أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أول خطاب له أمام مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس مساء الثلاثاء، عن إجراء مراجعة متأنية للسياسية الأمريكية في حربيها بالعراق وأفغانستان، وشدّد على أن واشنطن ستعيد بناء اقتصادها وستخرج من الأزمة أقوى من ذي قبل، لافتاً إلى أن “يوم الحساب” قد حلّ.
وقال أوباما في خطاب دام 52 دقيقة “نحن نجري مراجعة متأنّية لسياساتنا في الحربين “العراق وأفغانستان” وسنعلن قريباً عن خطة للمضي قدماً في العراق، يترك “البلد” لشعبه ويضع حداً للحرب بمسؤولية”.
وأضاف “على الرغم من ضعف اقتصادنا واهتزاز ثقتنا، ومن أننا نعيش أوقاتاً صعبة، أودّ أن يعلم كل أمريكي هذه الليلة أننا سنعمل على إعادة البناء وسنستعيد عافيتنا، وأن الولايات المتحدة ستخرج أقوى من ذي قبل”.
وأكد الرئيس الأمريكي أن “يوم الحساب جاء، وحان الوقت لنمسك بزمام مستقبلنا، إنه وقت العمل بجرأة وحكمة، ليس لإعادة إحياء الاقتصاد فحسب، بل من أجل وضع أسس جديدة لازدهار مستديم”.
وأضاف “إنه الوقت المناسب لتحريك الاقتصاد وخلق فرص العمل وإعادة بدء الإقراض والاستثمار في مجالات كالطاقة والرعاية الصحية والتعليم التي تنمّي اقتصادنا، حتى لو تزامنت مع قرارات صعبة للحدّ من عجزنا، هذا هو الهدف من أجندتي الاقتصادية، وهذا ما أود التطرّق إليه هذه الليلة”.
وأكد الرئيس الأمريكي أن “وطأة الأزمة لن تقرّر مصير هذه الأمة، كما أن الحلول لمشاكلنا ليست بعيدة المنال، فهي موجودة هنا، في مختبراتنا وجامعاتنا وفي حقولنا ومصانعنا وفي خيال رجال الأعمال لدينا وفي فخر أكثر العاملين كداً في الأرض”.
وتابع “ما زلنا نمتلك الصفات التي جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة للتقدم والازدهار في تاريخ البشرية، والمطلوب اليوم من هذا البلد هو أن نواجه معاً التحديات بجسارة وشجاعة وأن نحمل سوية مسؤولية مستقبلنا”.
وانتقد أوباما السياسات المالية والمصرفية التي انتهجت في عهد الرئيس السابق جورج بوش، وقال “عشنا مرحلة تقدم فيها السعي إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأمد على البحث عن الازدهار الطويل الأمد، ففشلنا في النظر إلى ما وراء الدفة التالية والربع المقبل أو الانتخابات المقبلة”.
وأردف “صار الفائض ذريعة لنقل الثروة إلى الأغنياء بدلاً من أن يكون فرصة للاستثمار في مستقبلنا، خرقت الأنظمة لمصلحة الربح السريع وعلى حساب سلامة عمل السوق، واشترى الناس منازل يعلمون أنهم يعجزون عن دفع ثمنها من المصارف ومن المقرضين الذي دفعوا باتجاه تقديم هذه القروض على الرغم من كل شيء، وفي الوقت نفسه، أرجئ النقاش الهام والقرارات الحاسمة ليوم آخر ووقت آخر”.
وأوضح الرئيس الأمريكي أن خطته لمعالجة الأزمة الاقتصادية لا تدعي القدرة على معالجة كل المشاكل والتحديات.
وقال “إن خطتي الإنعاش الاقتصادي والاستقرار المالي تشكلان الخطوات الفورية التي اتخذناها من أجل إعادة إحياء الاقتصاد على المدى القصير”.
ورأى أن الطريقة الوحيدة لكي يستعيد النظام الاقتصادي الأمريكي عافيته، تكمن في القيام باستثمارات طويلة الأمد، من شأنها أن تؤدي إلى خلق فرص عمل وصناعات جديدة، “وأن تجدّد قدرتنا على التنافس مع باقي العالم، والسبيل الوحيد لجعل القرن الحالي قرناً أمريكياً هو مواجهة أخيراً ثمن اعتمادنا على النفط والكلفة العالية للرعاية الصحية، ومواجهة المدارس التي لا تعد أطفالنا لجيل الديون الذي سيرثونه، هذه هي مسؤوليتنا”.
وأعلن أوباما أنه سيرفع أمام الكونغرس في الأيام المقبلة مشروعاً للموازنة.
وقال “لقد اعتدنا في كثير من الأحيان النظر إلى هذه الوثائق على أنها مجرّد أرقام أو مجموعة لوائح، أنا أنظر إليها على نحو مختلف، أجد فيها رؤية لأمريكا وخططاً لمستقبلنا”.
واعتبر أن مشروع الموازنة التي أعدته إدارته “تعكس الحقيقة الصارخة لما ورثناه، وهو تريليون دولار من العجز وأزمة مالية وركوداً مكلفاً، وبالنظر إلى هذه الحقائق، فإن كل من في القاعة، ديمقراطيين كانوا أم جمهوريين، سيضطرون إلى التضحية ببعض الأولويات التي لم تتوافر لها الأموال، وهذا يشملني أنا”.
وأضاف “ولكن هذا لا يعني أننا قادرون على تجاهل التزاماتنا بعيدة المدى، وأرفض وجهة النظر القائلة بأن مشاكلنا ستحلّ نفسها ببساطة، لأن هذا يعني أن لا دور للحكومة في وضع أسس ازدهارنا المشترك”.
وكشف أوباما أن الموازنة الجديدة ستقترح زيادة عديد جنود الجيش و”المارينز”، كما ستلحظ زيادة رواتبهم وتأمين الرعاية الصحية للمحاربين القدامى.
وتعهّد أن بلاده لن تستعين بالتعذيب سبيلاً لاستجواب “الإرهابيين” المفترضين، مشدداً على أن “التزام القيم الأمريكية لا يجعلنا أضعف، بل أكثر أمناً وأقوى”.
وقال “عقدت بالأمس قمة مالية تعهّدت فيها خفض العجز حتى النصف بحلول نهاية ولايتي الرئاسية الأولى، وبدأت إدارتي بمراجعة الموازنة الاتحادية سطراً بسطر من أجل التخلص من البرامج المسرفة وغير الفاعلة، وهذا يستغرق وقتاً، لكننا بدأنا بالخطوط العريضة، ونجحنا في ادخار تريليوني دولار للعقد المقبل”.
وأعلن أن الإدارة الأمريكية ستضع حداً في الموازنة “للبرامج التعليمية غير النافعة وللمدفوعات المباشرة للأعمال الزراعية التي لا نحتاج إليها، وللعقود التي هدرت ملايين الدولارات في العراق، ونعيد هيكلة موازنة الدفاع لدينا كي لا ندفع ثمن أسلحة لا نستخدمها وتعود إلى حقبة الحرب الباردة”.
كما تعهّد باستئصال الهدر والغش وسوء الإدارة في برامج الرعاية الصحية، “التي لا تحسّن صحة المسنين لدينا، وسنعيد روح العدالة والتوازن في قانوننا الضرائبي برفع الإعفاءات الضريبية عن الشركات التي تحمل فرص العمل إلى ما وراء البحار”.
وتابع “أعلم أننا لم نتفق على كل مسألة حتى الآن، وأنا متأكد من أن دروبنا ستختلف في المستقبل، لكنني أعلم أيضاً أن كل أمريكي هنا يحبّ هذا البلد ويريد له النجاح، ويجب أن يشكل هذا نقطة انطلاق لكل نقاش نقيمه في الأشهر المقبلة، وهذا هو الأساس الذي يتوقع الشعب الأمريكي أن نبني منه أرضية مشتركة”.