عندما التقيتهم في مطلع يونيو/حزيران، كان أبو نذير وزوجته وبناتهما الثلاث، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 22 و18 و14 عاما، يجلسون على مراتب رثة في منزل متهدم في الرمثا بالأردن، حيث يعيشون على إعانات منظمات المجتمع المحلي. كانت الأغطية تغطي النوافذ لمنع دخول الحرارة في منتصف الظهيرة. في الداخل، كان يخيم ظلام معبق بالغبار.
يدفع أبو نذير نحو 300 دينار أردني شهريا – ما يصل إلى 424 دولار أمريكي – لدفع تكاليف الإيجار والمرافق العامة. وبمفردهم، يمكن له هو وزوجته أن يستأجروا غرفة بنحو 70 دينارا. وقال لي بلهجة شبه مازحة: "بالطبع بناتي بحاجة إلى الزواج، فهذا سيرفع العبء عن كاهلي".
طلب طبيب من دبي أن يتزوج من ابنة أبو نذير، ريما، البالغة من العمر 22 عاما، ودرس هذا العرض بجدية. قال لي أبو نذير: "إنه من أولئك الناس الذين يقطنون الأدوار العليا، إنه طبيب ومتعلم".
في نهاية المطاف، رفض أبو نذير العرض، فبعد أن تركت ريما ورائها خلال رحلتهم من سوريا وثائق هويتها، لن يتم إصدار جواز سفر لها أو تصريح بمرافقة زوجها الجديد إلى دبي، ما يجعلها عرضة لأن تصبح زوجة "متعة"، يتم هجرها بعد فترة قصيرة من الزواج.
قال أبو نذير: "هناك الكثير من النسوة هنا في الأردن يسألوننا إن كنا نريد أن نزوج بناتنا، ونحن نقول لا لأننا لا نستطيع ضمان حقوقهن هنا".
وقد أصبح التركيز في الآونة الأخيرة بشأن اللاجئات والفتيات السوريات منصبا على الروايات عن خضوعهن لعمليات الزواج القسرية والمبكرة كآلية للتكيف مع الوضع. وبرغم هذا، خلال مهام بحثية في لبنانوالأردن لـ هيومن رايتس ووتش في شهري مارس/أذار ويونيو/حزيران، اكتشفت أن هناك المزيد من العائلات السوريات لا تزال مصممة على حماية بناتهم من العنف والاستغلال.
رغم أن هناك بعض الحالات التي تم التبليغ عنها لزيجات مبكرة أو قسرية ، لم نجد أدلة على أن أنماط الزواج تختلف اختلافا جوهريا عن تلك التي في مرحلة ما قبل النزاع في سوريا. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي عدم كفاية المساعدات الدولية، والتهديد المستمر من الفقر في نهاية المطاف إلى أن يتخذ اللاجئون تدابير يائسة، بما في ذلك الزواج الاستغلالي.
في أوائل شهر يوليو/تموز، أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 1.7 مليون لاجئين سوريين مسجلين، يعيشون في بلدان مجاورة، وأكثر من ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال. وتقدر المفوضية أن المجتمعات المضيفة من المناطق الحضرية والريفية – بدلا من المخيمات – تؤي 77% من اللاجئين السوريين في الأردن، ولبنان، والعراق، وتركيا.
قمت بزيارة مواقع لللاجئين، كانت مكتظة وتعاني من نقص الموارد، ومحرومة من الخدمات. يعاني عدد اللاجئين المتزايد من ندرة المياه والغذاء والسكن وفرص العمل في البلدان المستقبلة؛ مما يتسبب في تصاعد التوترات في المجتمعات المضيفة.
ذكر اللاجئون تخوفهم التماس المساعدة من الشرطة المحلية وقوات الأمن، فبعضهم، بحسب اعتقادهم، قد يكونوا فاسدين أو مسيئين، أو غير راغبين في المساعدة. يتسبب شح الدعم اللازم للتحصل على الدخل أو الإيجار والمساعدات الإنسانية غير الكافية في خلق جو من اليأس المتصاعد في الوقت الذي يسعى فيه اللاجئون للحفاظ على أسرهم، والهروب من الاعتماد على المساعدات على المدى الطويل.
يعد النساء والفتيات هم الأكثر عرضة للخطر، وتقول وكالات الإغاثة إن حالات العنف المنزلي تزايدت منذ بداية أزمة اللاجئين نتيجة انتشار مظاهر التوتر والاضطراب والتسيب في أوضاع اللاجئين، وافتقار وصول الموارد والخدمات للنساء والفتيات. تحد القيود الاجتماعية والخوف من قدرتهن على التنقل، وتحد من وصولهن إلى أنشطة مدرة للدخل أو الصحة أو الخدمات الحيوية الأخرى.
سواء أكان هذا قائما على حقيقة أو شائعة، فإن اعتقاد اللاجئين أن النساء والفتيات يواجهن الخطر خارج المنزل يخلق حاجزا حقيقيا للغاية لاستخدام المنشآت، من العيادات والمدارس إلى المراحيض. قالت ياسمين، وهي في الثلاثينات من عمرها، وتعيش في مخيم الزعتري بالأردن: "نصنع مرحاضا داخل خيمتنا لاستخدامه في الليل". ويقول أحد التقديرات الجديدة الصادرة عن الأمم المتحدة إن الأقارب الذكور يقيدن حركة النساء في مناطق اللاجئين في المناطق الحضرية من الأردن لحمايتهن من أن يتعرضن للأذى.
أكدت وكالات المعونة واللاجئين في مقابلات بلبنان والأردن، أن اللاجئين ما زالوا يجهلون إلى حد كبير الخدمات المتاحة، ولا سيما تلك التي خارج المخيمات. غالبا ما تكون الخدمات خارج متناول اليد، وتحتاج النساء إلى تأمين وسائل النقل أو رعاية الأطفال حتى يتمكنوا من استخدامها.
وصفت علية، 20 عاما، محاولتها التسجيل من أجل الحصول على المساعدات الإنسانية، عندما التقيتها في بيروت في مارس/آذار: "كنت أضطر إلى الذهاب إلى المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين التابعة لأمم المتحدة، طوال اليوم، وآخذ أطفالي معي، وأنتظر ثلاثة أشهر حتى أجري مقابلة. هذا ما حدث مع شقيقة زوجي". قالت عالية إن تكلفة سيارة الأجرة حرمتها من الذهاب إلى الفرع المحلي لمنظمة غير حكومية دولية للحصول على المساعدة.
تجعل عدم المقدرة على استمرار الحصول على الحاجات المنزلية والموارد الأساسية النساء – ولا سيما أولئك اللواتي يتولين رعاية أسرهن – تجعلهن عرضة لحالات بالغة الخطورة، بما في ذلك العمل الاستغلالي أو ترتيبات السكن، والاعتماد على الآخرين في الغذاء، والضروريات الأخرى، والزواج المبكر أو القسري.
إن المجتمع الدولي بحاجة إلى تعزيز حماية النساء والفتيات النازحات عن طريق تنمية وضعهن الاقتصادي، وتطوير وتحسين حصولهن على الخدمات.
والنساء بحاجة إلى إعانات الإيجار في الأماكن الواقعة خارج المخيمات، وكذلك فرصلزيادة مهاراتهن، وتسهيلات نقدية لإدراجهن في برامج لمساعدتهن على العمل، وغيرها من الأنشطة المدرة للدخل. إن ضمان زيادة فرص الحصول على الخدمات لا يستلزم فقط لتواصل معهن من أجل زيادة الوعي، بل أيضا حلولا خلاقة مثل البرامج التي تلبي احتياجات متعددة في مكان واحد، وخدمات الهاتف الخلوي، ووسائل النقل، ورعاية الأطفال، ومساعدة جماعية للسلامة والأمن.
ولكي تتم الاستجابة إلى العديد من احتياجات النساء، ينبغي على الدول الأعضاء بالأمم المتحدة وغيرها من الجهات المانحة تمويل الفجوة التي تزيد على الملياري دولار ، التي مازالت موجودة في نداءات الأمم المتحدة الخاصة بالتعاطي مع وضع اللاجئين السوريين.
ينبغي أن تضمن البلدان المانحة التي تقدر حقوق النساء والفتيات السوريات أن يشمل هذا استثمارا كبيرا في تدابير ملموسة للحد من هشاشة أوضاعهن.
بقلم: هيلاري مارغوليس