بقلم : ميساء البشيتي
لم تمض ِ إلا ّ وتركتَ في نفسي شيئا ً من إنكسار ولهيب حزن لا ينطفىء مهما نثرتُ على سطحه من غبار الكلمات ، مهما نفختُ عليه من روحي وسكبتُ عليه من ماء العبرات .
كم كنت أحتاج بقاءك في الأمس ؟ كم أنا أحتاج وجودك الآن ؟
كم كنت أتمنى لو أنك تمد شراع مركبك المهاجر في عالم النسيان فتحط رحالك للمرة الأخيرة هنا في قلب هذا الفؤاد المنهك من حمّى الشوق والحنين ، تلغي كل العواصم البعيدة ، تهجر كل الموانيء ، تمزق من دفتر أيامك جدول المواعيد وخرائط المدن .
كم كنت أتمنى لو أنني أمتلك مفاتيح الوقت ، لو أنني أستطيع تغيير عقارب الزمن وإعادتها إلى الوراء عشرين عاما ً ، عشرة أعوام ، عاما ً واحدا ً ، مجرد عام ، أعيد فيه عقارب الساعة إلى الوراء وأعيد وجودك داخل غلاف هذا الكون وداخل صفحات هذا الفضاء .
كم كنت أتمنى لو أنني أمتلك عصا موسى فأشق كبد البحر وأمزق أحشاءه وأمنع أقدام مركبك المسافرة من مغادرة ميناء قلبي بلا عودة وأطوي بكفيّ هاتين شراع الرحيل .
كم كنت أتمنى لو أنني استطعت تثبيت قرص الشمس في ذلك النهار فبقيت لي نهارا ً لا ينتهي ، لا ينحني ، لا ينجلي ، لا تجلده سياط العتمة ولا تجره ذيول الليل العنيد .
كم كنت أتمنى لو أنني منعت هذه الأرض من الدوران بعمري وعمرك وبأحلام كانت لنا ، تتسلق نافذة أيامنا وتمتد أصابعها الغضة الطرية نحو خيوط الشمس مشاكسة ، مداعبة ، متحدية قبل أن تدور بها عجلات الأرض فتطرحها عناقيد فلّ منثورة على أرض جرداء.
كم كنت أتمنى لو أنني قطعت موج البحر حين علا هديره الصاخب معربدا ً في ذلك المساء فابتلع في جوفه عمرك ودقات قلبك وأنين بوحك وصدى همسك وآخر ترانيم الوداع المحتضرة ، المتكسرة على شواطيء الحياة .
كم كنت أتمنى لو أن ثرثرتي كان لها خطوات تمشي ، تجري ، تركض ، تسابق الريح ، تقفزعلى رزنامة الأيام فتخترق صمام قلبك وتشعل فيه ثورة ، تحرق فيها جميع صور النساء ، تمزق راياتهن ، تعلن عليك الحب وتحتل قلبك للأبد .
كم كنت أحتاج بقاءك فيما مضى ؟ كم أنا أحتاج وجودك الآن ؟
كم كنت أحتاج أن نستعيد وهج الذكريات قبل أن يتحول جمرها إلى رماد تبعثره زبانية الأيام ؟
وكم أنا أحتاج الآن أن نفتح قلب الماضي ونختبيء فيه لحظات … مجرد لحظات ؟
لكنها أمنيات … مجرد أمنيات … وجودك الآن أصبح مجرد أمنيات .