يعتمد سكان قرية فيفا الواقعة شمال غرب الأردن والبالغ عددهم نحو 4,000 نسمة على العمل الزراعي الموسمي في منطقة الأغوار وتربية الأغنام والمساعدات النقدية والعينية التي يحصلون عليها من وزارة التنمية الاجتماعية، لكنهم والكثير غيرهم متجهون نحو المزيد من الفقر.
فقد أدى الارتفاع المستمر في أسعار الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية في وقت سابق وتأثير الأزمة السورية وتباطؤ العمل الخيري بعد الركود الحاصل إلى ازدياد نسبة الفقر وانخفاض الأمن الغذائي في بلد يفتقر أصلاً إلى أنظمة واستراتيجيات الدعم الكافية لمساعدة الفقراء، وفقاً للجمعيات الخيرية المحلية.
فقد ارتفع سعر بعض أنواع الوقود بنسبة 40 بالمائة بعد القرار الذي اتخذته الحكومة في نوفمبر 2012 والقاضي برفع الدعم عن هذه السلع، ولذلك لم تعد صالحة* (50 عاماً وعاطلة عن العمل) قادرة على تحمل تكاليف تدفئة منزلها. وقد انخفض توزيع المواد الغذائية التي كانت تتلقاها من الجمعيات الخيرية المحلية، إن لم يتوقف. وقالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، “لم يعد لدي خبز، أو طحين، أو سكر في المنزل”.
وكانت الحكومة قد رفعت الدعم عن الوقود في محاولة لتخفيض العجز في الميزانية من أجل تأمين قرض بقيمة ملياري دولار من صندوق النقد الدولي. فارتفع سعر الغاز الذي يُستخدم لأغراض الطهي والتدفئة من 6.5 دينار إلى 10 دنانير للأسطوانة الواحدة.
وقد ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية بشكل أكبر بعد أن كانت قد شهدت ارتفاعاً في وقت سابق عندما أدت الأزمة السورية إلى تعطيل سلاسل التوريد والتصدير. فوفقاً لجمعية تجار المواد الغذائية، ارتفع سعر الدجاج والبيض على سبيل المثال، بنسبة 25 بالمائة منذ شهر نوفمبر، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف التدفئة الضرورية لتربية الدجاج.
وبشكل عام ارتفع مؤشر أسعار المستهلك للمواد الغذائية بشكل مطرد من عام 2009 إلى عام 2012، وفقاً لدائرة اللإحصاءات العامة الأردنية، على الرغم من وجود تغيرات موسمية واستقرار أسعار الحبوب.
الضغوط وآليات المواجهة
وقالت فاديا سعدين، رئيسة الجمعية الخيرية لنساء قرية فيفا أن العديد من الأسر الأردنية في القرية تُركت دون تدفئة خلال هذا الشتاء.
وتساءلت في حديث إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “كيف يمكن لشخص، مثل امرأة مسنة تعيش وحدها على مساعدة من الحكومة بقيمة 70 درهماً أن تؤمّن لنفسها التدفئة اللازمة هذا الشتاء؟ ما الذي سيبقى لها لشراء الغذاء وغيره من الاحتياجات؟”
أما بالنسبة للغذاء، فقالت: “أصبح الناس يأكلون كميات أقل فأقل، لكن نظراً لنظامهم الغذائي الفقير أصلاً، فإن هذا يعني أنهم يتناولون الدجاج أو اللحم مرة كل شهرين بدلاً من مرة واحدة في شهر.”
من جهته، قال معتصم الحياري، منسق هيئة التحالف الوطني لمكافحة الجوع وسوء التغذية (نجمة)، وهي هيئة شبه حكومية تم إنشاؤها عام 2004 لتنسيق الجهود الوطنية لمكافحة الجوع وسوء التغذية، أن ما يقرب من ربع الأطفال الذين يعيشون في قرية فيفا يعانون من فقر الدم حتى قبل ارتفاع الأسعار. وها هم الآن أكثر عرضةً للخطر. لذلك، وفي محاولة منها لتحسين النظام الغذائي للأطفال، تقدم نجمة الآن الأغنام لبعض الأسر حتى يتمكنوا من تحضير منتجات الألبان.
زيادة المنافسة على الوظائف
وقد تدفق ما لا يقل عن 230,000 من السوريين الفارين من الصراع، ما أدى إلى زيادة التنافس على فرص العمل.
وقالت جمانة بواز (23 عاماً): “نحن نكافح في الوقت الحاضر للحصول على عمل في المزارع. فقد فر الكثير من الناس إلى هنا، وبات من السهل على صاحب العمل توظيف عائلة [سورية] بكاملها لأنها ستكلّفه مبلغاً أقل من المال.”
كما شكل وجود السوريين ضغطاً على الأسر التي تستضيفهم وعلى الخدمات العامة مثل الصحة والمياه والتعليم.
ووفقاً لدومينيك هايد، ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في الأردن، “يشكل تدفق اللاجئين ضغوطاً هائلة على المجتمعات المحلية. فقد كان هناك تعاطف حقيقي في استقبال اللاجئين، وخصوصاً عندما ينظر المرء إلى مستويات الفقر في هذا البلد”.
إحصاءات غير كاملة
وتظهر الأرقام الصادرة مؤخراً عن وزارة التخطيط زيادةً في معدلات الفقر من 13.3 بالمائة في عام 2008 إلى 14.4 بالمائة في عام 2010. وتحدد الدراسة خط الفقر على أنه العيش على أقل من 68 ديناراً أردنياً للشخص الواحد شهرياً (ما يعادل 3.2 دولاراً في اليوم).
غير أن الخبراء يقولون أن حجم الفقر قد يكون أسوأ بكثير مما تظهره الأرقام الرسمية، نظراً للتغيرات الحاصلة خلال العامين الماضيين.
وقالت جمانة غنيمات، وهي خبيرة اقتصاد ورئيسة تحرير صحيفة الغد: “أصبح الوضع الاقتصادي أسوأ، وزادت أسعار المواد الغذائية وارتفعت نسبة البطالة”. وأضافت أن عدد جيوب الفقر – التي تحددها وزارة التخطيط على أنها المناطق التي تكون فيها معدلات الفقر أعلى من 20 بالمائة – لا تقل عن 45، أي أعلى من الرقم الرسمي وهو 32.
وعلى الرغم من ارتفاع عدد فرص العمل في المناطق الحضرية، مثل العاصمة، بات من الصعب على الأسر الفقيرة العيش هناك بسبب زيادة نفقات المعيشة.
وقال أحمد الخالدي، وهو من سكان عمان: “تبقى زوجتي مع طفلنا الرضيع بدون تدفئة طوال اليوم. فلا نشغّل نظام التدفئة إلا عندما أنتهي من العمل ويعود أولادي الثلاثة من المدرسة”. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أحمد يعمل كتقني كهربائي ويكسب 180 ديناراً في الشهر.
من جهتها، قالت هيفاء حيدر، وهي منسقة برامج في جمعيّة الأُسر التنمويّة، وهي مؤسسة خيرية محلية تساعد المحتاجين في شرق عمان، أن الأسر الفقيرة قد لجأت إلى آليات أخرى للتكيف.
وفي حديث لها إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت حيدر: “معظم الأسر التي نتعامل معها كانت تؤمّن لأطفالها وجبة غداء في وقت متأخر دون تقديم وجبة العشاء. يقول الأهالي أنهم لا يستطيعون توفير الأغذية الغنية بالبروتين لأبنائهم لأن اللحوم والبيض مكلفة جداً هذه الأيام”.
ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، كان 36.5 بالمائة من الإنفاق العادي للأسرة الأردنية في عام 2008 يتعلّق بالأغذية. ووجدت دراسة أجراها برنامج الأغذية العالمي في ذلك العام حول الأمن الغذائي في جيوب الفقر في الأردن، أن 60 بالمائة من الأسر في تلك المناطق تتمتع بوصول محدود أو ضعيف أو ضعيف جداً إلى الغذاء – وهو مقياس لقدرتهم على مواجهة الصدمات وتغطية الحد الأدنى من نفقات الغذاء. في حين، يعتمد ما يقرب من 11 بالمائة من الأسر في جيوب الفقر اعتماداً كلياً على الهبات والصدقات.
معالجة المشكلة
ويلقي بعض المحللين باللوم على الحكومة، إذ قالت غنيمات: “في السنوات القليلة الماضية، فشلت الحكومة في ابتكار مشاريع تنموية تهدف إلى التخفيف من حدة الفقر وخلق فرص عمل، وقد أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية مع ارتفاع معدلات البطالة إلى جر أسر الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى الدنيا إلى ما دون خط الفقر، لأنهم لم يعودوا قادرين على تلبية احتياجاتهم. وبالتالي، ارتفع عدد الفقراء”.
وقال قاسم الحموري، وهو خبير اقتصاد ومحاضر في جامعة اليرموك، أن النمو غير العادل هو أساس المشكلة. وفي حديث له إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أضاف: “تتركز معظم المشاريع التطويرية في العاصمة والمدن الشمالية الكبرى مثل إربد والزرقاء بينما لا يوجد فرص عمل أو بنية تحتية مناسبة في الجنوب”.
وفي يناير الماضي، أعلنت وزارة التنمية الاجتماعية استراتيجية جديدة لمدة سبع سنوات تهدف إلى خفض معدلات الفقر من 14 بالمائة إلى 7 بالمائة بحلول عام 2020.
ووفقاً للمتحدث باسم وزارة الشؤون الاجتماعية، فواز الرطروط ، ستركّز الاستراتيجية على خلق فرص عمل وتعزيز البنية التحتية. وأضاف إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “نحن نتنبّه أيضاً إلى تنسيق الجهود بين جميع الجهات الحكومية المسؤولة عن معالجة الفقر، مثل البنية التحتية والمساعدات والتدريب، وإيجاد فرص العمل. لكن يبقى التحدي الأول في تأمين التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجية.
الجمعيات الخيرية تكافح لتواكب الأوضاع
وتقول الجمعيات الخيرية التي تقدّم المساعدة إلى المحتاجين في الأردن أنها تكافح من أجل مساعدة العدد المتزايد من الأسر المحتاجة.
وقال الحياري من هيئة نجمة، أن التمويل لمساعدة الفقراء والتبرعات من القطاع الخاص قد انخفض “بشكل كبير” خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الأزمة المالية العالمية. فقد كانت الحملة الوطنية للنوايا الحسنة التي تقوم بها نجمة، على سبيل المثال، تساعد حوالى 25,000 أسرة في كل عام، ولكنها “تكافح الآن للوصول إلى هذا الرقم حتى مع ارتفاع عدد الأسر الفقيرة”.
من جهتها، قالت سعدين من الجمعية الخيرية المحلية في فيفا، أن أفضل ما تمكنت منظمتها من القيام به في عام 2012 كان توزيع بعض الوجبات خلال شهر رمضان: “فبالكاد نحصل الآن على أية مساعدات”.
ويبقى انعدام التنسيق بين الجهود المحلية والدولية لمكافحة الفقر تحدياً رئيسياً آخر.
من جهته، قال عبد الله الزعبي من نجمة: “هناك الكثير من البرامج التي تعالج الفقر في الأردن، لكنها قد تكون أكثر فعالية لو كانت كلها منسقة تنسيقاً جيداً. ففي بعض الأحيان هناك أكثر من مشروع في منطقة واحدة بينما ما من مشروع واحد في منطقة أخرى”.
وأوصى تقرير صادر عن المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء أنه من أجل الحد من الفقر وتحسين الأمن الغذائي، على دول العالم العربي أن تقوم بتحسين البيانات من أجل اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة بشأن السياسات، والتركيز على النمو الاقتصادي من خلال التصنيع وعلى قطاع الخدمات بدلاً من قطاع الزراعة، وإصلاح تخصيص الإنفاق العام، وعقد الحوارات الوطنية بشأن استراتيجيات التنمية الاقتصادية.