زيارة هامة جداً: دمشق تستقبل الرئيس أحمدي نجاد بحفاوة
بقلم: زياد ابوشاويش
الثابت في وصف زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أنها تأتي في توقيت خاص وذو دلالات سياسية غاية في الأهمية، كما أنها تقدم الدليل الأكثر وضوحاً على رسوخ العلاقة بين الجمهورية الإسلامية وسورية العربية. وقد يتساءل بعض المحللين والمراقبين عن الحكمة والهدف لزيارة توليها دمشق هذه الأهمية في الوقت الذي تتعرض فيه إيران لأشرس هجوم دبلوماسي بالتزامن مع حملة إعلامية واسعة النطاق تمهيداً لعدوان مبيت عليها بخلفية الملف النووي الذي تضعه أمريكا وإسرائيل كمبرر لمثل هذا العدوان.
وحتى يكتمل المشهد على خلفية هذه الزيارة وتتضح أبعاد اللقاء المنوي عقده بين أركان قوى المقاومة ودول الممانعة والذي سيضم السيد الرئيس بشار الأسد والرئيس الإيراني والسيد حسن نصر الله زعيم حزب الله وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لابد أن نلقي نظرة ولو سريعة على النشاط المحموم الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية لحشد التأييد لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، هذا الحشد والتأييد الذي يخصص الدول العربية لتوفير الغطاء الإقليمي له كما القواعد والعمق الضروري عسكرياً لنجاح العدوان على إيران.
إن حركة الدبلوماسيين الأمريكيين على اتساع نطاقها وتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية المباشرة حول ضرورة وضع حد للطموح الإيراني ووقف تمدد نفوذ الجمهورية الإسلامية في المنطقة والعودة لإثارة النعرة الطائفية في وسائل الإعلام التابعة لها، إن كل هذا قد لا يوضح الصورة التي عنيناها بالحديث عن أهمية الزيارة وخلفيتها، بل ربما يكون الأمر الأكثر وضوحاً حركة العسكريين الأمريكيين من قادة الجيوش ورئاسة الأركان وتصريحاتهم بالخصوص، وتناغم هذه التصريحات مع التشخيص الذي أعلنته السيدة كلينتون خلال زياراتها لدول الخليج العربي حول الخطر الإيراني على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة والغرب عموما، وكذلك على المصالح العربية على حد زعمها.
وفي صورة المشهد الواضح لأبعاد الزيارة تظهر التهديدات الإسرائيلية لإيران وسورية ولكل من حركة حماس وحزب الله، وهي تلخص بشكل مكثف الرغبة الإسرائيلية الأمريكية في لجم أي تقدم أو نجاح تحرزه هذه الأطراف في تعميم النموذج المقاوم للتمدد الأمريكي والصهيوني في المنطقة، بما في ذلك جملة النجاحات التي حققت خلال الفترة القصيرة السابقة على صعيد المصالحة العربية، والانتصارات والصمود للمقاومة في فلسطين ولبنان بفضل مساندة كل من سورية وإيران لها على وجه الخصوص، وكذلك توقع مزيد من النجاحات فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي لإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة بين فتح وحماس التي دعا السيد "بايدن" نائب الرئيس الأمريكي إلى تعطيلها خدمة لعودة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية في رام الله وإسرائيل. ناهيك عن التحضير للقمة العربية في ليبيا أواخر الشهر القادم والدور السوري المركزي في نجاحها.
إن أهمية الزيارة تنبع من حراجة اللحظة السياسية والأمنية التي تمر بها كل المنطقة وجملة التحديات المفروضة على البلدين وحركة المقاومة في كل من فلسطين ولبنان، هذه التحديات التي لا تشمل فقط إمكانية العدوان على إيران أو سورية من جانب إسرائيل وبغطاء أمريكي، بل كذلك تحديات تتعلق بمستقبل المنطقة برمتها في ظل الأزمة الحادة التي صنعتها حكومة العدو الصهيوني بتخريب إمكانية صنع السلام عبر المفاوضات عن طريق استمرار الاستيطان وتهويد القدس والمس بالمسجد الأقصى، ورفض العودة للمفاوضات غير المباشرة مع القطر العربي السوري من حيث انتهت مع الحكومة الإسرائيلية السابقة برعاية تركيا، بالإضافة للموقف الأمريكي المنحاز للرؤية الإسرائيلية لعملية السلام وانصياع الولايات المتحدة للضغوط الصهيونية بعد أن قدم الرئيس الأمريكي أوباما وعداً بلعب دور فاعل و متوازن فيما يخص العملية السلمية في المنطقة بما في ذلك الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان.
وفي الجانب الآخر من صورة التحدي التي أشرنا لها وترتبط بمستقبل المنطقة تأتي التهديدات الأمريكية لإيران، وتصاعد النبرة الهجومية لكل من أمريكا وإسرائيل بخصوص الملف النووي الإيراني.
إن معاني ودلالات الزيارة في هذا التوقيت باتت واضحة وترتبط بوضع يحتم على البلدين تنسيقاً بمستوى رفيع ينسجم مع الرؤية الشاملة للتحديات آنفة الذكر وللتأكيد على ترابط المصالح بينهما وخصوصاً على المستوى الأمني والسياسي وغيرها.
لعل محاولات أمريكا والغرب عموماً تحييد سورية والاستفراد بإيران هو ما دفع الطرفين السوري والإيراني لهذا اللقاء ضمن رزمة من العوامل الأخرى في طليعتها إدراك البلدين أن إلحاق الأذى أو الهزيمة بأحدهما سينتج واقعاً معقداً ومأساوياً للطرف الآخر وأن الاستعداد لكل الاحتمالات بات أمراً حيوياً للغاية. إن ما تقدم لا يعني أن الحرب على وشك الوقوع سواء في إيران أو المنطقة العربية لكن الهجوم الدبلوماسي الأمريكي بالتزامن مع التهديدات الإسرائيلية يستدعي مثل هذا اللقاء.
إن استقبال دمشق للرئيس الإيراني بهذه الحفاوة وفي هذا الوقت بالذات يعيد التأكيد على مبدأية ونزاهة السياسة السورية في علاقاتها مع الحلفاء وفي طليعتهم إيران التي يحاول الغرب منذ الانتخابات الرئاسية فيها أن يؤجج الخلافات بين أركان النظام وقواه السياسية المختلفة. والزيارة واللقاءات المزمع عقدها أثناء وجود الرئيس أحمدي نجاد تقول بلغة واضحة أن أي طرف يتعرض للعدوان لن يكون وحيداً في المعركة.