تعتزم الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على شخصيات سورية سياسية واقتصادية في غضون اسبوعين او ثلاثة، تشمل رجال اعمال كبارا يدعمون نظام الرئيس بشار الاسد، وذلك في سياق تكثيف الجهود السياسية لتضييق الخناق السياسي والاقتصادي والضغط الشعبي على النظام السوري ومنعه من استخدام النظام المصرفي العالمي والاقليمي، من خلال تنسيق الخطوات العقابية مع تركيا وقطر، وحض دول مثل دولة الامارات العربية المتحدة على وقف التعامل المصرفي مع سوريا، ومواصلة مراقبة نشاط المصارف اللبنانية للتأكد من عدم تورطها في دعم النظام السوري.
وتوقعت مصادر حكومية اميركية تحدثت معها “النهار” ان تكون سلة العقوبات التي سيعلن عنها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قريبا “مؤلمة”، لأن تركيا كانت عند بدء انتفاضة الشعب السوري في آذار الماضي أكبر شريك تجاري لسوريا في العالم.
وكشفت المصادر ان مسؤولا اميركيا زار تركيا حديثا وناقش مع المسؤولين الاتراك الخطوات العقابية التي سيفرضها البلدان. وقد استرعى الانتباه ان مصادر اميركية ترى ان ايران و”حزب الله” اللبناني لا يتوقعان بقاء نظام الاسد في السلطة، وان “حزب الله” بدأ يتخذ الاجراءات لتخفيف وقع هذه الخسارة الكبيرة على نفوذه في لبنان وقدرته على التحرك الاقليمي. واستنادا الى مصدر حكومي أميركي، يعاني الاقتصاد السوري، بعد قرار الدول الاوروربية وقف استيراد النفط السوري وغيره من العقوبات تحديات خطيرة مثل خسارته نحو 450 مليون دولار شهريا قيمة عائدات النفط. وقال ان عمليات تصدير النفط السوري (نحو 150 الف برميل يوميا، قبل ان تحظر اوروبا استيراده) قد توقفت الآن، بعدما امتلأت خزانات النفط. وتواجه الحكومة السورية عقبات عدة في تصدير نفطها الى دول مثل الصين وروسيا لاسباب تقنية ولوجستية.
وتوقع المصدر، نتيجة لتفاقم تأثير العقوبات الدولية، وانحسار احتياط العملات الاجنبية، والانهيار الكامل لموسم السياحة، وتوقعات صندوق النقد الدولي لانكماش اضافي للاقتصاد السوري السنة المقبلة، ان يصل النظام السوري ربما منتصف السنة المقبلة الى مرحلة لن يستطيع فيها تمويل قواته الامنية والعسكرية وميليشياته. ونتيجة لهذه العوامل الاقتصادية، التي ستدفع طبقة التجار بما فيها تلك الموجودة في دمشق وحلب الى الابتعاد عن النظام او الارتداد عليه، والمعنويات المتدنية للقوات المسلحة والضغوط السياسية التي تتعرض لها وارهاقها وافتقارها الى قطع الغيار، واتساع ظاهرة الانشقاقات في الجيش، واستمرار حركة الاحتجاجات، رجح ان تتضافر هذه العوامل وتؤدي معا الى سقوط النظام “في وقت ما خلال السنة المقبلة”.
وتحدث عن انقسام في الطائفة العلوية بين فئة ترى ان عائلة الاسد – مخلوف تجازف بمستقبل الطائفة لكنها خائفة من التحرك ضدها، وفئة اخرى تقف وراء النظام بقوة.
الجهود الاميركية لتضييق الحصار
وخلافا لما يعتقده بعض الذين ينتقدون حكومة الرئيس الاميركي باراك اوباما ويقولون انها تفتقر الى سياسة واضحة حيال سوريا، يعمل المسؤولون الاميركيون على اكثر من جبهة للتعجيل في سقوط النظام منطلقين من اقتناع بان مرور الوقت يعني تصاعد مستويات العنف، وازدياد فرص الانزلاق الى الاقتتال الطائفي.
وتراوح الجهود الاميركية بين حض “المجلس الوطني السوري” المعارض على وضع تصور واضح ومفصل لرؤيته لسوريا في حقبة ما بعد الاسد، الى مواصلة حض الدول النافذة في مجلس الامن مثل جنوب افريقيا والهند والبرازيل الى روسيا والصين على اعتماد قرار اقوى لمجلس الامن ضد النظام السوري، الى محاولة اقناع اكراد سوريا بالاضطلاع بدور اكبر في الانتفاضة، بما في ذلك محاولة تعبئة نفوذ قيادات كردية اقليمية في هذا المجال، الى مواصلة مطالبة الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي في بغداد بوقف تزويد سوريا مشتقات نفطية، الى شرح السياسة الاميركية لاقطاب الجالية السورية – الاميركية، الى تشديد الرقابة على المصارف الاقليمية التي يمكن ان تلجأ اليها الحكومة السورية، حيث نجحت في اقناع قطر في تعليق سحب ودائع سورية من مصارف قطرية، وحض دولة الامارات العربية المتحدة على تعاون افضل في هذا المجال.
وفي هذا السياق قال مصدر اميركي مسؤول انه على رغم تأكيدات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي انه “ليس للحكومة السورية دولار واحد في المصارف اللبنانية”، فإن لدى المسؤولين الاميركيين شكوكهم في الامر نظرا الى النفوذ السوري القوي في لبنان، وتاريخ العلاقات بين البلدين “وعلاقة الرئيس ميقاتي بالقيادة السورية”. واضاف: “اللبنانيون يتحدثون عن عدم وجود ودائع سورية بالدولار، ولكن ماذا عن ودائع بعملات اجنبية اخرى؟”. واوضح ان المسؤولين الاميركيين قالوا بشكل لا لبس فيه للمسؤولين اللبنانيين ومنهم حاكم مصرف لبنان، انه اذا تبين ان ثمة علاقة لأي مصرف لبنان في حسابات سورية رسمية او لشخصيات سورية على قائمة العقوبات الاميركية، واذا كانت لهذا المصرف علاقة بأي مصرف اميركي، فإنه سيتعرض للعقوبات كما حدث للبنك اللبناني – الكندي الذي يقول المسؤولون الاميركيون انه كان يبيض اموال المخدرات لحساب “حزب الله”.
“حزب الله” وايران
واعتبر مصدر اميركي مطلع ان تقويم ايران و”حزب الله” لمستقبل النظام السوري هو انه فقد القدرة على البقاء في السلطة وعلى حكم سوريا بفاعلية، وان سقوطه هو مسألة وقت. وقال ان اي مراقبة دقيقة لمواقف “حزب الله” واجراءاته تبين انه يخطط منذ الآن لتعويض خسارته النظام السوري “من خلال الاختراق المنظم لمختلف المؤسسات اللبنانية: السياسية، والامنية وتحديدا قطاع المواصلات والاتصالات وغيرها”.
وشدد على ان الحزب بعد سقوط حليفه في دمشق سوف يحرم مصدره الاساسي للامدادات العسكرية (أكانت من ايران، ام من سوريا نفسها)، وانه يريد ان يكون في موقع يسمح له مستقبلا باستخدام المنشآت اللبنانية مثل المطار والمرفأ لتزود الامدادات العسكرية وغيرها، اذا اضطر الى ذلك. وتسعى ايران من جهتها الى تعزيز نفوذها في العراق لتعويض خسارة حليفها في دمشق. وفي هذا السياق يقول المصدر ان دعم حكومة المالكي لنظام الاسد له أكثر من سبب، أبرزها الخوف من وصول “الاسلاميين السنة” الى السلطة، وايضا مطالبة طهران المالكي دعم الاسد.
وخلال زيارة قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي الاخيرة لواشنطن، أثار المسؤولون الاميركيون معه مسألة اختراق القوات السورية الاراضي اللبنانية لتعقب اللاجئين السوريين من مدنيين وعسكريين، وخطف بعضهم الى سوريا. لكن اجوبة قهوجي التي تراوحت بين القول إن بعض هذه الاختراقات حدث في مناطق حدودية غير مرسمة بدقة، او ان التدخل سريع ومحدود “لم تكن مقنعة” وفقا للمصدر الحكومي.
تركيا ملجأ عسكرياً
وتؤيد الولايات المتحدة قرار تركيا توفير الملجأ الآمن للعناصر المنشقة عن الجيش السوري والملتحقة بـ”الجيش السوري الحر”، وترى ان وجود مثل هذا الملجأ سيشجع انشقاق مزيد من العسكريين السوريين… لكن واشنطن لا تحبذ ان يكون هذا الملجأ منطلقا لعمليات عسكرية ضد الجيش السوري، لانها لا تؤمن بأن العنف هو الحل.
وأكدت المصادر الاميركية ان التحقيق الاخير الذي نشرته صحيفة “النيويورك تايمس” عن مساعدة تركيا لعناصر “الجيش السوري الحر”، “مبالغ فيه”. وبينما تقول مصادر المعارضة السورية في واشنطن ان عدد المنشقين عن الجيش يصل الى نحو 15 الف عسكري، يتحدث الاميركيون عن ” بضعة آلاف” فقط، لكنهم يرون نمطا متزايدا في هذا المجال.
الاعتراف بـ”المجلس الوطني السوري”
ويواصل المسؤولون الاميركيون رفض طلب “المجلس الوطني السوري” الاعتراف به سلطة شرعية بديلة من نظام الاسد، على رغم ان هذا الطلب هو في طليعة أولويات اعضاء المجلس المقيمين في الولايات المتحدة والذين يلتقون دوريا المسؤولين الاميركيين.
وقال المسؤولون الذين تحدثت معهم “النهار”: “قلنا للمجلس لن نعترف بكم قبل ان تتقدموا بتصور مفصل لما تريدون القيام به عقب سقوط النظام، وقبل ان تثبتوا قدرتكم على بناء ائتلاف موسع، وقبل ان تطمئنوا الاقليات القلقة من التغيير من العلويين والمسيحيين والدروز من ان سقوط النظام لن يهددهم بل سيكون من مصلحتهم ايضا”.
المسؤولون يقولون انه لا يكفي ان يكون هناك مسيحيون وعلويون في المجلس، لان المطلوب هو طمأنة المترددين والقلقين في هذه الاقليات. ويتحدث المسؤولون الاميركيون الذين التقوا رئيس المجلس الدكتور برهان غليون والناطقة باسمه الدكتورة بسمة قضماني بتقدير واعجاب بهما، لكنهم يقولون انهم يتطلعون الى تحول المجلس قيادة سياسية فعالة. ويرفض المسؤولون الاميركيون مقارنة سرعة واشنطن النسبية في الاعتراف بـ”المجلس الوطني الليبي” وترددها في الاعتراف بـ”المجلس الوطني السوري”، مشيرين الى ان الثوار الليبيين كانوا يسيطرون على مناطق واسعة وقيادتهم السياسية والعسكرية كانت على الارض.
فورد سيعود ولكن ماذا عن مصطفى؟
وأكد المسؤولون ان السفير الاميركي لدى دمشق روبرت فورد، الذي اجرى في الاسبوع الماضي مشاورات مع المسؤولين في مختلف الاجهزة في واشنطن، يمضي الان فترة اجازة قرب واشنطن وأنه يعتزم العودة الى دمشق قبل عطلة عيد الشكر في نهاية تشرين الثاني. ويقول الاميركيون انهم يتوقعون قيام الحكومة السورية بواجباتها في حماية الديبلوماسيين المعتمدين لديها، وانهم سيحملونها مسؤولية أي حادث يتعرض له السفير فورد او السفارة. ولكن ما هو غير واضح او مؤكد ما اذا كان السفير السوري عماد مصطفى، الذي استدعته حكومته للتشاور بعدما غادر فورد دمشق في طريقه الى واشنطن، سيعود الى العاصمة الاميركية ام لا. وثمة شكوك اميركية في احتمال ضلوع السفير السوري في أعمال تجسس ورصد وترهيب للمعارضة السورية في واشنطن، بما في ذلك مراقبة ورصد نشاطات مواطنين اميركيين ذوي أصل سوري من المعارضين لنظام الاسد، واستخدام المعلومات لترهيب اهاليهم واقربائهم في سوريا.
والجمعة الماضي مثل سوري – اميركي يدعى محمد أنس هيثم سويد امام محكمة في ضواحي واشنطن بتهم عدة بينها التجسس على السوريين المعارضين لنظام الاسد. ومع ان سويد قال انه غير مذنب، أكد الادعاء العكس، وتحدث عن اجتماعات لسويد مع مسؤولين في دمشق بينهم الرئيس الاسد. وكانت السفارة السورية في واشنطن قد اصدرت بيانا نفت فيه تورطها في أي أعمال تجسس في الولايات المتحدة.
ويعتقد بعض المسؤولين والمراقبين ان احتمال ضلوع السفير مصطفى في مراقبة ورصد تحركات معارضين سوريين يحملون الجنسية الاميركية قد يمنعه من العودة الى واشنطن.