محمد أبو علان
استطاع العلم والعلماء تحديد معايير قياس درجة الذكاء عند الشخص، ولكن لا أعلم إن استطاع العلم تحديد معايير ومؤشرات تتعلق بمعرفة درجة أو مفهوم الغباء والسذاجة السياسية عند البشر، وفي محاولتي البحث السريع والاستقصاء عن مفهوم الغباء السياسي وجدت تعريفاً بأنه "تصرف سياسي يتميز بخطأ التقدير أو المعالجة تجاه أمر سياسي ما يقوم به صاحبه وهو يتخيل أنه الخيار الأمثل".
من هنا نرى أن الأمر خاضع لوجهات النظر ولا يوجد معايير قطعية محددة نستطيع أن نصف هذا الموقف أو ذاك التصرف بأنه يعبر عن غباء أو سذاجة سياسية، فالموقف الذي يصفه البعض بالغباء والسذاجة السياسية قد يكون هو الموقف الأكثر مثالية للبعض الآخر والعكس بالعكس كما يصفه التعريف .
وما استوقفني عند هذا العنوان مقالان نشرا من قبل إعلاميين يتحدثون في مقالاتهم عن "استفحال الغباء السياسي في البلد"، وعن "مستوى السذاجة التي وصل إليها العقل الفلسطيني في تعامله مع السياسية"، والإعلاميين كانت اتهاماتهم موجه لطرف سياسي بعينه على الساحة الفلسطينية دون غيره ولمواقفه السياسية تجاه قضايانا الداخلية والوطنية.
فمن حق كلٌ منا أن يعبر عن وجهة نظرة عما يدور حولنا من أحداث ومواقف سياسية، ومن الطبيعي أن يتفق الشخص مع جهة ما ويختلف مع الأخرى، وقد يصل الحال به للاختلاف حتى مع الجميع، ولكن ليس من حق أحد التعميم في حكمه على الواقع العام في فلسطين ويصفه بالغباء والسذاجة ليس لسبب إلا لكونه يختلف مع الآخرين في آرائهم ومواقفهم السياسية وغير السياسية.
والواقع السياسي الفلسطيني وممارسات السياسيين فيه لا يمكن وصفها لا بالسذاجة ولا بالغباء السياسي، فالسذاجة والغباء تكون نتاج مواقف سياسية غير محسوبة عواقبها بموضوعية وعلمية، ولكن ما يتخذه رجال السياسية في فلسطين ومن كل الأطياف السياسية هي مواقف محسوبة ومدروسة بدقة متناهية، ولكن يبقى الخلاف على الأهداف والمقاصد من وراء هذه المواقف، أهي من منطلقات وطنية أم من منطلقات تنظيمية ومصالح فئوية وأحياناً حتى شخصية؟.
فالانقلاب العسكري الذي تم في قطاع غزة على يد حركة حماس وما تبعه من ممارسات لم يكن نتاج مواقف غبية أو ساذجة، بل بكل تأكيد قامت به بعد دراسة وتقييم وتخطيط وهذا ما صرح به قادتها في أعقاب هذا الانقلاب، ولكن يبقى السؤال في مصلحة من تصب نتائجه في نهاية الأمر؟، والشيء المؤكد أن نتائجه لا ولن تصب في يومٍ من الأيام في المصلحة الوطنية ولن تخدم الهدف الرئيس لشعبنا في تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
في المقابل ما يجري في الضفة الغربية من اعتقالات سياسية وإغلاق مؤسسات وجمعيات، وعمليات الفصل من الوظيفة العمومية لمئات المدرسين وغيرهم ليس نتيجة غباء أو سذاجة من يقوم بها بقدر ما هي جزء من سياسية عامة معتمدة في الحرب الدائرة بين جناحي السلطة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة يدفع ثمنها في النهاية المواطن البسيط الذي اختار أن يكون منضوياً تحت راية إحدى التيارات المتصارعة على الساحة الفلسطينية.