القاعدة في اليمن والجزيرة العربية .. من يحرك من ؟
بقلم : زياد ابوشاويش
تواترت الانباء خلال الأيام الماضية عن إعادة ترميم تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية بضم خلايا القاعدة في البلدين تحت قيادة واحدة وتسمية أركان هذه القيادة السياسية والعسكرية، والملفت أن توقيت الاعلان جاء عقب إعلان الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما قراره بإغلاق معتقل جوانتنامو خلال عام ليلقي بظلال من الشك والريبة على هذا الاعلان والأضواء الكثيرة التي سلطت على الحدث المفبرك إعلامياً بطريقة مدروسة، وبعد أن ظن الجميع أن نشاط هؤلاء الارهابيين لم يعد خطراً يهدد استقرار اليمن أو دول الجوار.
إن نظرة سريعة على تاريخ تنظيم القاعدة ونشاطه في اليمن يظهر مجموعة من التناقضات وعلامات الاستفهام التي نجتهد كغيرنا في الاجابة عنها وتفسيرها قدر ما نملك من معطيات نضعها في سياق الصراع الجاري في عموم المنطقة العربية وجملة السياسة الأمريكية ومخططها المعروف في احتواء ليس العمليات الارهابية بل وكل حركة باتجاه التخلص من التبعية لها والانصياع لتعليماتها. نذكر في سياق الغموض والاستفهام بعض الاتهامات للسلطات اليمنية على سبيل المثال بأنها توعز لبعض أجهزتها الأمنية لاحتواء الخلايا النائمة ودفعها للعمل والظهور بشتى الطرق والمغريات ثم الانقضاض عليها حين تستنفذ أغراضها من تلك الخلايا، كما ان هناك من يتهم هذه السلطات بتشجيع القاعدة من طرف خفي للضغط على دول الجوار والاصدقاء الغربيين للحصول على أكبر قدر من المكاسب المالية، كما يذهب آخرون لأكثر من ذلك بالقول أن وجود تنظيم القاعدة في اليمن ونشاطه المتجدد هناك ولو بالشكل الاعلامي يعطي الذريعة للنظام الحاكم في صنعاء لتشديد قبضته الأمنية في الداخل لمواجهة أحزاب وقوى معارضة تجمع على مواجهته بالطرق السلمية وبشكل ديمقراطي وأن حالة الطوارىء التي يتسبب بها نشاط هؤلاء تريح السلطات الحاكمة
وفي الوجه الآخر من الغموض وعلامات الاستفهام الحديث المتواتر في الصحف الامريكية والغربية بالعموم حول تراخي النظام اليمني في ملاحقة تنظيم القاعدة مما يؤدي تلقائياً لتقوية نشاطه وقدراته للانطلاق بشكل آمن لضرب مصالح هذه الدول وبالتالي قيام النظام بابتزاز هذه الدول من هذه الخلفية. إن هذا في الحقيقة هو محاولات غربية لذر الرماد في العيون وإن كان هناك ابتزاز في استخدام الاعلانات العنترية لهؤلاء وبعض نشاطهم المحدود وغير المؤذي لمصالح الولايات المتحدة، قلنا إن كان هناك ابتزاز فهو ما تمارسه أمريكا والغرب عموماً على اليمن وغيره من دول المنطقة لتبقى أسيرة سياساتها المعادية للمصالح العربية، وقد رأينا آثار هذا الابتزاز في مناسبتين كبيرتين الأولى في غياب الرئيس عن مؤتمر قمة دمشق العام الماضي بعد أن اعلن أنه سيحضر، وكلنا يعلم اليوم حجم الضغوط التي مورست على أكثر من زعيم عربي ليغيب عنها. والثانية الاستنكاف عن حضور قمة الدوحة الطارئة لنصرة غزة رغم أن اليمن من أوائل من دعوا لعقد قمة طارئة بالخصوص.
وبالعودة لجذر المشكلة والظهور المفاجىء والمتجدد لتنظيم القاعدة والاعلان عن توحيده في اليمن والسعودية تحت إسم تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية فإن المسألة لا تعدو كونها مرحلة جديدة بسمات قديمة سبق أن واجهتها حكومة اليمن. وعلى سبيل المثال فقد اعتبر هروب عدد كبير من معتقلي القاعدة في سجون الأمن اليمني عبر عملية متميزة وجريئة ولادة جديدة لهذا التنظيم قبل ما يقارب العامين ولا زلنا نتذكر ما قيل حينها عن عودة الروح للتنظيم .. إلى آخر ما هناك من تحليلات وتكهنات بالخصوص.
إن الحديث عن هدنة سادت العلاقة بين التنظيم والسلطات اليمنية وسياسة الترغيب والاحتواء التي انتجت حالة شبه مستقرة للعلاقة بين الطرفين وأبعدت شبح العمليات الداخلية المؤذية للاقتصاد ولسمعة اليمن على الصعيد الدولي ما لبثت أن انفجرت في مواجهات دامية حين أدرك قادة تنظيم القاعدة أن اليمن بكل مميزاته كقاعدة مأمونة لهم لن يكون قادراً على التعايش معهم في ظل تنسيقه الأمني عالي المستوى مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أثبتت الأحداث لاحقاً دقة هذا الاستنتاج في مجموع الملاحقات والضربات التي تلقاها التنظيم من المخابرات اليمنية، ولم يعد بامكان التنظيم توجيه أي ضربة للمصالح الامريكية كتلك التي فعلها بالمدمرة “كول” والتي قتل فيها عديد الجنود والضباط الامريكيين.
إن اعلان قادة التنظيم المفترضين بالصوت والصورة عن نشاطهم الارهابي داخل اليمن والسعودية وتوجيه تهديداتهم باتجاه المصالح اليمنية والسعودية يشير إلى انحراف لم يأت من فراغ ولا تبرره كل دعاويهم بعمالة الحكومة اليمنية أو السعودية للغرب وأمريكا على وجه الخصوص، كما لن يكون مفهوماً حديثهم عن التوجه للأقصى لتحريره من خلال ضرب المنشآت النفطية وطرقه في السعودية واليمن، كما لن يمر بسهولة التفسير السطحي لبروزهم في هذا التوقيت بالتزامن مع الهجوم الوحشي على قطاع غزة وتأييد الدول الغربية لهذا الهجوم ذلك أن هذا الأمر أدعى لتوجيه الضربات لمصالح هؤلاء وليس لليمن أو السعودية مهما كانت الملاحظات السلبية على دور كلا البلدين في معركة غزة.
إن الالتباس الحاصل في مجمل ما يسمى بالعمل الجهادي سواء في اليمن والسعودية أو حتى في العراق وفلسطين وغيرها من الاقطار العربية يدفع باتجاه اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر في تناول هذا الشأن الحساس وما يحيط به من دعاية تفيد بعض المتربصين بمصالح هذه الأمة وقدرتها على التصدي لمجموع الأزمات والمشاكل التي نعانيها في ربوع وطننا العربي من أقصاه إلى أقصاه، ولعل الحديث عن بيئة مناسبة لاحتضان القاعدة في اليمن مسنودة بجغرافيا مناسبة وحصينة لهم يدفع الجميع للتفكير ملياً في كيفية تلافي ما يمكن أن ينجم عن هذه العودة لنشاطهم ولو بحدوده الدنيا وتحصين المجتمع اليمني وشبيبة البلد من الوقوع في براثن التطرف والارهاب، كما ولابد من توضيح مهم يرتبط بالمعركة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد ما تصفه بالارهاب وانهماكها حالياً في ملاحقة القاعدة وطالبان في أفغانستان وصعوبة معركتها هناك وبالتالي عدم قدرتها على فتح جبهات جديدة بسبب ما تعانيه من خسائر تجعلها أقرب للتفكير في إلقاء تبعات المواجهة في بلادنا على حكومات الدول العربية المعنية وابقائها أسيرة رؤيتها التكتيكية والاستراتيجية في هذا المضمار، وربما هذا ما يفسر كل هذه الدعاية والفبركة الاعلامية من جانب وسائل إعلام محسوبة على الخط الأمريكي والتهويل في الأمر وكأننا على وشك مشاهدة منازلة كبرى بين تنظيم القاعدة وحكومتي السعودية واليمن، والحقيقة أن كل الأمر لن يعدو زوبعة ستنجلي قريباً عن لا شيء.
زياد ابوشاويش