أكتب هذا المقال ولا أدري هل ستحمل إلينا نهاية هذا العيد توافقاً واتفاقاً أم عنفاً ودماء، فنحن كل يوم نسمع عن ميعاد جديد لفض الاعتصام ولا ندري هل سيحدث ذلك بحكمة وسياسة أم سينتهي الموضوع إلى ما نخشاه جميعاً.
لذلك سأتكلم اليوم عن شيء ليس له علاقة مباشرة باعتصام رابعة، ولن أتكلم بطريقة مباشرة عن الجو السياسي المحتقن في البلاد ولكن موضوع اليوم يساهم بشكل فعال في زيادة هذا الاحتقان.
بعد الثورة ازدهرت شبكات التواصل الاجتماعي في مصر، وأصبح "فيسبوك" و"تويتر" من أهم مصادر الأخبار للناس.
لم يعد الناس في حاجة إلى الانتظار حتى موعد نشرة التاسعة مساء، بل أصبح متابعو هذه الشبكات مغرقين في حالة شبه مرضية من تدوير أخبار يتضح لاحقاً أنها شائعات وربما يكون من أطلقها شاب مراهق عنده حساب فيسبوك أو تويتر مزيف.
كم من خبر أو معلومة تناولها الناس على الإنترنت و"الدنيا هاصت" ثم اتضح أن الأمر إشاعة سخيفة!
ولكن كل ذلك مفهوم لمن ليس له خبرة في هذه الشبكات أو من دخل عليها مؤخراً، فهناك أشخاص، أنا وأنت نعرفهم جيداً، تحولت حياتهم بدرجة مقلقة فأصبحوا محبوسين في عالم افتراضي يتكون من أكاذيب وإشاعات تثير الضحك ولكن لمجرد أن الخبر يأتي مصحوباً بصورة ما لشخصية عامة فهو خبر أكيد، يقع المستخدم العادي في هذا الخطأ وخاصة حين يتبع صفحات أو حسابات توافق مزاجه وتوجهه في شيطنة من لا يحبهم على الساحة السياسية. فهناك الصفحات التي تطلق على نفسها إسلامية والتي تشوه رموزاً وشخصيات تنتمي إلى المعسكر المعادي ونفس الموضوع على الجانب الآخر.
ولكني أفهم أن تقع كشخص عادي ضحية لهذه الأكاذيب فليست مهمتك أن تتحقق من صدق هذه الأخبار، وإصرارك على تصديق هذه الأخبار يجعلك مغيباً مصراً على جهالتك وهذا شأنك.
ولكن ما يغيظك فعلاً هو أن يخرج مذيع أو إعلامي أو رجل دين على التلفزيون لينشر هذه الإشاعات على الملايين.
والمصيبة أنهم يتفاخرون أن هذه الأخبار "جابوها من ديلها" من "فيسبوك" و"تويتر".
نتذكر عاصم عبدالماجد الذي دار على القنوات وقال إن جورج إسحاق أعلن على تويتر أن 6/30 هو نهاية الإسلام في مصر، وحين قيل له إن هذا حساب مزيف قال "ماليش دعوة يطلع ينفي".
كنت أشاهد قناة "الحياة اليوم "وقت فعاليات 6/30 وإذا بالمذيع الصحافي المخضرم يقرأ ما كتبه حساب على "تويتر" من ترهات باسم محمد مرسي، وزملاؤه يحاولون تدارك الموقف ويقولون له هذا حساب "بارودي" أي ساخر وغير حقيقي وهو مصرٌّ على قراءة ما فيه، وفي النهاية قال "ده على تويتر ماليش دعوة".
من نجوم الحسابات "البارودي" أيضاً حساب باسم السيدة عزة الجرف، وهو حساب كوميدي ويدلي بتصريحات غاية في السخرية ومازال الناس ينقلون منه في البرامج الحوارية ويصدقهم الكثيرون.
والكثير والكثير من الأمثلة الأخرى التي تعكس تردي حال المهنية الصحافية سواء في جانب التيار الإسلامي الذي لا نتوقع منه أفضل من ذلك أو الإعلام الخاص الذي من المفترض أن يقدم لنا حداً أدنى من المهنية.
الحقيقة لم أتوقع أن أكتب عن موضوع الأخبار الملفقة المقبلة من مجاهل فيسبوك وتويتر حتى تجاذبت أطراف الحديث مع سيدة فاضلة تعمل في مجال تدريس الإعلام، لكنها كانت تتحدث كمواطنة وليست كأستاذة في مجالها.
وهالني ما سمعت من اقتناع كامل بكل أكاذيب فيسبوك، ومنها مثلا الإشاعة الشهيرة أن أوباما أعطى لمرسي ثمانية مليارات دولار مقابل أربعين في المئة من سيناء، وأن أوباما يواجه تحقيقات أمام الكونغرس لمساندته للإخوان.
سألتها إذا كانت قرأت أو شاهدت هذا الخبر في أي من وسائل الإعلام الأميركية؟ فأجابت بالنفي، سألتها هل يعقل أن يعطي رئيس أميركي ثمانية مليارات "كده" بدون أن يتحدث عنها الإعلام هناك و"يقلب عليه الدنيا" ثم سألتها هل يعقل أن معلومة "لوز" زي دي "تعدي" على ماكينة الإعلام والسياسة الأميركية ليتم فضحها على صفحات فيسبوك والقنوات "بتاعتنا".
أضف إلى ذلك إشاعات من عينة أن بوتين جاي مصر (جه ولا لسه؟) أو ما تعهد به بوتين بتزويد مصر بالصواريخ أو ما تعهدت به الإمارات بتزويد مصر بطائرات مقاتلة متطورة أو الأخبار التي ينقلها الناس متفاخرين بأنه من موقع "دبكة" الإسرائيلي الذي هو موقع أضحوكة داخل إسرائيل نفسها.
ما أحزنني فعلاً أنه بعد أن اقتنعت هذه السيدة المحترمة بكلامي تساءلت "طب وإيه مصلحتهم في أن يقولوا لنا أخباراً كاذبة" لهذه الدرجة مازال يؤمن الكثير بإعلامنا ولا يدرك الكثير من الإعلاميين مدى تأثير كلامهم على الناس.
لقد ضرب لنا الإعلام الإسلامي أسوأ الأمثلة حين كان يردد الشيوخ والدعاة أخباراً كاذبة تمت كتابتها على يد شباب مراهقين لا يدركون معنى المسؤولية الإعلامية.
والآن الإعلام الخاص المهني المليء بالأسماء اللامعة يقع في نفس الخطأ.
ولذلك فإذا تحملت مسؤولية الوقوف أمام الكاميرا لتنشر خبراً ما، فعليك أن تختار أن تكون إعلامياً ذا مصداقية ومهنية أو أن تكون "عيل قاعد على صفحة فيسبوك".
باسم يوسف