د. فايز أبو شمالة
أن تشكل لجنة أمنية لدراسة ملف المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية، وإنهائه سريعاً، إجراء لا يبشر بالخير، فلقد بات معروفاً فلسطينياً؛ إذا أردت أن تقتل أي قضية، شكل لها لجنة، وهذا يقودنا إلى استنتاجين؛ الأول: عدم وجود نية حسنة لدى الأخوة في حركة فتح للإفراج عن كل المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية، أو وجود هذه النية الحسنة مع عدم القدرة على تنفيذها لدى قادة الأجهزة الأمنية، وفي كلا الحالتين مأساة، أشار لها قادة سياسيون من حركة فتح، وتحدثوا عن عدم قدرتهم على التأثير في قرارات السلطة، وقد أضاء السيد حسن خريشة النائب المستقل في المجلس التشريعي جانباً معتماً من هذه القضية عندما أشار إلى تواصل الاعتقالات على الأرض من قبل الأجهزة الأمنية دون الاهتمام بحوار القاهرة، أما الاستنتاج الثاني: هو الاعتراف بوجود معتقلين سياسيين في الضفة الغربية، ستشكل لهم لجنة لدراسة ملفهم، وسيطلق سراح ثمانين معتقلاً سياسياً منهم، وفي ذلك تكذيب لتصريحات سابقة عن عدم وجود معتقلين سياسيين.
لا يقف عاقل فلسطيني منتم لهذا الوطن مع الاعتقال السياسي سوءا أكان في الضفة الغربية، أو قطاع غزة، ولكن الإفراج عن المعتقلين السياسيين لا يحتاج إلى لجان، بل يحتاج إلى قرار يؤكد الرغبة الجدية بالمصالحة الفلسطينية، ولاسيما أن الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية تأتي بناءً على تنسيق، وكي لا ينفلت حبل التنسيق على غارب الأجهزة الأمنية، لا بد من وضع حد للاعتقالات السياسية كبينة، ودليل على التلاقي الفلسطيني على برنامج سياسي يتنكر للتعاون الأمني مع الإسرائيليين، ولا يعتمد على الاتفاقيات السابقة التي تجيز التعاون، وتشترط الاعتراف بتلك الاتفاقيات الموقعة لتشكيل أي حكومة وحدة وطنية قادمة.
ولئلا نصطدم بجدلية أيهما أسبق، لا نتمنى أن يكون ملف الاعتقال السياسي معيقاً لحوار القاهرة الذي بات مطلباً لكل الشعب الفلسطيني، ونجاحه هو الكفيل بإغلاق مكاتب قادة الأجهزة الأمنية الذين يحرصون على تنفيذ الاعتقال السياسي، وتوظيفه لإفساد الحوار، وكي لا يصير إصرار حركة حماس باقة ورد على مكاتب أولئك الخارجين عن الصف الوطني، نأمل أن يكون موقف حركة حماس هو تواصل العمل على إنجاح حوار القاهرة، والوقوف إلى جانب الجزء الحريص من تنظيم فتح، والراغب في المصالحة الوطنية، للتخلص سوياً من الحالة الانقسامية التي أعطت للبعض أن يتصرف بتاريخ الكل، وأن يسيّر سيرة الشهداء من فتح في الاتجاه الآخر، بعيداً عن الطموح الوطني، والمصلحة الفلسطينية.
إن وجود معتقلين سياسيين بين الفلسطينيين لأمر مهين جداً، ولاسيما أننا شعب يبحث عن حريته، وعن استعادة أرضه، وعن فك الحصار، وفتح المعابر، وإزالة الحواجز، فلم نبلغ بعد مصاف الدول المتحررة التي تمتلك أمرها، وتدبر شأنها، وتخشى على أمنها، نحن بلا أمنٍ مطاردون لأمن الدولة العبرية، السجان من شعبنا والسجين مستهدف، فما أحوج شرفاءنا إلى بعضهم، بعيداً عن الإيذاء التي يترك ندبة في النفس لا تنمحي.
كان السجناء في سجن غزة المركزي يمارسون التحقيق العنيف ليلاً مع المشتبه بتعامله مع المخابرات الإسرائيلية، ولكن ما أن يظهر السجان في نهاية الممر، حتى يختبئ الجميع، وتكتم الأنفاس، وما أن يبتعد السجان، حتى يعاود المسجون الذي يقوم بدور المحقق إظهار بطولته، ورجولته على السجين الذي يحقق معه، لقد اعترضت في سجن غز المركزي على هذه الطريقة في إظهار البطولة الزائفة، وقلت: الرجل هو الرجل في كل زمان ومكان، فلا يصح أن ينتقل من أقصى الرجولة والبطولة والمسئولية إلى أقصى الاختفاء والتخوف والارتعاب، إما أن تكون فحلاً بالكامل، وإما أن تنتظر، فلا توجد منطقة وسطى للأجهزة الأمنية، لأن المرأة لا تقبل أن يظهر زوجها رجولته في البيت، وبناءً على طلب الآخرين، ليمد رقبته لهم يدسون عليها. ولهذا قيل قديماً: أسدٌ عليّ، وفي الحروب نعامةٌ!؟.