شهادة لضمير الوطن الذى لن يغيب (1 ــ 2)
شهادتى تنقسم إلى ست مقدمات تؤسس لأربعة نتائج مترابطة.. المقدمة الأولى: قبل ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وطوال الأسابيع الماضية، عبر الكتابة الصحفية والقليل من المشاركات التليفزيونية بعد أن رتب علاج والدتى (شفاها الله) بالخارج تواجدى بعيدا عن مصر حتى يوم الخميس الماضى، سجلت رفضى الصريح لاستدعاء الجيش إلى الحياة السياسية الذى روجت له الأحزاب والتيارات صاحبة يافطات الديمقراطية والمدنية والمواطنة والليبرالية واعتبرته تخليا كارثيا عن مسار التحول الديمقراطى وتنشيطا لخلايا مرض «عسكرة السياسة» الذى لم تبرأ مصر منه بعد. المقدمة الثانية: بعد ٣٠ يونيو وطوال الأسابيع الماضية.
سجلت معارضتى لتدخل الجيش لعزل الدكتور محمد مرسى الذى طالبت بعد تورطه فى الاستبداد وإخفاقاته المتتالية وخطايا الإخوان الكارثية بتغييره عبر الآلية الديمقراطية المتمثلة فى الانتخابات الرئاسية المبكرة، وبتعويل على قدرة الضغط الشعبى الرافض لرئاسة الدكتور مرسى المنتخبة فى فرض الانتخابات المبكرة وإجبار الإخوان على قبولها بمواصلة التظاهر والاعتصام بعد ٣٠ يونيو وتطويرهما نوعيا باتجاه العصيان المدنى ودون تدخل من الجيش. وحين حدث تدخل الجيش وصفته ــ مختلفا مع جبهة الإنقاذ الوطنى التى أسهمت فى تأسيسها فى مواجهة استبداد الدكتور مرسى ومثلت بها حزب مصر الحرية ــ بالانقلاب العسكرى الناعم أو بالانقلاب الذى سبقته موجة شعبية طلبت التغيير ولا يمكن إنكارها، وعبرت مجددا عن تخوفى الشديد من إعادة عسكرة السياسة المصرية وطغيان المكون العسكرى والأمنى عليها ورفضت ترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو.
المقدمة الثالثة: بعد ٣٠ يونيو وطوال الأسابيع الماضية.
سجلت معارضتى لتقييد الحريات ولانتهاكات حقوق الإنسان وللإجراءات الاستثنائية التى بدأت بإغلاق قنوات فضائية محسوبة على اليمين الدينى وبحملة اعتقالات واسعة وبسيطرة خطاب فاشى وظلامى على الإعلام الرسمى والخاص عمد إلى تخوين كل المنتمين إلى مساحة اليمين الدينى وإخراجهم من دائرة الوطنية المصرية وإلى نزع الوطنية أيضا عن أصوات كصوتى رفضت تدخل الجيش إيمانا بالديمقراطية وعارضت انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان لليمين الدينى الذى نختلف معه فكريا وسياسيا ومجتمعيا. وحين بدأت الآلة الأمنية مصحوبة بالخطاب الفاشى فى الإعلام فى إحداث مفاعيلهما فى المواجهات أمام دار الحرس الجمهورى وفى طريق النصر وفى فض اعتصامى رابعة والنهضة، أدنت إراقة الدماء وسقوط الضحايا وطالبت بتحقيقات قضائية مستقلة لتبين الحقيقة ومحاسبة المسئولين. فما كان من مؤيدى ترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو ومن أبواق الآلة الأمنية الذين عادوا إلى الواجهة إلا تخوينى وتصنيفى زورا وبهتانا كخلية إخوانية نائمة وطابور خامس للإخوان وللغرب. المقدمة الرابعة: بعد ٣٠ يونيو وطوال الأسابيع الماضية، سجلت إدانتى الكاملة لجميع ممارسات العنف وأشكال التحريض عليه التى تورطت بها قيادات إخوانية وغير إخوانية فى مساحة اليمين الدينى وطالبت بمحاسبتهم فى إطار منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية ينبغى أن تمتد لتغطى الفترة من ١٩٨١ إلى اليوم ولا تميز بين حكم الرئيس مبارك والمجلس العسكرى وعام الدكتور مرسى والإدارة الحالية. لم أغمض العين عن العنف على هوامش اعتصامات ومسيرات الإخوان وحلفائهم، إلا إننى لم أقبل لا تعميم الاتهام بالعنف على الجميع ولا توظيف ذلك لتجاهل معايير الحريات وحقوق الإنسان فى التعامل معهم. لم أغمض العين عن عنف اليمين الدينى الذى ظهر بوضوح خلال الساعات الماضية، إلا أننى لم أكن مستعدا لا لنزع الإنسانية عن الجميع والتهليل لإراقة الدماء وسقوط الضحايا والصمت عن ضرورة التحقيقات القضائية المستقلة لمحاسبة المسئولين ولا لقبول «تفويض شعبى» للمؤسسات العسكرية والأمنية بمواجهة الإرهاب والعنف بعيدا عن الإطار الدستورى والقانونى.
عمرو حمزاوي