يُطلق مصطلح “الإعلام” على كل من المؤسسات الإخبارية كالجرائد والقنوات التلفزيونية وقنوات الراديو والمواقع الإلكترونية التي تقوم بنشر الأخبار السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. وغيرها من أخبارٍ تهم المواطن في منطقة ما، أو في بلد الوسيلة الإعلامية نفسها، أو موجِّهة أخبارها إلى مكان آخر، حسب سياسة الدولة الراعية أو الممول صاحب تلك الوسيلة.
ومعظم هذه المؤسسات تتعمد نشر أخبار هدفها التحريض على الكراهية أو إثارة حماس طائفة معينة، أو تركز فقط على وجهة نظر معينة.
فهل نستطيع اعتبار هذه المؤسسات “إعلامية” ؟ وكيف نستطيع أن نفصل بين “الإعلام” و”الترويج”؟.. وبين الإشاعة والخبر..
وإذا كانت “الدعاية أو الترويج” في إحدى تعريفاتها هي “محاولة للتأثير على الأفكار باستغلال كل وسائل الاتصال الجماهيري، فهي تختلف عن الإعلام الذي يُفترض أن تكون مهمته تزويد الناس بالأخبار الصحيحة التي يستطيعون في ضوئها مناقشة المعلومة والتوصل إلى الحلول والآراء”
وإذا صحّت تسمية “حرب الإشاعة أو حرب الإعلام”، ففي هذه الحرب لا يتم نشر خبر ما، إلا لغايةٍ وهدفٍ يتم التخطيط لهما ، والسيطرة على الإشاعة أو الخبر هي من أهم الأمور بالنسبة لأي جهة ناشرة لهذا الخبر أو تلك الإشاعة، سواء كانت مؤسسة أم دولة، والمهم ليس صحة ودقة الأخبار التي تنشر، بل دورها ووظيفتها، وأية فائدة لها، أي للناشر، وما تُحقق له من غايات ودوافع، وكثيراً ما يتم نشر خبر غير معروف أو كاذب أو ليس دقيقاً، ولكن له هدفه وغايته المعينة، ومع ذلك غالبا يتحقق التأثير المطلوب من هذا الخبر وبعدها يتم تجاهل أن الخبر كاذب من أساسه، فالناشر هو من يملك أهم وأقوى المؤثرات التي يستطيع استخدامها وتوظيفها في حرب الإشاعة.
وهنا أورد بعض الأمثلة التي كانت إشاعة كاذبة من أساسها، ولكنها حققت الغاية من نشرها ..
· عندما سوقت الولايات المتحدة الأمريكية إعلامياً أن العراق يملك أسلحة نووية وقنابل ذرية
وقدمت للعالم أجمع أدلة على ملكية العراق لهذه الأسلحة، وقدمت صوراً وتحليلات وفيديوهات مفبركة.. ماذا حدث؟!
تم غزو العراق واحتلاله بقرارات دولية.. وشردت وقتلت ونهبت.. ثم اعترفت بأنها ضللت العالم بمعلومات خاطئة أو كاذبة، ولكن ما هي النتيجة ؟
العراق مُحتل ومنهوبة ثرواته، والكاذب هو من يقوم بالنهب!!
· منذ شهرين تقريباً تم تسويق إعلامي برحيل سيف الإسلام القذافي عن ليبيا أو مقتله في إحدى الغارات على طرابلس، فهذه كانت إشاعة أو كذبة، وكان الهدف من هذه الإشاعة معرفة مصير القذافي وأبنائه، إن كانوا خارج ليبيا أم داخلها، فكان أن خرج سيف الإسلام وكذّب الخبر من طرابلس، فتم التأكد من عدم خروج القذافي وأبنائه من ليبيا، وتناسى الجميع أن الخبر كاذب عندما تحققت الغاية من هذه الإشاعة.
· ومعلوم للجميع كيف استخدمت الولايات المتحدة موضوع “ابن لادن” في كثير من تحركاتها في العالم والضغط على أنظمةٍ وشعوبٍ تخاف من الإرهاب.. والأمثلة تطول في هذا المجال.
وفي هذا السياق نجد أن تركيا قد برعت في استخدام الإعلام والدعاية والترويج لوجه حضاري وعلماني لتركيا وذلك من خلال أساطيل الحرية الموجهة لفك الحصار عن غزة وموضوع “مرمرة” وإهانة رئيس الوزراء التركي “لإسرائيل ” في مؤتمر دارفوس.. وكيف أصبحت تركيا وأردوغان حامي المصالح الإسلامية والمدافع عن فلسطين، ناهيك عن المسلسلات التركية التي أزعجت “اسرائيل ” وانسياق الإعلام العربي وراء الفخ التركي.
ومن الجدير ذكره في هذا المجال أن “حزب الله” استطاع أن يستخدم سلاح الإعلام بذكاء في مواجهته مع “إسرائيل”.
وتبقى الأسئلة ملحة، حول إعلامنا العربي وقدرته على تشكيل رأي عام فيما يتعلق بالمسائل الكبرى..
فقد استطاعت بعض الدول استثمار الإعلام لصالحها وجعل هذه الدول موجودة على الخارطة الدولية، مثل دولة قطر التي جعلت منها “فضائية الجزيرة” لاعباً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، على صِغَر قطر جغرافياً، وكذلك بعض دول الخليج العربي التي أسست فضائيات لها كــــ “فضائية العربية” ومؤسسة (MBC ) وتفرعاتها التي تمولها السعودية، مما مكنها من التعتيم على ما يجري في البحرين من أحداث وانتهاكات لحقوق الإنسان، وما جري ويجري في السعودية من أحداث وحراك شعبي.
وفي الحديث عن الإعلام السوري فالوضع مختلف حيث أنه ومن البدايات لم تعمل السلطات السورية على بناء إعلام متطور من حيث التقنيات والمضامين من جهة، ومن جهة أخرى لم تعمل على تأسيس إعلام حر وبعيد عن الأيديولوجيات المحلية والإقليمية مما أفقد الإعلام السوري معظم مصداقيته وتأثيره المطلوبيَن، ووضعه في موقع تنافسي ضعيف أمام الإعلام الخارجي، مما أوقع المواطن السوري في أزمة ثقة شبه غائبة في إعلامه وشبه ثقة في مصداقية الإعلام الخارجي .
وابتعد الإعلام عن دوره في نقل الحقيقة المجردة، وخسر إلى حدٍّ ما قدرته على تشكيل رأي عام واضح الملامح في هذا الاتجاه أو ذاك .