طلال عوكل
لم يُحالف الحظ الجبهةالديمقراطية لتحرير فلسطين اذ كان يفترض ان تحتفل بعبد انطلاقتها الاربعين، بالضبطفي اليوم الذي كان مقرراً لانعقاد الجلسة الاولى للحوار الوطني في القاهرة، قبل انيتأجل ليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر.
في كل الاحوال ليس ثمة ما يدعو للربطبين تاريخ انطلاقة الجبهة في الثاني والعشرين من شباط، وبين جلسة الحوار سوى انانعقاد الحوار في هذا التاريخ كان سيشكل فألاً حسناً وتاريخاً ينطوي على احتفاليةمزدوجة في السنوات اللاحقة.
اذا كان الأمر يتصل بالفأل الحسن والسيئ، فاناحتفالات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بأعياد انطلاقاتها، تتخذ خلال السنواتالأخيرة طابعاً تقليدياً يخلو من الكثير من مظاهر البهجة والفرح التي كانت ترافقتلك الاحتفالات في سنوات سابقة.
فصائل منظمة التحرير اكتفت في الغالب باقامةاحتفالات داخل غرف مغلقة، أو قاعات مغلقة، فالأوضاع الداخلية لا تحتمل الاشكالالاحتفالية ذات الطابع الجماهيري الواسع والمفتوح، أو ابتداع اشكال غير تقليديةلكنها تبتعد عن الاستعراضات، التي يستدل منها على حجم جمهورها ومناصريها قياساًبالفصائل الكبيرة، وحتى قياساً بماضيها.
في هذا العام اختارت الجبهة الديمقراطيةان تحتفل على طريقة الوضع في غزة فقامت بمسيرة على الحدود بين رفح الفلسطينية ورفحالمصرية، كاحتجاج على الحصار المفروض على قطاع غزة منذ فترة ليست قصيرة.
هكذايتناسب شكل الاحتفال، مع طبيعة الأوضاع، ومع المسموح وغير المسموح القيام به منفعاليات، وأيضاً مع طبيعة الأوضاع الكفاحية، والمكانة الشعبية التي تحظى بها هذهالمنظمة أو تلك.
مؤسف هذا الوضع، ففي أيام سابقة كانت الاحتفالات تتخذ طابعاًاحتفالياً صارخاً وواسعاً تنشغل فيه كل المنظمات الحزبية في عشرات البلدان، أماالاحتفالات المركزية، فكانت تتخذ طابع العروض العسكرية والاحتفالات الفنيةوالرياضية والخطابية الواسعة. وفي معظم الاحيان كانت العمليات العسكرية يجري توقيتوقوعها مع ذكرى انطلاقة الفصيل، كما كانت تحضر الاحتفالات المركزية قيادات كبيرة مناحزاب وحركات التحرر العربية والعالمية.
كانت الجبهة الديمقراطية منظمة كبيرةوفعالة، وكذلك كان حال الجبهة الشعبية، ولكن الأهم كان منمنهما يحظى بالاعتراف بكونه التنظيم اليساري الاساسي، وكان ذلك حافزاً اضافياًلمزيد من العمل والتقدم.
انتهت قصة التنظيم الثاني في الحركة الوطنية الفلسطينيةبعد ان تقدمت حركة حماس إلى المستوى الذي هي عليه لتتقاسم مع حركة فتح، قصة التنظيمالاول، والاحتكار السياسي، وبفارق كبير بينهما وبين الفصائل الأخرى من حيث الوزنالسياسي وحجم التنظيم والتأييد الشعبي.
وفيما كان سابق السنوات يسمح لكل فصيلباظهار بصمته وطابعه ونكهته الخاصة به، فان هذه الأيام، تشهد على تماهي الهوياتبالنسبة لعدد من الفصائل خصوصاً الفصائل اليسارية ونقصد بها الجبهتين الشعبيةوالديمقراطية وحزب الشعب، فلقد ساهمت الظروف في تقارب هذه الفصائل، وفي دفع قضاياالتمايز الخصوصية إلى زاوية بعيدة.
اربعون عاماً على انطلاقة الديمقراطية وأكثرمنها بعام على انطلاقة الشعبية ليست تاريخاً عابراً، يمكن القفز عنه، أو الاستهانةبه قياساً بوهن اللحظة السياسية، أربعون عاماً لا ينطبق عليها حكم التقدم في السنالذي يصاب به البشر، فتتالي السنوات يعني التواصل، والربط بين الماضي والحاضر الذيينتظر تجديد الشباب في المستقبل. انه تاريخ مجيد من النضال الذي يميز مسيرة الشعبالفلسطيني، ولا يمكن لأحد مهما بلغ من قوة ان يقفز عنه، أو يتجرأ على شطبه، فتلكالسنوات لم تكن اعلام ترف، بل كانت مليئة بالتضحيات التي تراكم وتحضر لسنواتالانتصار.
نتحسر على تلك الأيام، ونتحسر على تراجع دور ومكانة فصائل اليسار،فيما هي اليوم ومنذ سنوات، تقيم قياداتها، ومراكز قياداتها وتتخذ قراراتها من داخلالوطن عكس ما كانت عليه وهي في الشتات.
عند الحديث عن دور فصائل اليسار ومكانتهافي الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة، ليس للأمر علاقة بالحظ، أو بالرغبة، أو حتىبمستوى الاصرار على المواصلة، وانما بمكانة قوى اليسار على المستويين الدوليوالعربي، وبطبيعة العصر، وايضاً بحجم الامكانيات التي تحوز عليها وتتطلبها ظروفالنضال الصعبة والمكلفة جداً.
وفي الأصل أيضاً ثمة علاقة، وثيقة بين طبيعةالبرامج والأفكار والصيغ التنظيمية، وبين مستوى التطور الاجتماعي، وطبيعة العلاقاتالاجتماعية السائدة في المكان، وما ينجم عنها من قيم وثقافة، ومفاهيم.
لقد مثلتقوى اليسار نموذجاً خاصاً في سلوكيات واخلاقيات العمل السياسي والكفاحي، ورسمتلنفسها حدوداً تضبطها قوانين العمل الثوري، ولم تسمح لنفسها الانجراف نحو ثقافةوسلوك الأنا المقرفة، وتجاوز قوانين الصراع، والتجاوز على الدم.
أعتقد ان هذهالفصائل تدرك منذ سنوات، حاجتها لتجديد ذواتها، ومعاودة رحلة الصعود، لكنها لم تنجححتى الآن، في تجاوز ذواتها إلى ما يحقق لها تجديد الشباب في ظروف صعبة على كلالمستويات.
كنا وما زل
نا نعتقد ان على هذه الفصائل ان تبادر إلى تجميع وتوحيدصفوفها، بما يؤهلها لاستقطاب آلاف الكادرات، والانصار ويجعلها قادرة على تشكيل قطبثالث ينهي الثنائية الحزبية السائدة ويشكل ضابطاً حقيقياً قوياً للعلاقاتالوطنية.
نا نعتقد ان على هذه الفصائل ان تبادر إلى تجميع وتوحيدصفوفها، بما يؤهلها لاستقطاب آلاف الكادرات، والانصار ويجعلها قادرة على تشكيل قطبثالث ينهي الثنائية الحزبية السائدة ويشكل ضابطاً حقيقياً قوياً للعلاقاتالوطنية.
وبصراحة يمكن ان نستذكر بفخر الأدوار الريادية في مجال الفكر والسياسةوالواقعية بالنسبة للديمقراطية، وأيضاً للشعبية وحزب الشعب، لكن مسألة النهوض فيهذه الظروف لا تتصل بالضبط بمثل ما كان فلقد تراجع الانتاج الفكري، وتراجعت فرصالمبادرات الكبرى، وما عاد بوسع أي فصيل ان يحقق قفزة في دوره وحجمه ووزنه رغم انظروف الانقسام والصراع بين حركتي حماس وفتح تتيح مثل هذه الامكانية. فقط خيار واحدهو المتاح، وهو خيار الوحدة بين الفصائل الثلاثة التي شكلت ما يعرف اليوم بجبهةاليسار، والتي لم تثبت جدواها حتى الآن ما يعني ان خياراً واحداً مطروحاً وهوالاندماج الكامل، فالوحدة هي المفتاح السحري للفوز والتقدم والنهوض فهل ننتظراحتفالاً واحداً بعد عام، وتاريخاً يلخص ويجمع تواريخ؟.