما لا يصغون بعد ذلك إلى زعمائهم الذين يتسمون عادة بالحذر. فالعديد من شباب «الإخوان»، على وجه الخصوص، يميلون إلى النهج السلفي، كما أن تنشئتهم في جماعة «الإخوان» – التي يخلص شعارها بالعبارة "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" – جعلتهم على استعداد للموت من أجل الإسلام، وربما على استعداد للقتال من أجله كذلك.
وبعبارة أخرى، على الرغم من أن الجيش قد فاز على ما يبدو في معركته مع «الإخوان»، إلا أن مكافأته قد تكون تمرداً إسلامياً غير منضبط.
إريك تراجر هو زميل واغنر في معهد واشنطن.