ذ.محمد زمران
وأنت مار بالشارع الفرعي الذي يؤدي إلى ساحة النصر بحي أكدال بمدينة الرباط، تستوقفك عبارة رصت حروفها بخط عريض على واجهة إحدى البنايات، لتخبرك أنك أمام الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، من المتفق عليه، في البداية يغمرك إحساس من البهجة والانتشاء، فمجرد التفكير في مشاريع الوحدة بين العرب يثير في الإنسان مشاعر الغبطة والحبور .. غير أن هذا الإحساس ما يلبث أن يتحول إلى شعور بالحسرة والألم .. إذ سرعان ما تجد نفسك أمام استفهام طالما حير العديد من الناس: لماذا توحد الأوروبيون وظل العرب مشتتين، تتقاذفهم حالات الانقسام والفرقة والخلاف ..؟
حرب بين فرنسا واسبانيا من جهة، وانجلترا من جهة أخرى، دامت سبع سنوات، وحرب بين فرنسا وألمانيا دامت سبعين عاما، وحرب بين فرنسا وانجلترا دامت مائة عام، وبين الجميع حربين عالميتين .. تناحرات ملأت القبور بملايين البشر، وحروب دموية لانجد لها مثيلا في تاريخنا العربي، ورغم ذلك توحدوا وعجزنا نحن ..!
علماء الألمان يشترطون في الوحدة عنصر اللغة والعِرق، والايطاليون يشترطون فيها وحدة التاريخ والعادات، ومذهب الساسة الفرنسيين يقول بوحدة المطمح السياسي، وآخرون يشترطون وحدة العقيدة، وغيرهم يشترط وحدة الأرض .. وبيننا – نحن العرب – وحدة العناصر جميعها، ورغم ذلك توحدوا وعجزنا نحن ..!
وبالتفكير في أمرنا هذا، نجد أن سبب عجزنا، وخصوصا بالنسبة لنا في المغرب، هو ذاك الذي يتمثل في استمرار إغلاق الحدود المغربية الجزائرية البرية، رغم أن المغرب كان دائما سباقا لمناشدة السلطات الجزائرية من أجل العمل على فسح المجال أمام قطار التنمية المغاربية لمواصلة البناء الذي يخدم جميع شعوب المنطقة، ورغم أن اتحاد المغرب العربي كان يهدف إبان تأسيسه إلى فتح الحدود بين الدول الخمسة لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات ورؤوس الأموال فيما بينها، رغم كل هذا وذاك، نجد أن الواقع السائد الآن يدفعنا لطرح السؤال التالي: ” ونحن نحتفل هذه السنة بالذكرى ال. 20 لتأسيس اتحاد المغرب العربي ( 17 فبراير 1989 / 17 فبراير 2009 ) هل تحقق كل ماأشارت إليه وثيقة المعاهدة ..؟ ” إن الجواب لامحالة عند أهل الحل والعقد في الدول العربية، أما أنا وأنت فلا نستطيع إلا أن نعترف بجهلنا .. ولا نخجل من ذلك ! لأن الأمر يتطلب تغيير بعض السياسات التي لاترغب في خروج دول المغرب العربي من وضع التقوقع الذي أرادوه له، وذلك لحاجة في نفوسهم، وما يزكي هذا الطرح هو إصرار الجزائر، أو بمعنى أصح حكام الجزائرعلى احتضان كمشة من الصحراويين المغرر بهم وإدماجهم في ما أسموه ضدا على القانون الدولي ب.”الجمهورية العربية الصحراوية”، بحيث يبقى هذا دليل قاطع على عجز العرب عن مواصلة الحفاظ على القيم الروحية والخلقية المستمدة من تعاليم الإسلام السمحة، وصيانة الهوية القومية العربية، والمساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف.
وكم كان أملنا الكبير معقودا على قافلة ” شريان الحياة ” المتجهة إلى نصرة غزة، بحيث كنا نأمل أن تظل الحدود مفتوحة بعد مرور القافلة بصفة دائمة لتعود المياه إلى مجاريها، وذلك بعدما ظلت مغلقة لمدة 15 سنة، ولكن يظهر أن لاحياة لمن تنادي في الجهة الأخرى، رغم أن بعض التطمينات صدرت في المدة القصيرة الماضية عن جهات نافذة في المجال السياسي، تؤكد أن سحابة الصيف التي كانت تخيم على حدودنا مع الشقيقة الجزائر آن لها أن تمر إلى غير رجعة.
هكذا تجدنا دائما، وكلما دعت الأوضاع إلى ذلك، نعيش على تباكي خبراء السياسة العرب – بعضهم عن جهل وبعضهم عن قصد – وحينما نبحث في ” الشرعية الدولية ” التي يتحدثون عنها, والتي طالما تباكوا عليها، نجدها لاتعدو أن تكون ترجمة لإرادة خمس دول، هي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ..! خمس دول فقط تتحكم في مصير كل دول المعمور..! فعلى من تدجنون ” خبراءنا العرب ” ؟ إن المحللين الغربيين منطقيون مع أنفسهم، حينما يتكلمون عن القانون الدولي و” الشرعية الدولية ” ، لأنهم مخلصون للمباديء التي تخدم مصالح شعوبهم، وأنتم – معشر المحللين العرب- لانرى أمركم يخلو من إحدى ثلاث: ببغاوات يرددون ما يصدر عن الآخرين، أو جهلة يعوزهم الفهم والوعي الاستراتيجيين، أو مأجورون يخدمون مصالح الغير.
فمن أي نوع أنتم ..؟ أفيدونا أفادكم اللـه.
www.almindar- press.blogspot.com