سجاح وشيخ ورطة
هانيبال
المثيولوجيا هي علم دراسة الأساطير التي تعتبر الأساس الذي قامت عليه ثقافات الشعوب القديمة منذ العصر الحجري ، وهي التي تشكل الدائرة الواسعة التي نبتت فيها الإرهاصات الأولى للدين والفلسفة والعلم والأدب والفن ، ولذلك تعتبر الأسطورة تاريخ ولكن ليس تاريخ فعلي انتقل الينا مرويا أو محكيا ودخلت فيه الخرافات من كثرة النقل والرواية فحسب وإنما تاريخ مقدس لأنه لم يأتي من حاجة الإنسان البدائي إلى تفسير الظواهر الطبيعية تفسيرا قائما على العقل ولكنه جاء استجابة إلى عواطف الإنسان البدائي وإحساسه وحالته الانفعالية ، ولذلك أيضا كانت الأساطير هي القصص المقدسة التي كان أصحاب الحضارات القديمة يؤمنون بها ويعتبرونها كتبهم المقدسة وخاصة الأسطورة التاريخية والأسطورة الطقوسية والأسطورة التعليلية والأسطورة الرمزية وأسطورة التكوين وأسطورة البطل الإله ، لكن شيخ ورطة كان يعرف أن تفسير الأسطورة يختلف عن وصف الأسطورة لأن تفسير الأسطورة يهدف إلى التوصل إلى قانون علمي يربط تفسير الأسطورة بثقافة الإنسان وتشكيل وعي الإنسان وصياغة نفس الإنسان وسلوك الإنسان وضبط سلوك الإنسان والتحكم في سلوك الإنسان ، ولذلك كان مفهوم الأسطورة في تفسير شيخ ورطة هو تاريخ وخرافة في نفس الوقت ( تاريخسطورة ) ، ومجموعة خوارق ، وطقوس حزبية ، وكائنات روحية خفية ، وإدراك رمزي للحقيقة ، واستنساخ مواقف ونظريات سياسية تلعب دورا أساسيا في صناعة أيديولوجيات تخدم مصالح السلطة ، وتشوه عواطف الشعب ، وتزيف وعيه ، وتخلق أساطير تشكل هويته وتاريخه على عكس البناء الثقافي والخبرة التاريخية وبنفس حجم وطبيعة البناء الثقافي والخبرة التاريخية ، ولذلك كان شيخ ورطة يتحكم في الظروف التي تشكل تفكير الآخرين ، ويطبق القوانين التي تمكنه من التأثير في سلوكهم في المواقف المختلفة ويعبئهم وينشطهم ويجعلهم في حالة يقظة وتوتر واستعداد دائم للقيام بسلوك منظم وموجه نحو إشباع حاجاتهم ، ولذلك أيضا كان ازلام شيخ ورطة يعتقدون أن الشيطان يسكن شيخ ورطة ويعطيه قدرة خارقة في مستوى قدرة الآلهة ، وأن شيخ ورطة يستطيع أن يأتي بأفعال غير طبيعية لأن المعرفة قد وصلت إلى غايتها في عقل شيخ ورطة ولكنها لم تصل غايتها في عقل أي إنسان غير شيخ ورطة ، وفي هذا الزمن البهلواني كان شيخ ورطة يدير الأمور بشكل بهلواني وينفذ الأمور أيضا بشكل بهلواني ، ولذلك كانت الأمور تفلت من بين يدي شيخ ورطة كما يفلت الماء من بين أصابع الظمآن ، ولذلك كان شيخ ورطة يلجأ إلى السحر والشعوذة والشيطنة والتنجيم والعرافة والتنويم الاصطناعي وتحضير الأرواح في تدعيم روايته ورؤيته على مستوى عالم الطبيعة وهو عالم المادة وعلى مستوى عالم ما فوق الطبيعة وهو عالم الأرواح ، ولذلك أيضا كان يمارس السحر والشعوذة والشيطنة والتنجيم والعرافة والتنويم الاصطناعي وتحضير الأرواح في حضور وزرائه وكبار مستشاريه وكبار ضباطه من الخنازيق والزنادقة والعكاريت وكان يهدف من وراء ذلك إلى تعويم إرادتهم وشل قدرتهم التركيزية والاتجاه بها إلى رؤية مهتزة تتبلور في دائرة من ضباب التخيل وسحبه بحيث تسير الأمور المرئية والمسموعة والمحسوسة والملموسة في غيبة الإدراك الواعي وبحيث يتمكن من أن يوحي لهم بكل ما يريد من انطباعاته التحتية ومساوئ نفسه الدونية ، وقد كان يساعده في ذلك كما كان يقول العفاريت والأشباح والجن والمسخرين من الوكلاء والخدم ، ولكن ولما كان الكذب قد أضحى من الصور النمطية التي تؤطر شخصية شيخ ورطة لذلك كان شيخ ورطة يقع في أخطاء كثيرة أما في الفكرة وأما في التعبير عن الفكرة وخاصة في تعليل الظواهر التي لا يجد تفسيرا علميا لها ، ولذلك أيضا كان يلجأ إلى خلق حكايات أسطورية تفسر هذه الظواهر ومن أبرزها حكايات تحضير الأرواح الذي كان يمارسها أمام خنازيقه وزناديقه وعكاريته في طقوس غيبية وغبية ، وفي جلسة من جلسات تحضير الأرواح طلب شيخ ورطة من كبير الخنازيق أن يعد المسرح بحيث يكون عدد المشاركين يقسم على العدد ثلاثة ، وأن يضع طاولة بيضاوية الشكل عليها بعض المواد الغذائية التي تجذب الأرواح ، وأن يضع بعض الشموع على الطاولة وبحيث يصبح عددها يقسم على العدد ثلاثة أيضا ، وأن يطفأ الأضواء وأجهزة التشويش ، وأن يضيء القاعة بأضواء خافتة بكل بألوان الطيف السبعة وبشكل يجعل الضوء ينبعث بدرجات متفاوتة من أركان القاعة لأن الأرواح تحب الدفء والضوء ، وأن يطلب من المشاركين المحافظة على الهدوء والأعصاب وتماسك الأيادي مع بعضها البعض والاتجاه نحو الكعبة ، وفي هذا الجو ألطقوسي الرهيب بدأ شيخ ورطة يقوم بدور الوسيط الروحاني وينادي على روح سجاح قائلا عزيزتي آم صادر لقد جئت إليك بالهدايا من عالم الأحياء إلى عالم ألأموات فأرجو أن تتواصل روحك معنا وأن تتنقل بيننا وأخذ يكرر ذلك حتى استجابت روح سجاح عبر إشارات معينة يعرفها شيخ ورطة ، وهنا اخذ شيخ ورطة يسأل روح سجاح وروح سجاح تجيب
شيخ ورطة : أهلا آم صادر
سجاح : أهلا شيخ ورطة
شيخ ورطة : اهلا ولكن أي سجاح آنت
سجاح : وهل هناك سجاحات
شيخ ورطة : نعم هناك سجاحات
سجاح : كيف ذلك
شيخ ورطة : لأن الروح لا تسكن جسد واحد ولكنها تسكن في عدة أجساد في مراحل زمنية متعاقبة
سجاح : ولماذ تسكن الروح في عدة أجساد
سشيخ ورطة : حتى تكفر عن سيئاتها
سجاح : وهل تكفر عن سيئاتها
شيخ ورطة : نعم
سجاح : وكيف تكفر عن سيئاتها
شيخ ورطة : بأن تلقي تبعية ما اقترفت من سيئات على الأجساد الأخرى التي تسكن فيها
سجاح : وكيف تقبل إذا كانت روح طيبة إن يكفر غيرها عن سيئاتها
شيخ ورطة : لا يوجد روح طيبة وروح شريرة ولكن نحن الذين نخلق أفعالنا بإرادتنا
سجاح : ولذلك يجب أن نكون مسؤولين عن افعالنا
شيخ ورطة : نعم
سجاح : ولذلك أيضا كيف ترضى روح أن يضحي غيرها نيابة عنها
شيخ ورطة : ولماذا لا ترضى وقد أعطت غيرها السلطة والمال
سجاح : والجسد
شيخ ورطة : القيامة للروح ولا قيامة للجسد
سجاح : ولكن الجسد مكان الخطيئة
شيخ ورطة : لكن الروح هي المحرك الأول وحركة الجسد يجب أن تسير وفق قوانين الروح
سجاح : لكن الجسد ليس منفصل عن الروح
شيخ ورطة : لكن الروح هي بالفعل مبدأ الفعل
سجاح : هذا يعني أن هناك سجاحات وليس سجاح واحدة
شيخ ورطة : نعم
سجاح : وهذا يعني أيضا أن هناك شيوخ ورطات وليس شيخ ورطة واحد
شيخ ورطة : نعم
سجاح : وقد بدأ عليها التردد ، يعني هناك سجاحات وهناك شيوخ ورطات
شيخ ورطة : سجاح تتردد كيف ذلك وأي سجاح من السجاحات آنت
سجاح : انأ لا أتردد ولكني أعطي نفسي فرصة للتفكير ، وأنا سجاح أم صادر بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية من بني يربوع
شيخ ورطة : ولماذا التردد إذا كنت سجاح التميمية
سجاح : انأ لم أتردد ولكني أعطي نفسي فرصة للتفكير
شيخ ورطة : التفكير في ماذا
سجاح : في الاحتمالات المختلفة والعواقب المتوقعة ورؤية الموضوع من أكثر من جانب ودراسة البدائل لأن ما تقوله شيء يثير الشك والخوف
شيخ ورطة : لكن التردد قد يضيع فرصة قد لا تأتي مرة أخرى ، وقد يكون معوقا لإتخاذ القرار في الوقت المناسب والزمن عنصر هام في الحياة
سجاح : لكن الاحتمالات خطيرة والعواقب خطيرة والبدائل خطيرة
شيخ ورطة : كيف
سجاح : ضياع فرصة أهون من ضياع أمة وضياع زمن أهون من ضياع وطن ومائة موته أهون من ساعة ذل
شيخ ورطة : لكن الشك لحظة مؤقتة ينتقل بعدها الإنسان إلى الحقيقة
سجاح : نعم وهذا هو الشك الايجابي
شيخ ورطة : وهل هناك شك ايجابي وشك سلبي
سجاح : نعم الشك الايجابي هو الشك الذي يحمي من الأخطاء ويؤدي إلى التأكد من الأمور قبل الإقدام عليها وخاصة إذا كانت مبنية على خبرات سابقة أو توقعات اكتسبت من خبرات الآخرين
شيخ ورطة : وما هو الشك السلبي
سجاح : الشك السلبي أو هوس التشكك هو الشك الذي يعتقد فيه الإنسان أن هناك مؤامرات تحاك ضده
شيخ ورطة : ولكن الخوف قد يكون خوف مرضي وهو خوف في داخل الإنسان ويرافق الإنسان طول الوقت ويسبب له إمراض عضوية ونفسية
سجاح : وقد يكون الخوف خوف مستحب وقد يكون الخوف ردة فعل أيضا
شيخ ورطة : ولكن كيف تجتمع كل هذه الفلسفة في مترددة وشكاكة وخائفة ومرتدة
سجاح : التردد فرصة للتفكير ، والشك لحظة انتقل بعدها إلى الحقيقة ، والخوف خوف مستحب لأنه خوف من الله ، والارتداد أنا لم ارتد لأني عندما خرجت عن الخليفة ابو بكر الصديق لم أكن مسلمة بل كنت مسيحية
شيخ ورطة : وزواجك من مسيلمة الكذاب
سجاح : الغبي هو الإنسان الذي لا يتعلم من أخطائه ويكرر نفس الأخطاء ، والذكي هو الذي يتعلم من أخطائه ولا يكرر نفس الأخطاء ، والأذكى هو الذي يتعلم من أخطاء غيره ولا يخطأ
شيخ ورطة : ومن أنت
سجاح : إنا ذكية لأني تعلمت من أخطائي ولم اكرر نفس الأخطاء ، وأنت غبي لأنك لم تتعلم من أخطائك وكررت نفس الأخطاء
شيخ ورطة : ومن هو الأذكى
سجاح : الأذكى هو القادم الذي سوف يتعلم من أخطائك ولا يخطأ
شيخ ورطة : وإذا سكنت روحي في جسده
سجاح : لن تسكن روحك في جسده لأن الروح الشريرة لا تسكن في الجسد الطاهر
شيخ ورطة : وروحك هل كانت طاهرة عندما ارتدت وتزوجت مسيلمة
سجاح : ولكني أسلمت والإسلام يجب ما قبله وقد صلى على جثماني سمرة بن جندب الفزاري والى معاوية على البصرة وأنا اشك أن تجد رجل دين يخاف الله ويصلي على جثمانك .