من لم يعش وقت العزّة والكرامة في عهد بوتفليقة، فلا رأى الدنيا بعينه ولا سمع بأذنيه، ومالَه من نصيب في الآخرة. من أراد منكم أن يتعلم التواضع والتسامح فليأخذه من بوتفليقة، وإلاّ سار عكس الزمان، وقذفته الحضارة الإنسانية على حافة الطريق، وأصبح كالرّماد الذي تذروه الرياح.
الحريات خلال حكمه وسماحته، وقداسة سرّه، بلغت أرقاما قياسية وتعدّت المألوف، بحيث أنه مَنع أحد زملائه في حكم الراحل هواري بومدين، وزير التربية الوطنية، أحمد طالب الإبراهيمي، من النشاط السياسي، واتُّهم من طرف وزير داخليته الذي عيّنه أحمد طالب سفيرا يوم أن كان وزيرا للخارجية في عهد الشاذلي بن جديد، اتهمه رفقة المجموعة التي تنشط معه، وأنا العبد الضعيف واحد منهم، وشبهنا بالنازيين الجدد.
بوتفليقة الإمام العادل والشيخ الأعزب الزاهد، المولود في وجدة، مصدر العزّة والكرامة. طيلة العهدتين اللتين قضاهما وهو يخطب ومعه ذراعه الأيمن زرهوني بلغة غير العربية احتراما لدم الشهداء ووفق السيادة الوطنية، في المسيرات وأمام أعين الكاميرات يصافح المارة ذات اليمين وذات الشمال، بل في بعض المرات يقف دقيقة كاملة أمام عجوز يائسة تحمل صورته وتنادي نعم للعهدة الثالثة والرابعة، في بعض الأحيان من تواضعه للناس، يزور بوتفليقة حتى بعض الذين أصيبوا في التفجيرات لأجل رؤيته، ويتصور معهم ولو كان ذلك في باتنة.
بوتفليقة رمز للسخاء والرّخاء، ففي عهدتيه صافح باراك في المغرب، وعانق بوش في أمريكا، ودعا ماسياس إلى مسقط رأسه، بوتفليقة زاهد زمانه في عهده هناك الكثير من الفرق الرياضية تحصلوا على مبالغ لم يكونوا يحلمون بها، وفي عهد سماحته أشرف حتى على روضة الأطفال وكُرّم بفارس القرآن مع أنه لا يعمل به، هو رمز للعنفوان والشهامة، فقد استقبل الشاب خالد والشاب مامي والزهوانية، ومنهم من ذهب إلى الحج على حساب خزينة الدولة.
فمن قال لكم بأنه ليس سخيا ويده ممدودة للجميع، لقد استقبل اللاّعب زيدان وخُصّصت له طائرة وحتى أصالة، بل حماية أمنية لم يعرفها حتى منافسو بوتفليقة خلال عهدتيه، ووصل الأمر به لتكريم الخالدة في ذهن بوتفليقة وردة الجزائرية بوسام الأثير، حمله معه ابن منطقته الرئيس المُنقلَبُ عليه ذات يوم أحمد بن بلة، وقضى مع وردة أكثر من ساعة وقال قولا كبيرا في ماجدة الرومي.
في وقته تزوج زواج المتعة مدير مكتب المخابرات الأمريكية بجزائريتين، وبحماية من وزيره وذراعه الأيمن يزيد زرهوني، بوتفليقة أيضا قبّل يد الأميرة البريطانية وآخرين، وفق مؤتمر الصومام وطبقا لبيان أول نوفمبر، في عهد عزته بيع لحم الحمير، واستورد الماء والمفرقعات وأشجار الصنوبر، ومات الجزائريون فرادى وجماعات في أعماق البحر، ولا تزال ستمائة جثة تنتظر الحرق في أسبانيا حتى كتابة هذه السطور تحت رعايته وفخامته.
في وقته عُدّل الدستور على المقاس، وصُوّت عليه في البرلمان الذي نال الشرعية الشعبية بالأغلبية الساحقة، حيث أنّ الانتخابات لم تعرف عزوفا مثل ما عرفته أيامها وقد فسروا حسب سبر الآراء عزوف الشعب بالرضا، وها هو بوتفليقة يترشح مستقلا ويعطى جمع التوقيعات إلى الأحزاب وعلى رأسها الحزب البرزخي الذي يرأسه شرفيا.
في عهد فخامته صرفت الملايين من خزينة الدولة لتزيين القاعة البيضاوية، لكي يعلن سماحته بأنه مرشح على الطريقة الأمريكية، وهذا في غياب تام لوسائل الإعلام كالجرائد والقنوات الثلاث على خلفية مبدأ الحياد، دون أن ننسى المدعوين من أمثال العماري وما أدراك ما العماري؟ ناهيك على الصحة التي يتمتع بها الرئيس الملهم، فهو الشاب الذي لا يستطيع أن يسابقه أحد.
في عهد فخامته نطقت الصناديق وناح الحمام، وتاب حطّاب وأصبح يُعامل معاملة خاصة وفق تقاليد زرهوني، وعُينت خليدة وزيرةً لتثقيف الشعب بـ”ناس ملاح سيتي” و “الصراحة راحة”، وقد ختم حفلة ترشيحه بأغنية للشاب مامي، الذي تسعى السلطات الفرنسية لمحاكمته بتهمة الإجهاض، والدبلوماسي حساني بتهمة اغتيال المحامي مسيلي، بوتفليقة الذي ذهب لمستشفى “فال دوقراس” ليعالج بأموال الشعب بينما لم يجد البسطاء من الناس إكمال شراء وصفة الطبيب… فهنيئا لك يا عريوات بهذه الانتخابات.