التاريخ يحاول أن ينسج ذات القطعة السياسية في الحياة مصرية تاريخ يحاول أن يجتر مشهد ثورة العسكر في 23يوليو 1952 وما تلا ذلك من الصراع الدموي حاد بين العسكر وجماعة الإخوان صراع علق بموجبه الإخوان على أعواد المشانق لستة عقود حتى انتهى ذلك العهد بسقوط نظام مبارك في 11 فبراير من عام /*2011 .
(1)أخطاء الثورة
يكون الحديث هنا عن أخطاء الثوار من ترف القول في معرض تقييم التجربة في ظل هذا المشهد الدموي الحزين ، إلا شارة إلى الأخطاء هنا من باب تشخيص المرض محاولة للمساعدة في العلاج الذي يناسب داء هذه الانتكاسة التي أصابت الثورة المصرية وأصابت الأمة العربية تبعا لذلك بصدمة- فإذا عطست مصر أصيبت الأمة العربية بالزكام – صدمة أفقدت الشعوب نشوة انتصارها على جلاديها وتقهقر الديكتاتوريات العربية الذي طال انتظاره .
لنعد إلى مشهد 28 يناير من عام 2011عندما تجمعت قوى الثورة في ميدان التحرير وهتفت ضد الدكتاتور لترغمه على التنازل عن السلطة المغتصبة لسنوات وإجبار العسكر بعد ذلك على تسليم السلطة للقوى المدنية .
قوى تحالفت في ميدان الثورة واختلفت في ميدان السياسة،هذه القوى سرعان ما ذهبت مبكرا إلى اللعبة الديمقراطية متناسية أن هناك دولة عميقة وعسكر طامعون في السلطة شرهون للدم والتسلط .
ليصارح الإخوان أنفسهم بأنهم مارسوا الديمقراطية وفقا للديمقراطيات المستقرة مبكرا وأنهم عزفوا عن القوى الأخرى تماشيا مع ما جرى عليه العرف في ديمقراطيات مستقرة فاق عمرها مئات السنين في حكم الأغلبية ،ممارسات لم تكن مناسبة البتة لمرحلة مواجهة دولة العسكر العميقة التي عاشت ستة عقود وتغلغلت في كل أركان الحياة المصرية وجميع مفاصل الدولة.
حاول الإخوان أن يحكموا وفقا لنظريات الحكم الديمقراطي الغربي لكنهم تناسوا بان المناخ المحيط يوجب عليهم التنازل عن بعض مكتسباتهم السياسية لزملاء الثورة ليكونوا يد واحدة في وجه الفلول والعسكر .
القوى العلمانية لبراليتها ويساريتها جانبت كل القيم وكل الأخلاق الديمقراطية وذهبت متعجلة طامعة في السلطة وتحالفت بطريقة غير متوقعة مع الفلول والعسكر متنكبة لتاريخها وأبجديات فكرها متنكرة لذاتها ومعتقداتها السياسية كل ذلك من اجل إسقاط النظام الديمقراطي الوليد وقد نجحت في ذلك .
أسابيع العسل لم تدم طويلا بين العسكر الشرهين للسلطة والقوى العلمانية الذين ضحوا بكل ما امنوا به ودعوا إليه طمعا في السلطة ، مؤشر مهم قفزة البرادعي من مركب الانقلاب الذي بدا بالغرق في نيل الدم وكذلك استقالة خالد داوود الناطق باسم جبهة الإنقاذ مؤشر على استحالة جمع المدني مع العسكري في قارورة سياسية واحدة وهنا يجدر التقاط الإشارة وإعادة تشكيل المشهد وخارطة التحالفات السياسية من جديد.
(2) دافعية الدم
كل خطا سياسي يغتفر من وجدان التاريخ وكل خطيئة يمكن تصحيحها في العمل السياسي إلا خطيئة الدم ،للدم لعنة على الأنظمة المتسلطة وعلى سافكيها، الدم عجلاته تسير إلى الأمام فقط ولا يستطيع احد الرجوع به أو حتى الالتفات إلى الخلف لاستيضاح الصورة .
إذا سقط السيف من يد الجميع و جرى الدم المصري والاخواني غزيرا في الشارع المصري دفاعا عن الشرعية عن الحرية والدولة المدنية خطوة قطعت كل طريق للعودة وطوت طاولة المفاوضات لتحل محلها لغة القوة والرغبة في الثار والانتقام ورد الدم بالدم .
لا يوجد سيناريو في مصر حاليا غير السيناريو الليبي أو السوري الظروف التي أحاطت في ثورة يناير 2011 لا تتوفر في ثورة 16أغسطس ،في يناير الجسم العسكري بكامله انشق عن النظام لصالح الشعب وهنا العسكر هم النظام فملكوا السلطة وملكوا القوة ، مناخ يشبه إلى حد كبير المناخ الليبي والمناخ السوري وهو ما يجعل عسكرة الثورة في مصر وارد إلى حد كبير.
سيستمر نزيف الدم المصري من طرف الشعب في هذا الأسبوع وستظهر معالم عسكرة الثورة خلال الأسابيع القليلة التالية عسكرة سوف تتولد معالمها في الأطراف ثم تمتد لتلتهم مصر بمجملها ويتكرر المشهد السوري والمطالبة بتدخل دولي .
لا يمكن لعاقل أن يقول بان الشعب المصري سيبقى كاشفا صدره عاريا لآلة القتل العسكرية من اجل كلمة السليمة التي نحرت في مجزرة الحرس الجمهوري، للدم حسابات مختلفة تختلف عن حسابات السياسة .
هذه معركة حياة أو موت لكلا طرفي الصراع الشعب المصري الطامح للحرية مقابل عسكر وما تبقى من ثلة قوى علمانية متحالفة مع آلة القتل منبوذة شعبيا طامحة للسلطة ولو على الأشلاء وبحور الدماء .
عندما يصل أطراف الصراع إلى البقاء أو الفناء هنا تتعقد المشكلة ويكون لا بد من الحسم وغالبا يكون الحسم للأقل ضميرا والأكثر قوة وهذه الصفات لصيقة للعسكر والقوى العلمانية حاليا في مصر ما لم يتم إدارة الصراع بطريقة مختلفة يكون الشعب في كفه والقتلة في كفة أخرى هنا سينتصر الشعب .
(3) إدارة الصراع
ستكون تقديرات الإخوان خاطئة إن اعتقدوا أنهم قادرين بمفردهم ومناصريهم وتحالف قوى الشرعية هزيمة العسكر، المشهد يحتاج إلى سرعة حركة والى انحناء للعاصفة وتحامل على الجراح ومسح الذاكرة اتجاه خطيئة القوى الثورية بكامل فئاتها وإعادة التحالف مع ما تبقى منهم من شرفاء وإدارة حركة الصراع بطريقة مختلفة تماما.
أول مرحلة وخطوة على طريق استرجاع الدولة من أشداق ومخالب العسكر، الرجوع لزملاء ميدان التحرير وترميم التحالف معهم سويا وتشجيعهم للانفضاض عن العسكر الذين تورطوا بالتحالف معهم تحت ضغط الرغبة بالسلطة والشعور "بالخروج من مولد الثورة من غير حمص السلطة " وتخليصهم من عقدة النقص الشعبي التي هزموا في ميادينها خمسة مرات متتالية .
ما تحتاجه الموجة الثانية من ثورة 25 يناير هي الإسراع في مصالحة مع القوة الثورية زملاء الميدان والاتفاق على خارطة طريق قد تمتد إلى عقد من الزمان وذلك لاستئصال الدولة العميقة من الجسد الدولة المصري .
خارطة طريق تتفق بموجبها القوى الإسلامية وقوى ثورة يناير على تقاسم السلطة بينهم في خلال هذه المرحلة بالتساوي بغض النظر عن حجم كل فصيل في الشارع المصري سياسيا وشعبيا .
خارطة يكون هدفها اتحاد رفاق الثورة على هدف سامي خلع أنياب العسكر واجتثاث الدولة العميقة وتهيئة المناخ لحياة ديمقراطية تمارس بعد عقدا من الزمان وفقا للأسس وديمقراطيات الدول الغربية الحديثة .
ما تحتاجه دماء المصريين النازفة تحالف سياسي عاجل مسئول بين قوى الثورة واضح المعالم ومحدد المراحل تكسب به الدولة المصرية ويقطع به دابر النياشين العسكرية من قصور السياسة وصناعة القرار ويتم تدشين حملة تطهير لمؤسسات الدولة والمجتمع المصري من الفلول بدء بالقضاء وانتهاء بجميع المؤسسات والهيئات الرسمية والأهلية وحتى الخاصة منها وخصوصا الإعلام مترافقا ذلك مع إصلاح التشريعات والقوانين بما يهيئ لدولة مدنية متحضرة .
السياسة فن الممكن والتحالفات المتحركة ومن المؤكد بان قوى الثورة غير سعيدة في تحالفها الطارئ وهي تشتم رائحة الجزم العسكرية في اجتماعها ونتن رائحة الفلول والنظام الذي ثاروا عليه ، لكن وضوح الرؤيا وتحديد الهدف والقبول بأنصاف المشاريع مرحليا يجعل الجميع يذهب يد واحدة في كسر انف فرعون مصر والجنون العسكري البغيض إلى الأبد.
محمد العودات