عندما اندلعت الثورة السورية في الثامن عشر من آذار عام 2011 هتف المتظاهرون لسلمية الثورة وأصروا عليها، وقاموا بتوزيع الورود على قوات الجيش التي ردت عليهم بإطلاق النار، والسحق بالدبابات. حمزة الخطيب الذي لم يتجاوز الثلاثة عشر ربيعاً، أُطلق على جسده الغض أكثر من عشرين رصاصة، ومثلوا بجثته الصغيرة البريئة.غياث مطر من داريا كان يحمل باقة ياسمين بيضاء ينثرها على الجيش، فأخذوه، واعتقلوه ومثلوا بجثته وأخذوا بعض أعضائها وقالوا لأمه افعلي بما تبقى منه " شاورما".
كان المصريون وقت ذاك قد اخترعوا شعاراً " الجيش والشعب إيد وحدة" ولما وصل أهل القرى الشرقية في درعا إلى قرية صيدا، رحّب بهم الجيش وهتف بالشعار نفسه، فاطمئن الذين يحملون الخبز والحليب إلى أبناء عمومتهم العسكريين، وما إن أصبح السلميون في مرمى نيران جيش بشار حتى تم إطلاق النار في كل اتجاه فاستشهد أكثر من ستين ومائتين على الفور. عرف السوريين أن جيش الأسد عدو لدود وهو جيش محتل لا يقل عدوانية عن جيش مناحيم بيغن وغولدا مائير.
بدأت الإسطوانة المصرية المشروخة: الجيش المصري جيش وطني، ونحن نفاخر بهذا الجيش، الجيش المصري يحمي حدود الوطن ولا يتدخل بالسياسة، لا يعرف تاريخياً عن الجيش المصري تدخله بالسياسة أو انحيازه لطرف ضد آخر، وجمل كثيرة وأغان عظيمة ختمها محمد مرسي بقوله عندنا جيش من ذهب.
ربما لن يفيدنا النقاش كثيراً بعد أن رأى المصريون والعرب ماذا فعل هذا الجيش بشعبه في فض طهارة اعتصام رابعة العدوية. ولكن أحداً من المتحدثين بما فيهم الرئيس مرسي لم يوضح لنا كيف يكون الجيش المصري وطنياً، وقد سكت عن مقتل ما يزيد عن عشرة جنود مصريين في سيناء بسلاح العدو الصهيوني ابتداء من العام 2006، وكيف سكت على معاهدة السلام الساداتية مع العدو، وكيف خضع لحسني مبارك، وكيف تنازل عن أربعين ومائتين جندي قتلهم العدو الصهيوني في أم الرشراش بعد أن قيد أيديهم ودفنهم جماعياً. كيف سكت الجيش الذهبي عن تدمير غزة ، بل وساهم في حصارها، وكيف سكت الجيش الذي لا يأكل أولاده على ضياع فلسطين والعراق وعن نصرة الشعب السوري الذي يقتل أمام سمع العالم ونظره، أم أن مقاييس الوطنية تغيرت، وأصبح معناها احتساء الخمور مع جنود العدو وتبادل الخبرات التدريبية.
لا يختلف الأمر في سورية فجيش بشار وطني أيضاً بالمعنى المصري، فقد صمت عن الجولان أربعين سنة أو يزيد، وقام العدو الصهيوني بالاعتداء على الأراضي السورية عدة مرات لكنه لم يرد أبداً بل كان يحتفظ بحق الرد بانتظار يوم القيامة.
تعلم الجيش المصري من السوري أو العكس، ولربما تعلم كلاهما من المدرسة الصهيونية المدعومة أمريكيأ بأموال عربية، تعلم كيف يطلق النار على المصريين أبناء الوطن ويتفنن في تقتيلهم. فقتل على أقل تقدير 2600 شهيد في يوم واحد في رابعة العدوية.
أطلق الجيش السوري الوطني النار على العزل والنساء والصغار وكذلك فعل أخوه المصري. وفاخر قناصوا الأسد بقتل الرضع والمنقبات والنساء وكذلك فعل جيش مصر. واتفق الجيشان على القنص في الظهر غدراً. ومن غرائب الأمور أن كليهما اقتحم المساجد وأطلق النيران على المآذن.
لقد اتحدا على أساس أننا حققنا مع مصر أول وحدة عربية، فاعتادا على الاحتفاظ بالجثث وإجبار الناس على توقيع أوراق بأن ذويهم قد انتحروا انتحارا. وكما حدث في سورية، قام السيسي بحرق الجثث وتدمير المساجد. وكما حدث في مصر ادعى الأسد أن الإرهابيين هم الذين يفجرون ويقتلون.
في سورية "كانت أعلام القاعدة رمز الثورة، وكذلك في مصر رأينا أعلامها ترفرف عند مسجد رابعة". وفي سورية اكتشف الجيش أجانب ومسلحين وأسلحة فتاكة في مسجد العمري في درعا، وكذلك اكتشف الجيش المصري أن المحاصرين في مسجد رابعة يمتلكون صواريخ مضادة للدبابات. وكما استعان الأسد بشريف شحادة وطالب إبراهيم وخالد العبود، استعان السيسي بحسن نافعة وغيره كثير.
وكما أدانت أمريكا قتل الأبرياء في سورية فعلت في مصر، ودعمت في الحالتين كلتيهما الديكتاتورية البغيضة، وعندما أسمع حديث الدول الأوربية عن مصر أكاد أسمع اسم دمشق بدل القاهرة. مصر وسورية شعب واحد ودين واحد، وعدو واحد أيضاً. وبالرغم مما حدث في البلدين كليهما ومع وقوف العالم غربه وشرقه مع المجرمَين كليهما، فلا أزال متفائلاً بأن النصر والحرية سيكون من نصيب الشعبين كليهما.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا