حســين حرفوش
لا يخفى على عاقل أهمية مرحلة الطفولة في حياة الإنسان … حتى أن علماء النفس يؤكدون أن كل قيمة واتجاه وسلوك سلبي أو إيجابي يصدر من الإنسان .. إنما يرجع إلى خبرات اكتسبها و اتجاهات تأثر بها في طفولته …… ولكن لك الحق أن تتساءل وما علاقة ذلك بعنوان المقال الغريب!!!
أقول لك فأوجز ..لقد وجدتني وأنا على الكورنيش بين طفلين صغيرين قطعا علي لحظات تأملي وهدوئي بعبثهما ولعبهما… فقلت أشغلهم كما شغلوني ….وبعد أن تعرفت عليهما .. ولأنني مشفق على مستقبل ذلك الجيل الذي تربى وتفتحت عينه على حياة تحقق له الكثير من الرفاهية دون عناء يذكر مما أفقد أشياء كثيرة قيمتها …. سألتهم سؤالا ..فقلت : لو افترضنا أن مع كل منكما مالا زاد عن حاجته ..فماذا أنت فاعل به؟!!
فقال الأول : سأشتري لأبي ( مُـنَـبِّـهـا ) ليوقظه حتى لا يتأخر عن دوامه المسائي ولا يتشاجر مع أمي!! … فقلت : ولو تبقى جزء من المال ..فقال : سأشتري لأمي ماكينة “شيبسي” هدية لأن إخوتي يحبون “الشيبسي” كثيرا ..وأنا أيضا أحبه ..فقلت : ولو تبقى جزء من المال ..فقال : سأشتري هدية لبَوَّاب المدرسة لأنه يحمل عني حقيبتي كل صباح عند نزولي من ” الباص ” !! …. حقيقة أعجبت بالطفل الرجل ..أو إن شئت قل : بالرجل الكامن في روح الطفل.. وأملت خيرا في أن الطفل الثاني سيؤكد أن تفاؤلي بأن مستقبلنا بخير … وخاصة وأنا أراه متحفزا ..متعجلا لكي يجيب … فأذنت له بالإجابة ..فقال : أما أنا فسأشتري بكل المال هدية عظيمة !!.. فقلت : خيرا ..ماذا ستشتري ؟!… قال : سأشتري ( كلبا ) .. فتعجبت : كلبا !! ولماذا ؟! فقال لأنني معجب بكلب ( مستر إكس ) الذي يحضره معه في الحفلات والمناسبات المختلفة في مدرستنا… آه لو رأيته !! ما أجمله .. وهو يعانق (مستر إكس ) (ومستر إكس) يعانقه ويبادله حبا بحب !!! أتمنى إذا اشتريته أن أهديه (لبابي.. ولمامي).. فقلت : وأتمنى أن يعجب به (بابيك..وماميك).. فقال وأتمنى أن تعجب به أنت أيضا ..فهززت رأسي.. ولم أصرح بأمنية نفسي !!.. وانصرف الطفلان للعبهما ولهوهما ولم ينصرف عني خيالهما …بل تخيلي لمستقبل كل منهما … ولكن الحقيقة التي ليس فيها تخيل …أن كلا منهما عكس خبرة واتجاها تعرض له في تربيته وتعليمه… فالأول يدرس المنهج المستمد من ثقافة وطنه وعروبته.. في المدرسة الوطنية… والثاني يدرس المنهج ( الفولاني العصري ) في المدرسة ( الفولانية العصرية )!!!
وطوال الليل كنت أفكر كيف أسوق مشاعر معينة في داخلي وأوضح لأولادي في المدرسة اتجاها معينا دون الدخول في أسلوب النصح الممل ففكرت أن أكتب ذلك المثال : ليعربوه .. ( نعم الهدية … الكلب الكبير !!!) … فهمهم طلابي .. ورفع أحدهم يده قائلا :لعلك تقصد .. نعم الهدية القلب الكبير… فقلت : لا …. لأن في معايير البعض يا ولدي ( الكلب ) أفضل من ( القلب ) … أولا : فماديا (الكلب ) أثقل وزنا .. أما ( القلب ).. فماديا أخف وزنا بكثير … ثانيا ديموقراطيا (الكلب) حر فهو يتحرك بكيفه .. ويهز ذيله بكيفه …وربما .. فعل أشياء .. وأشياء .. في أي مكان دون وجل .. أو خجل ..بكيفه.. أما (القلب) فديمقراطيا حريته أقل فهو يراعي فيها حرية الأعضاء التي ترتبط به !! …ولذا حاز( الكلب )على عناية وتشجيع وتبجيل الكثيرين .. حتى كدنا نشعر بموضة الظاهرة الكلبية ….ولتعلموا أنني لو عاديتهم لاتهموني بالتفرقة بين الأجناس على أساس العرق …أو بالسامية ..!! وربما تجدونني غدا في قفص محكمة العدل الدولية !!… و لذا لم يستغرب العالم عندما رأى .. ويرى.. من يحمل بيده اليمنى كلبا يدلـلـه ..وباليد الأخرى سلاحا يهدد به إنسانا ..و يقتله !!! …ومرة أخرى يهمهم الطلاب .. ويظهر عدم اقتناعهم بما سقته من أدلة … لأنهم ببساطة مازالوا يدرسون المنهج المستمد مفاهيمه من ثقافتنا العربية .. في مجتمع عربي …و لذا مازالت قلوبهم وعقولهم .. ترفض القول بأن نعم الهدية الكلب الكبير!! .. وإنما القلب الكبير … وعندهــا اطمأننت على ما بذرت وغرست… وغيرت المثال … ليصبح : نعم الهدية .. القلب الكبير … رغم أنف مجتمع محكمة العدل الدولية !! وتركت المثال الآخر … لتقوم المدرسة الفولانية العصرية بتدريسه… بجدارة!!
حســين حرفوش