عندما سمعنا بموافقة الولايات المتحدة على إرسال لجنة تحقيق أممية للتحقيق في مسألة استخدام الناس السلام الكيماوي أدركنا تماماً أن المقصود تشجيع الأسد على قصف الناس فعلاً بهذا السلاح.
تذكرون أن أوباما كان قد وافق على قتل الشعب السوري بمختلف صنوف الأسلحة الروسية والإيرانية، وكذلك بصواريخ ميلان الفرنسية، والمدرعات القادمة من بعض دول الخليج العربي، لكنه توقف عند السلاح الكيماوي وطلب من الأسد عدم استخدامها فهي خط أحمر. إلا أن الأسد رأى من أسياده في واشنطن رغبة مستترة في قتل السنة، ليس في سورية فحسب بل في أي نقطة من الأرض ، ولهذا تجاوز الخطوط الحمر مرات ومرات، فقصف خان العسل وأجزاء من حلب وحمص بسلاح السارين، وقد تحدثت الصحف البريطانية صراحة عن وصول بعض العينات إلى معامل لندن وتم التأكد من أن النظام استخدم فعلياً السلاح الكيماوي لقتل الشعب السوري. ولكن المجمتع الدولي استمر في غض النظر عن هذه الجرائم.
أدرك الأسد أن "العالم المتحضر" يرغب فعلياً بالتخلص من المسلمين من خلال ملاحظته صمت العالم عن مجازر بورما وعما يتعرض له المسلمون السنة في إيران من اضطهاد منقطع النظير، وعما يتعرض له مسلمو فلسطين، ولكنه لاحظ خاصة اهتمام العالم بالقضاء على المسلمين في مصر، فقد قام وزبر الدفاع بالانقلاب على رئيسه وتبرئة حسني مبارك وإخراجه من السجن، وفي الوقت نفسه تم الهجوم على المسلمين وليس على الإخوان،وبدأ التقتيل فيهم حتى ارتقى 2600 شهيد في عدة ساعات ناهيك عن مقتل العشرات كل يوم. وقد أبلغنا بعض الصحفيين هناك أن السيسي يعتقل كل ملتحٍ، ويمنع الناس من تشغيل القرآن في السيارات الخاصة ويغلق المساجد وكل ذلك في ظل صمت دولي مطبق.
من الطبيعي أن يلاحظ الأسد هذه الجرائم ويفهمها جيداً ، إذ لا مشكلة لدى المجتمع الدولي إلا المسلمين السنة حصراً. وقد فهم الأسد الرسالة جيداً، وأدرك أن وجود لجنة تحقيق أممية أمريكية حول السلاح الكيماوي تعني السماح بإطلاقه، ألم يقتل أطفال درعا وهو يحملون الأعلام أمام سيارات لجنة المراقبة العربية؟.
أطلق الاسد إذاً هذا الصباح السلاح الكيماوي على ريف دمشق بكثافة فقتل 1200 بريء منهم عشرات الأطفال والنساء، وهذا الرقم هو الأقرب إلى الدقة وقد حصلنا عليه من نشطاء الداخل مع ملاحظة أننا لم نتمكن من الحديث إلى أحد من معظمية الشام حتى اللحظة.
يحزنني أن عدداً من السوريين على قلتهم لا يزال مضلَّلَاً إعلامياً ويعتقد أن عدوه جبهة النصرة لا بشار الأسد، ويتهم الجبهة بأعمال ذبح وتقتيل ويدعي أنه مثقف في الوقت ذاته، وهو لم يكلف نفسه بالاتصال بقياداتهم والتأكد مما يسمع عنهم.
اليوم حدثت المجزرة وبعد قليل ستبدأ الإدانات الدولية لبشار الأسد والتي تحمل في طياتها رغبة أمريكية –صهيونية في زيادة التقتيل بين المسلمين، اليوم ستتغير صور "البروفايل" في الفيس بوك وتكون لأطفال دمشق البرءاء الذين لم يستيقظوا وحرقت أجسادهم الغضة. غداً يبدأ الصمت يتسرب إلى أصحاب الصوت العالي وإلى العلمانيين والليبراليين. بعد غداً ستشن أقلامنا حملات مسعورة ضد جبهة النصرة والكتائب التي تريد إسقاط الأسد. وفي اليوم الثالث ستقوم قوات بشار بإطلاق السلاح الكيماوي على مدينة أخرى وتتجدد المأساة وتدور القصة نفسها من جديد.
النصرة لم تقصف الناس بالسلاح المحرم، ولم تدمر المستشفيات، النصرة لم تهدم آلاف المساجد في سورية، وهي لم تدمر ملايين البيوت، ولم تقتل مائة ألف من السوريين، ولم تهجر عشرة ملايين مدني. النصرة كانت هنا، عندما هرب العلمانيون والليبراليون وطالبوا من مخابئهم بالحوار مع النظام.
يجب أن يكون معلوماً أنه لا عدو للسوريين إلا بشار الأسد، وإن صديق الشعب السوري هو من يقاتل بشار الأسد لا غيره. ويجب أن يعلم الذي يتحدث عن إجرام غير إجرام الأسد بأنه على الأقل مضلل إعلامياً. يؤسفنا أن تقوم الأقلام العلمانية الحاقدة بتتبع عثرات المجاهدين وتكبير أخطائهم والمشاركة في الافتراء عليهم دون بينة، وصرف جهدها بالحديث عن "رأس أبي العلاء"، بينما تصمت على جرائم الأسد وتحاول منع الثوار من الوصول إلى جبهة الساحل.
هل لدى ائتلاف المعارضة اليوم وسليم إدريس وأحمد الجربا أي تعليل لمنع السلاح عن ثوار الساحل وتثبيط همم المجاهدين هناك إلا أن يكون الائتلاف نفسه متواطئاً ضد الثورة. ولعل هذا صحيح ولعل قابل الأيام يكشف كل مستور.
د عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام- فرنسا